التنازع ومخالفة الهدي النبوي سبب الفشل وتسلط الأعداء

الكاتب : خالد الشايع
التاريخ : ٢٠ ٢٠١٥ م

المشاهدات : 5136


التنازع ومخالفة الهدي النبوي سبب الفشل وتسلط الأعداء

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهده الله فلا مُضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومَن تَبِع سُنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أمَّا بعد:

أيها الإخوة المؤمنون، إن المتأمل في أحوال أمة الإسلام - وما تمر به المجتمعات الإسلامية من أنواع الشدة واللأواء، والفرقة والاختلاف - لا يَخفى عليه ما لأيدي غير المسلمين - من الكفار وغيرهم ممن سار في فلكهم، وتأثَّر بأُطروحاتهم - من الأثر فيما يحصل، فإن الناظر إلى أحوال أُمتنا وما فيها من إراقة الدماء في أنحاء شتى، وكيف أن الأعداء أشغلوا بعضهم ببعض، فاختل الأمن في كثيرٍ من بلاد المسلمين، وتعطَّلت أحوالهم، وتعطَّلت كثير من شؤونهم، وصار الأمر إلى ما لا يخفى ومما يصعب وصفه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهذه الأحوال مبينة موضَّحة في كتاب ربنا جل وعلا، وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

فهذا الإيمان الذي عليه أهل الإسلام لن يتركهم عليه أعداؤهم، فهم محاربون لهم؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاء﴾ [النساء: 89]، هذا حال أعدائنا، لماذا؟ لأنهم يعلمون أن أهل الإسلام إنما تَكمُنُ قوتهم في إيمانهم، واعتصامهم بالله جل وعلا، وعملهم بما أمرهم به في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك لا يزال أعداء الإسلام يحيكون المؤامرات، ويدبِّرون السوءات التي يريدون أن يَصِلوا من خلالها إلى تفكيك المجتمعات الإسلامية، وتحريفها وصدها عن صراط الله المستقيم.

ومن أعظم ما يتوصلون به إلى هذه الأمور: أن يجعلوا التنازع بين أهل الإسلام أنفسهم، يُوجِدون الخلافات التي لا يصلح أن تكون بين مسلم وآخر، حتى تصل بهم هذه الخلافات إلى الاقتتال، وإلى الفرقة والخلاف، ومهما يكن من أمرٍ، فهذا كله من أنواع الابتلاء التي يمر بها أهل الإسلام، ويكون بذلك تَمحيصهم ورِفعة درجاتهم، وأيضًا مهما يكن من أمر، فإن هذه الفرقة وهذا الاختلاف، أمرٌ عارض لا يكون على الدوام، ولا يكون على الاستمرار، وإنما هي فترات من التاريخ يكون فيها غفلة من أهل الإسلام، وانصراف منهم عن كتاب ربهم وسنة نبيِّهم صلى الله عليه وآله وسلم، ثم لا يَلبثون أن يعودوا بأمر الله، ومما جاء في هذا الباب من الآيات الكريمات قول الله جل وعلا: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: 214].

فهذه الآية فيها تسلية لأهل الإيمان، وتثبيت لهم، فيما يواجهونه من تسلُّط أعدائهم، وما يكون من إثخان الأذى فيهم والقتل، وغير ذلك.

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ [البقرة: 214]: هل ظننتم أن يكون دخولكم الجنة بلا شيء يَسبقه من أنواع الابتلاء والاختبار والامتحان، فانظروا في أحوال الأمم السالفة، فقد مرَّ بهم ما يمر بكم من هذا الابتلاء والاختبار؛ ولهذا قال سبحانه: ﴿وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ﴾ [البقرة: 214]، البأساء والضراء، الأمراض والأسقام والآلام، والمصائب والنوائب؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: "البأساء الفقر، والضراء هو السقم والمرض".

قال الله تعالى: ﴿وَزُلْزِلُوا﴾ [البقرة: 214]؛ أي: إنهم أصابهم الخوف العظيم بسبب تسلُّط أعدائهم عليهم، زُلزِلوا زلزالًا شديدًا، وامْتُحِنوا امتحانًا عظيمًا؛ كما جاء في الحديث الصحيح في صحيح البخاري عن خباب بن الأرَت رضي الله عنه، قال: قلنا يا رسول الله، ألا تَستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم - وكان هذا إبان كون رسول الله عليه الصلاة والسلام بمكة قبل الهجرة، ومع شدة تسلُّط قريش ومعاداتها، وتعذيبها الصحابة رضي الله عنهم - مجيبًا خبَّابًا: ((إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه، فيخلص إلى قدميه، لا يصرفه ذلك عن دينه، ويُمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه، لا يصرفه ذلك عن دينه))، ثم قال: ((والله ليتمنَّ الله هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون)).

واللهِ ليتمن الله هذا الأمر؛ يعني: ظهور الإسلام وبلوغه الآفاق؛ كما قال جل وعلا: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [التوبة: 32].

وأخبر الله تعالى مسليًا ومثبتًا عباده المؤمنين أن هذه البلايا وهذه المصائب هي من جملة ما يكون من الامتحان والاختبار الذي يثبت معه أهل الإيمان؛ حتى يبلغوا جنة ربهم؛ قال الله جل وعلا: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: 1 - 3].

وهذا الاختبار وهذا الابتلاء حصل منه شيء عظيم للصحابة رضي الله عنهم في يوم الأحزاب؛ كما قال الله جل وعلا: ﴿إِذْ جَاؤُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [الأحزاب: 10 - 12].

هكذا كان الابتلاء الذي ثبت معه الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وأظهر المنافقون نفاقهم سوء أدب مع الله، وخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين، ومما يوضح ما حصل للصحابة رضي الله عنهم من هذا الابتلاء، وما كان منهم من الثبات - أن هرقل لَمَّا سأل أبا سفيان: هل قاتلتم محمدًا؟ قال: نعم، قال: فكيف كانت الحرب بينكم؟ قال: سجالاً؛ يدال علينا، وندال عليه، قال هرقل: كذلك الرسل تُبتلى، ثم تكون لهم العاقبة، ولهذا قال بعض الأئمة رحمهم الله في شأن هذه الآية من سورة البقرة: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة: 214]، قالوا: إن سبب نزولها كان في غزوة الخندق، حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد وشدة الخوف، وما كان من البرد وضيق العيش، وأنواع الأذى؛ كما قال تعالى: ﴿وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ﴾ [الأحزاب: 10]، وقيل: إنما نزلت في حرب أُحد لَمَّا كان من تسلُّط الكفار، واستغلالهم لثغرة في جيش المسلمين، فأُديلوا عليهم؛ قال الإمام عطاء رحمه الله تعالى: لَمَّا دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه المدينة، اشتدَّ عليهم الضر؛ لأنهم خرجوا من مكة بلا مال، وتركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين، وآثَروا رضا الله جل وعلا ورسوله، وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأَسَرَّ قومٌ النفاق، فأنزل الله تعالى تطييبًا لقلوبهم: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة: 214].

وما ذكره المفسرون رحمهم الله من أن هذه الآية الكريمة، هذا هو سبب نزولها ولا يمنع عمومها؛ إذ القاعدة أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وأنها تدعو المؤمنين في كل زمان ومكان إلى التذرع بالصبر والثبات تأسيًا بمن سبقوهم من المتقين؛ حتى يفوزوا برضوان الله جل وعلا وبنصره، وفي هذه الآية قوله سبحانه: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة: 214]؛ أي: سنتهم، وما كان من أحوالهم، وأيضًا قوله جل وعلا: ﴿وَزُلْزِلُوا﴾ [البقرة: 214]؛ يعني: ما كان من الشدة التي لحقت بهم، وتأملوا رحمكم الله كيف أن هذه الشدة بلغت منتهاها حتى ضاق الأمر بهؤلاء المؤمنين الذين ضرب الله بهم المثل للتأسِّي بهم: ﴿وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ﴾ [البقرة: 214]؛ أي: إنهم يستفتحون على أعدائهم، ويدعون بالفرج والمخرج عند ضيق الحال والشدة التي نزلت بهم.

﴿ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ﴾ [البقرة: 214]، هكذا يكون المؤمن حينما تشتد عليه الأمور، إنما يفزع إلى ربه، لئن أجلب الكفار والمشركون بأنواع القوى، واستعرضوا أسلحتهم وما فيها من قوة التدمير، وما فيها من تقنيات عديدة، لكن ذلك كله تحت أمر الله جل وعلا، وبقضائه وقدره، ولو صدق المؤمنون لأفشل خططهم وعُدَدهم، ولجعل الإدالة عليهم، ولنصر أهل الإيمان، ولمكَّن منهم، ولكن العبرة في كل ذلك أن يكون عند أهل الإيمان الصدق مع الله جل وعلا، ولذا قال سبحانه: ﴿أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: 214].

فكما تكون الشدة، فإنه ينزل النصر معها؛ هكذا قال ربنا جل وعلا: ﴿أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: 214]، فعلى أهل الإيمان في مشارق الأرض ومغاربها، أن يفزعوا إلى ربهم، وأن يعرضوا حاجاتهم بين يديه، وأن يتلمسوا سبب ما يكون من تسلُّط المشركين، وما يكون من اختراق أعداء الدين لمجتمعاتهم؛ لأن الرجوع إلى الله هو المخرج وهو السبب للظفر والفلاح.

﴿ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ﴾ [البقرة: 214]، ذهب بعض العلماء إلى أن المراد بقوله جل وعلا هنا: ﴿حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ﴾ [البقرة: 214]؛ يعني: أن اسم أو لفظ الرسول هنا للجنس، لا يراد أحد بعينه، وإنما هو مثَلٌ على ما كان من أحوال أولئك المؤمنين مع رُسلهم، أنهم يأتون إليهم ويطلبون منهم أن يدعوا الله جل وعلا، وقيل: بل هو نبي بعينه أشعياء أو اليسع، أو غيرهما، ومهما يكن من أمر، فالمراد هنا أن الواجب على أهل الإيمان أن يفزعوا إلى ربهم، وأن يطلبوا النصر منه جل وعلا، فإذا تلمَّس المؤمنون أسباب إخفاقهم وأسباب فرقتهم وتنازعهم - أدركوا أن ذلك الذي أدى بهم إلى الفشل، وأن الواجب عليهم أن يكونوا مستقيمين على شرع ربهم؛ حتى يفوزوا ويفلحوا، ويتجنَّبوا ما نزل بهم، وما أخلَّ بقوَّتهم، وفرَّق جمعهم.

بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم وللمسلمين في كل مكان إن ربي غفور رحيم.

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذه الآية المتقدمة أيها الإخوة المؤمنون تشخِّص للمسلمين ما هم فيه من أحوالهم وتقلُّباتهم التي ربما نفذ الأعداء من خلالها إلى تفريقهم والتسلط عليهم، وإلى بث الفرقة فيما بينهم، وجعلهم يعادي بعضهم بعضًا.

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: 214].

فهذه طمأنة من الله: ﴿أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: 214]، فإن الله سبحانه لا يُعجزه شيء، والكفار وأعداء المؤمنين، وإن استعرضوا بقوتهم وشدتهم، فهم ضعفاء مع كل ذلك، وتأملوا أيها الإخوة المؤمنون قول الله جل وعلا: ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾ [آل عمران: 151]، فهذا سلاح عظيم يؤيِّد الله به المؤمنين، ولم يزل مرئيًّا مشاهدًا في مواجهات المسلمين مع أعدائهم، ولو أردنا أن ننظر ما يحل بإخوتنا في فلسطين، وكيف أن القوات المحتلة الصِّهْيَونيَّة برغم ما هم مدججون به من أنواع السلاح، لكننا نشاهد كيف أن الشباب والفتية المجاهدين المرابطين، يقابلونهم بصدور عارية، إنما سلاحهم الحجارة، وقبل ذلك توكُّلهم على ربهم جل وعلا، فكيف لو كان بأيديهم السلاح الذي يتمكنون من خلاله أن يواجهوا هؤلاء المحتلين، لكان الأمر شيئًا آخر، ولا تزال عدسات الكاميرات تلتقط وتنقل شيئًا من أنواع الجبن الذي يُصاب به أولئك الجنود المحتلون الصهاينة؛ كما قال الله تعالى: ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ﴾ [الحشر: 14]، فليست المشكلة فيما يَملكه الصهاينة ومَن يُعينونهم، ليست المشكلة فيما يملكون من أسلحة وتقنيات، ولكن المشكلة كل المشكلة هي تنازع أهل الإسلام ونكولهم عن مساعدة بعضهم بعضًا، بل إنه أمر أكثر من ذلك، وهو أنهم اشتغلوا بأنفسهم فيما بينهم؛ حيث يتسلَّط من بينهم من يُذهب قوتهم، ومَن يَصرفهم عن مواجهة الأعداء، وهكذا نشاهد كيف أن حكام إيران سعوا إلى إفساد بلاد المسلمين، كما أفسدوا سوريا وجنوب لبنان، والعراق، ثم أرادوا أن يفعلوا مثل ذلك في اليمن، لولا أن الله قيَّض عاصفة الحزم لردعهم، نسأل الله تعالى تمام النصر عليهم، وهكذا أيضًا ما يكون من وجود بعض الذين يُخذِّلون أهل الإسلام، ويسعون إلى فرقتهم وتباعُدهم، وذلك بأنهم يستوردون من الحلول خلاف ما في كتاب الله جل وعلا، فالواجب على أهل الإيمان أن يتأملوا فيما في كتاب الله تعالى من البيِّنات والهدى؛ حتى يكون لهم المخرج مما هم فيه، وقد ضرب الله لنا مثلًا واضحًا بيِّنًا في خيرة الخلق من بعد الرسل عليهم الصلاة والسلام وهم الصحابة رضي الله عنهم، وكيف أنهم لَمَّا أخَلُّوا إخلالاً يسيرًا رغم شدة متابعتهم له عليه الصلاة والسلام، آلَ بهم الأمر إلى هزيمة وتغيُّر حال بعد النصر، حينما كانوا في معركة أُحد، وذلك ما سجله القرآن كما في قوله سبحانه: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران: 165].

﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ﴾ [آل عمران: 165]: وهو ما أُصيب به المسلمون يوم أُحد، قُتل منهم سبعون، ﴿قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا﴾ [آل عمران: 165]؛ يعني: ما كان من نصر المؤمنين يوم بدر، فإنهم قتَلوا من المشركين سبعين، وأسروا سبعين، ﴿قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا﴾ [آل عمران: 165]: قلتم: كيف يجري علينا هذا الأمر وهذا القتل والهزيمة، ونحن مسلمون، ومعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فينا؟! ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران: 165]، كيف ذلك؟ بيَّنه الله في موضع آخر من كتابه، وهو قوله سبحانه في سورة آل عمران: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾ [آل عمران: 152].

وهذا هو الظاهر من القرآن في معنى الآية الكريمة: ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران: 165]، وقد قال بعض العلماء: ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران: 165] أن قَبِلْتُم الفداء في الأسارى، والواجب عليكم كما أمر الله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْض﴾ [الأنفال: 67]، لكن الأظهر هو ما دلت عليه هذه الآية الكريمة، وهو قوله سبحانه: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ [آل عمران: 152] أن يَنصركم عليهم، وهذا ما كان في أول الأمر في أول المنازلة يوم أُحد، ﴿إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ [آل عمران: 152]: تمكَّن المسلمون منهم، ﴿تَحُسُّونَهُمْ﴾ [آل عمران: 152]: تقتلونهم قتلاً ذريعًا.

ثم قال الله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ﴾ [آل عمران: 152]، معنى الآية: أنكم عصيتم، والذين عصوا هم جزء يسير وهم الرماة الذين كانوا على الجبل، أكد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم لا تُغادروا مواضعكم حتى ولو رأيتم الطير تتخطَّفنا، يؤكد عليهم عليه الصلاة والسلام، لكنهم لَمَّا رأوا أن المعركة على وشك نهايتها، وأن القتل قد استحرَّ بالمشركين، وأنهم أشرفوا على النهاية، إذا بهم ينزلون؛ ليشاركوا في أخذ المغانم، فكان ما كان؛ حيث عصوا ففشِلوا، والتف عليهم المشركون، وكان ما كان من قتلِ الصحابة رضي الله عنهم، وأعظم من ذلك ما أُصيب به النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث شُجَّ في وجهه الشريف، وما كان من كسر رباعيته، وغير ذلك مما حل به، بأبي وأمي ونفسي صلى الله عليه وآله وسلم، فهذه فئة يسيرة عصت، فكان ما كان، ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران: 165]، فكيف والحال أن العصيان يقع منا كثيرًا في زماننا هذا؟! فلا غرابة حينئذ أن يكون ما يشاهد من تسلُّط أعدائنا علينا، وتفريقهم فيما بين أهل الإسلام، وبخاصة التفريق الذي يكون على حسب النعرات القبلية أو المناطقية أو الجهوية، أو غير ذلك.

هذه الجنسيات التي بدلًا من أن تكون سبيلًا للتنظيم والتعارف والتعاون، صارت سبيلًا لفرقة أهل الإسلام، وعدم إحساس بعضهم ببعض، فوجد المشركون في ذلك مدخلًا يتمكنون من خلاله أن يفرِّقوا بين أهل الإيمان.

وبكل حال أيها الإخوة المؤمنون، فإنما يكون لأهل الإسلام من مثل هذه الأحوال التي يكون فيها فرقتهم، وإدالة أعدائهم عليهم، هذا شيء اعتراضي لا يكون على الدوام، فإن المتأمل في نصوص القرآن والسنة يدرك أن العاقبة للمؤمنين، وأن أهل الضلال والكفران مهما أفرطوا في قوتهم، ومهما استعرضوا في بطشهم، فإن العاقبة للمؤمنين، وإن نصر الله قريب.

نسأل الله جل وعلا أن يَحقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم ألِّف بين قلوبهم، اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام إن بأمة نبيك محمد عليه الصلاة والسلام من الفرقة والخلاف، ومن الشدة واللأواء، ما لا يخفى عليك، وما لا نشكوه إلا إليك، وما لا يقدر على كشفه إلا أنت، فنسألك اللهم أن تؤلِّف بين قلوب المؤمنين، اللهم ألِّف بين قلوبهم، وانصرهم على أعدائهم، اللهم فرِّج همومهم، ونفِّس كروبهم يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك في بلادنا أمنًا واستقرارًا، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أسبغ علينا النعم، وادْفَع عنا النِّقم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم ثبِّت جنودنا وعسكرنا المرابطين في الحدود وفي كل ثغر يا رب العالمين، اللهم ثبِّت أقدامهم، وسدِّد رَمْيهم، واحفظهم بحفظك يا رب العالمين.

اللهم اكسر شوكة الحوثيين وأعوانهم، اللهم اكسر شوكتهم ومكِّن منهم يا رب العالمين، اللهم وفِّق وسدِّد ولي أمرنا، وأعنه يا رب العالمين على ما فيه خير العباد والبلاد.

اللهم عجِّل بالفرج لإخواننا في الشام، اللهم احقن دماءهم يا رب العالمين، اللهم وخُصَّ بنصرك إخواننا المجاهدين المرابطين في الأقصى يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا ذنوبنا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا صغيرها وكبيرها يا رب العالمين.

اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربَّوْنا صغارًا.

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

 

 

الألوكة

 

المصادر: