بين تجربتي أفغانستان والشام.. لماذا غابت الوحدة الثورية؟!

الكاتب : أحمد موفق زيدان
التاريخ : ٦ ٢٠١٥ م

المشاهدات : 2829


 بين تجربتي أفغانستان والشام.. لماذا غابت الوحدة الثورية؟!

التجربة الأفغانية مهمة لفهم ما يجري في الشام، فاللاعبون متماثلون تقريباً على الساحتين، ربما الفارق بنظري أن أفغانستان كانت دولة وظيفية مهمة لغيرها، نظراً لكونها القنطرة إلى المياه الدافئة في الخليج العربي، التي لطالما حلم بالوصول إليها القياصرة وأحفادهم، بينما الشام مهمة لذاتها، يعزز أهميتها مكانتها التاريخية والجغرافية وإشعاعها بحكمها لنصف العالم تقريباً خلال فترة الخلافة الأموية، يُضاف إليه تأثيراتها الجيوبوليتيكية في دول الجوار الأقرب والأبعد..
منذ بداية الجهاد الأفغاني تولّت باكستان كدولة واحدة وموحدة دور المتعاقد الحصري للجهاد الأفغاني تدريباً وتسليحاً وتمويلاً واستقبالاً للمهاجرين الأفغان الذين كانوا أضخم كتلة هجرة عالمية ليصلوا إلى ثلاثة ملايين مهاجر، ليبزّهم المهاجرون السوريون هذه الأيام.

وفّر المتعاقد الباكستاني الوحيد وحدة قرار سياسية وعسكرية وإنسانية للفصائل الأفغانية، ساعده في ذلك انشغال إيران التي استقبلت بدورها مليون لاجئ أفغاني بحربها مع العراق وصراعاتها الداخلية عقب انتصار ثورة الخميني 1979، وأفلحت باكستان في إرغام أو إقناع العالم كله على التعامل من خلالها مع المجاهدين الأفغان، فكان أن اعترفت بالأحزاب الجهادية السبعة، ثم أغلقت باب الاعتراف بغيرهم، وهو ما حصّن الجبهة الأفغانية من التشرذم والاختراق، ورغم الخلافات التي كانت تسود بين الأحزاب إلا أنها كانت تُدار من قبل الباكستانيين بزعامة الرئيس الراحل ضياء الحق الأقرب إلى روح الجهاد الأفغاني، فكان أن تم التخلص منه ومن ضباطه المقربين، ولو كان ذلك على حساب التضحية بسفير أو ملحق عسكري أميركيين..
إدارة المعركة الجهادية الأفغانية من قبل دولة واحدة وشخص واحد مثل ضياء الحق ملتصق بهموم الجهاد والمجاهدين ومقتنع بقوة بالمشروع الجهادي الأفغاني، مع قدرة سياسية ودولية على إقناع الغرب بهذا المشروع، تجلّت عملية الإقناع بابتزازه الغرب وشراء صمته حيال مشروعه النووي، فكان أن نجح ضياء الحق في حصر كل تعامل عربي وغربي مع الأفغان من خلاله، وهو ما أسهم بشكل كبير في إبقاء وحدة الأفغان لدرجة معينة، وحصّنهم ذلك من ظهور تيارات متطرفة متشددة تنقلب على المشروع الأفغاني كما هو حاصل اليوم في الشام..
حين حصل التقارب الإقليمي الأخير في الشام، نجح جيش الفتح في تحقيق انتصارات عسكرية ضخمة في إدلب، وبدأ يهدد معاقل الطائفيين في الساحل، وهو ما يعني أن القصور لم يكن داخلياً فحسب وإنما كان خارجياً أيضاً، فالناظر إلى معسكر النظام البرميلي في سوريا يرى وحدة في القرار ويلحظ دعماً هائلاً من مؤيديه في إيران وروسيا والصين والميليشيات الطائفية المتعددة، بينما يرى الصورة مغايرة في صفوف الثوار، بل على العكس يلمس التآمر الواضح من بعض من يدعون أنهم أصدقاء سوريا، ليس أقلها تصريحات علنية أميركية بعد كل هذه المحرقة الشامية من أنها لا ترى ضرورة للمناطق الآمنة للمدنيين في الشمال السوري الذي يتعرض لحملة إبادة شاملة، لعل واشنطن تأمل من خلاله أن تتحول السنة إلى أقلية..
أدركُ أن الكثيرين سيقولون إن العامل الذاتي في الخلاف والفرقة هو الأهم، وبالتالي العبء يقع على السوريين، ولا شك أن هذا صحيح ولكنه تحميل لهم أكثر مما يحتملون، فالسوريون لم يكن لديهم أي أُطر أحزاب أو نقابات أو تجمعات عشائرية وقبلية قبل الثورة السورية كما كان عليه الأمر في أفغانستان قبل الجهاد الأفغاني، فضلاً عن هوية النظام البرميلي الطائفي وداعميه ربما لم يسبق للتاريخ البشري أن سجل هوية كهويته في القتل والإجرام والوحشية، والكل يعلم أن الأخ السوري لم يكن يثق بالعموم بأخيه ولا حتى الزوج بزوجته والوالد بولده والعكس، بسبب القبضة الأمنية الطائفية المخيفة التي كان يقبض بها النظام على أنفاس السوريين، وبالتالي فالطلب من السوريين اليوم العمل ضمن أطر سياسية وعسكرية منسقة، ليس من السهل تحقيقها، ويتطلب الأمر دعماً ومساندة من أصدقاء الشعب السوري الحقيقيين، أو يتطلب وقتاً ليثق السوريون ببعضهم أكثر، أو إلى أن يُهيئ الله تبارك وتعالى القيادة المقبولة للسوريين بشكل عام..
لنتذكر أن اعتراف العرب بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، ثم اقتطاع نسبة من رواتب كل الفلسطينيين في الخليج لصالح صندوق فلسطين كتمويل للمنظمة، هو من جنب المنظمة التشتيت ووفر لها وحدة القرار السياسي.
وحتى لا ننتظر أن تُمطر السماء توافقات دولية في ظل الظرف الشامي الصعب للغاية، إذ تتقاطع مصالح ضخمة تجعل الشعب السوري هو الضحية، فإن أكثر من يتحمل المسؤولية اليوم هم قادة الجماعات الجهادية والثورية الذين لا يزال كثير منهم ينظر إلى الأمر على أنه جهاد جماعات وليس جهاد أمة، ويغلب على بعضهم الحرص على تطبيق مشروعه الحزبي والفصائلي على حساب مشروع الأمة التي ضحى السوريون ومعهم أنصارهم من أجله، وبالتالي فهنا مكمن الخطأ، فما لم تتواضع هذه الجماعات وتتنازل عن مطالبها الحزبية والفصائلية، وتقلل من منسوب الذات وتعظم منسوب غيرها من الجماعات، فإنها ستخسر مشروعها وستتسبب في إلحاق الهزيمة والخسارة بمشروع الأمة كله وحينها لات ساعة مندم..
حين سُئل الإمام مالك رضي الله عنه عن سر تمسك أهل الباطل بباطلهم أجاب: أما قرأتم قول الله تبارك وتعالى: (فما أصبرهم على النار)، فهلا يكون أهل الحق أصبر على جنتهم، وهلاّ يكون أهل الشام أصبر على مشروعهم وثورتهم وحقهم وليس الحق الخلبي الحزبي والفصائلي، وإنما الحق الواحد الذي لا يتعدد، وبداية هذا المشروع تكون بأن تُفرز كل القوى العسكرية ممثليها السياسيين والدينين والمثقفين ليرسموا ملامح مشروع موحد ملزم للجميع، يلبي طموحات الثوار والشعب الثائر، ويراعي الظروف الإقليمية والدولية، وما دامت البداية سليمة ولو تخللها بعض النواقص فإن أفق التطوير والتحسن أحرى بها وأجدر..

 

 

العرب القطرية

المصادر: