إلى الذين انتقدوا الخطاب السياسي لأحرار الشام

الكاتب : مجاهد مأمون ديرانية
التاريخ : ٢٥ ٢٠١٥ م

المشاهدات : 2842


إلى الذين انتقدوا الخطاب السياسي لأحرار الشام

-1-

{ولن ترضى عنك اليهودُ ولا النصارى حتى تتبع ملّتَهم}... هذه الآية هي أكثر ما ردّ به خصوم الأحرار على المقالتَين الأخيرتين اللتين نشرهما مسؤول العلاقات الخارجية في الحركة، واستدلالُهم بها يدل على أنهم لم يفهموا ما كُتب في المقالتين. إن الخطأ الكبير الذي وقع فيه هؤلاء العاذلون الساخطون جميعاً هو أنهم افترضوا لتلك الكتابات هدفاً خيالياً، ثم حاكموه فأدانوه وجرّموا أصحابه، ولو أنهم أنصفوا لما ارتكبوا هذا الخطأ الساذج.

مَن قال إن الأحرار حاولوا استرضاء أمريكا وبريطانيا بالمقالتين؟ لو كان رضا هاتين الدولتين هو الهدف فإن المقالتين لا تستحقان الحبر الذي كُتبتا به، وهي محاولةٌ محكومٌ عليها بالفشل قبل أن تبدأ. وهل تبلغ السذاجة بقيادة كبرى الحركات الجهادية في سوريا أن تظن أنها ستخدع الإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية ببضع كلمات؟ هذا محال ولا يظنه عاقل.

-2-

إن حركة أحرار الشام تعلم (كما يعلم كاتب هذه السطور وقرّاؤها) أن أمريكا عدو ماكر لئيم، وقد كنتُ -ولا فخر- من أوائل الذين حذروا من المؤامرة الأمريكية على الثورة السورية، منذ عام 2011، ولكني لم أدْعُ في أي يوم إلى قتال أمريكا ولا دعا إلى قتالها الأحرارُ، ولا أحدَ في الثورة السورية انضمّ إلى الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين، لأننا نعلم أنّ إعلان الحرب على أمريكا حماقةٌ وتحميلٌ للأمة ما لا طاقةَ لها بحمله، ونعلم أن الثورة السورية تملك من الأعداء ما يكفي ويزيد عن الحاجة، فهي لا تسعى إلى استعداء المزيد.

نعم، نعلم ونقول إن أمريكا هي العدو، ليس لنعلن عليها الحرب في البرّ والبحر، بل لنَحْذر مكرها بنا وبثورتنا، أخذاً بالمبدأ القرآني العظيم {هم العدوّ فاحذرهم}. لم يقل "فقاتلهم"، بل قال "احذرهم" فحسب، ليس لأن قتالهم غيرُ ممكن بإطلاق بل لأنه يضرّ أكثر ممّا يفيد. وكذلك قتال أمريكا اليوم، وها هي "القاعدة" قد حشدت وتفرغت لقتالها منذ ربع قرن فلم تزد على أن تسببت في تدمير بلدان المسلمين، ولو فقهَت لعلمت أن الله لا يكلف الأمة ما لا تطيق. فإذا لم تفقه "القاعدة" هذه القاعدةَ، فهل تُلام حركةُ أحرار الشام لأنها فقهتها وأرادت أن تقصّر طريق المحنة وأن تجنب سوريا وأهل سوريا المزيد من الكوارث والأهوال؟

-3-

إن السياسة لا تقوم على المحبة والرضا، فلا يَطلب مَن يمارسها من الطرف الآخر أن يحبه ويرضى عنه، ولا يسعى إلى هذا الهدف الخيالي أصلاً إلا إذا كان من أكثر الناس سطحيةً وسذاجة. إنما يسعى السياسيُّ الحاذق إلى تحقيق مصالح قومه بقدر الوسع ودرء ما يمكن درؤه من المفاسد، وذلك من خلال استغلال التناقضات الإقليمية والدولية، واستثمار المصالح المشترَكة بين بلده وسائر البلدان، وتحريك قوى الضغط الشعبية في تلك البلدان، والتأثير في قواها المجتمعية والسياسية وفي مراكز صنع القرار.

إن العمل السياسي مكمّلٌ للعمل العسكري، وكما أن للعمل العسكري حدوداً شرعية لا ينبغي على المجاهد المسلم تجاوزُها فكذلك العمل السياسي، له حدود شرعية لا يجوز للسياسي المسلم أن يتجاوزها. ومن أهم ما يُطلَب من الاثنين الوفاء للثورة وحماية مبادئها وأهدافها الكبرى، فهل يستطيع أحدٌ أن يستخلص من مقالتَي لبيب النحاس ما يتجاوز الحدودَ الشرعية أو يتنازل عن شيء من المبادئ والأهداف؟

-4-

إن الحروب تصنع الشروط اللازمة للنصر، ولكن الحصاد لا يكون إلا في أروقة السياسة وعلى طاولات المفاوضات. لقد انتهت حرب كونية استمرت ست سنين وأفنت ستين مليون نفس على الطاولات في يالطا، وحققت إسرائيل نصرها الحقيقي على الطاولات في رودس بعدما حطمت جيوشَ العرب في تمثيليات سُمِّيت زوراً بالحروب. وعاجلاً أو آجلاً ستُحسَم ثورتنا وتُقال الكلمة الأخيرة فيها على طاولات مشابهة، وسوف تكون حاجتُنا إلى الخبرة والكفاية السياسية حينها كحاجتنا إلى الخبرة والكفاية العسكرية اليوم، فلنبدأ ببناء الكوادر السياسية وتطوير العمل السياسي قبل أن يدركنا الوقت ويفوت الأوان.

علينا أن نتعلم استخدام أدوات السياسة كما تعلمنا استخدام أدوات الحرب، فإن العمل السياسي جزء من المعركة لا يَسَعُنا الزهد فيه وتركه للآخرين، وما أكثرَ ما نجحنا في الحرب لأننا نملك الشجاعة والإقدام، وما أكثرَ ما خسرنا في السياسة لأننا هِبْناها فاجتنبناها، أو لأننا خضنا في بحرها اللُجّي بلا إعداد وتدريب.

وها نحن اليوم نسلك هذا الطريق بحذر وننقل فيه الأقدام كمن يمشي في حقل الألغام، ففيمَ اللوم وعلامَ تجرَّد علينا الأقلام؟ لقد أثبتت "القاعدة" أنها لم تنجح في السياسة قط ولم تكسب حرباً ولم تحرر بلداً من بلدان المسلمين، فكفّوا -يا منظّريها- عن أحرار سوريا وكفوا عن "أحرار الشام"، فإنهم لم يخذلوا ثورتنا في الميدان ولن يخذلوها في أروقة السياسة إن شاء الله.

 

 

الزلزال السوري

 

المصادر: