من الفقه السياسي في السيرة النبوية (14) إيجاد ذرع عسكري يحقق النكاية بالأعداء متصل عقدياً بالجماعة ومنفصل سياسياً وتنظيمياً

الكاتب : عباس شريفة
التاريخ : ١٣ ٢٠١٥ م

المشاهدات : 3120


من الفقه السياسي في السيرة النبوية (14) إيجاد ذرع عسكري يحقق النكاية بالأعداء متصل عقدياً بالجماعة ومنفصل سياسياً وتنظيمياً

لتحقيق الاستقرار السياسي والحفاظ على العهود والمواثيق وتحقيق الضغط العسكري بنفس الوقت رَجَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم– من الحديبية إِلَى الْمَدِينَةِ، فَجَاءَهُ أبو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ، فَقَالُوا: الْعَهْدَ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا، فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ، فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى بَلَغَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ، فَقَالَ أبو بَصِيرٍ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى سَيْفَكَ هَذَا يَا فُلَانُ جَيِّدًا فَاسْتَلَّهُ الْآخَرُ، فَقَالَ: أَجَلْ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَجَيِّدٌ لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ ثُمَّ جَرَّبْتُ، فَقَالَ أبو بَصِيرٍ: أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْهِ فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ، فَضَرَبَهُ حَتَّى بَرَدَ وَفَرَّ الْآخَرُ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو، فَقَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- حِينَ رَآهُ: "لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا".

فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قُتِلَ وَاللَّهِ صَاحِبِي، وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ، فَجَاءَ أبو بَصِيرٍ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ الله قَدْ وَاللَّهِ أَوْفَى الله ذِمَّتَكَ قَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ، ثُمَّ أَنْجَانِي الله مِنْهُمْ، قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ" *

(قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : "ويل أمه": كلمة ذم تقولها العرب في المدح ولا يقصدون معنىٰ ما فيها من ذم. وقوله: "مِسْعر حرب" أي: مشعل نار الحرب مما فعله من قتل الرجل، وقوله: "لو كان له أحد" أي: ينصره ويعاضده ويناصره، وفيه إشارة إليه بالفرار لئلا يرده إلىٰ المشركين، ورمزٌ إلىٰ من بلغه ذلك من المسلمين المستضعفين في مكة أن يلحقوا به).

فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سِيفَ الْبَحْرِ، قَالَ: وَيَنْفَلِتُ مِنْهُمْ أبو جَنْدَلِ بن سُهَيْلٍ، فَلَحِقَ بِأبي بَصِيرٍ فَجَعَلَ لَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ إِلَّا لَحِقَ بِأبي بَصِيرٍ حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ فَوَاللَّهِ مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّأْمِ إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا فَقَتَلُوهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- تُنَاشِدُهُ بِاللَّهِ وَالرَّحِمِ لَمَّا أَرْسَلَ فَمَنْ أَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَيْهِمْ.
وبذلك أوجد النبي صلى الله عليه وسلم لدولة المدينة ذراعا عسكريا يضرب العدو بدون ارتباط تنظيمي أو سياسي ويحقق فيهم الانهاك مع المحافظة على العهود والمواثيق السياسية وبدون تدخل من دولة المدينة وأكثر من أجاد بهذا الأسلوب في هذا العصر هي إيران حيث أوجدت لنفسها مخالب في كثير من الدول تنظيميا تابعة لدولها وعقيدة تدين بالولاء للولي الفقيه بينما كانت الدول السنية من فرط الغباء السياسي أداة لسحق كل حركة جهادية سنية.

----------------
*صحيح: أخرجه البخاري (2731، 2732)، كتاب: الشروط، باب: الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط.

 

 

مشاركات نور سورية

المصادر: