إيران واللعب على المكشوف.. فاتكم القطار

الكاتب : أحمد موفق زيدان
التاريخ : ٨ ٢٠١٥ م

المشاهدات : 2622


 إيران واللعب على المكشوف.. فاتكم القطار

درج الاحتلال على مدى التاريخ على الإعلان الرسمي لإنقاذ عملائه وأجرائه مع بداية تعرضهم للخطر، لكن ما جرى في الشام مغاير لذلك، فرغم الهبّة الإيرانية لدعم الطائفيين في سوريا منذ بداية الثورة، فقد اقتصر دعمه على الشكل السري في الغالب والعلني أحياناً.

إلا أن إيران لم تشرعن هذا التدخل باتفاقيات أو دعوة رسمية من الحكم في سوريا، وبغض النظر عن أسباب ذلك ودوافعه فقد جاءت الانتكاسات الأخيرة لعصابة آل أسد في إدلب وغيرها لتدق ناقوس خطر حقيقي في طهران المثخنة بجراحاتها في العراق واليمن وغيرهما، فألمح بعض المقربين من صناع القرار الإيراني إلى إمكانية توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع النظام، متزامناً مع وصول سبعة آلاف مقاتل إيراني وعراقي وأفغاني إلى دمشق بحسب تصريحات رسمية سورية، وإن كان البعض يقدرها بأكثر من عشرين ألفا.

اللعب على المكشوف هو العنوان العريض لما يجري في الشام اليوم، لكن التقدم الهائل والسريع الذي يحرزه جيش الفتح في إدلب والاقتراب من الساحل؛ حيث معاقل النظام دفع صحفاً غربية إلى الحديث عن اقتراب نهاية نظام أسد، فقد عنونت لذلك «واشنطن بوست» وأكدت عزم بعض المسؤولين الكبار من الحلقة الضيقة للأسد البحث عن تأشيرات سفر للخارج استعداداً لمرحلة سقوط وشيكة تنتظر العصابة الأسدية، وأشارت اللوموند الفرنسية في تقرير مطول عن ابتعاد موسكو عن النظام الأسدي تمثل ذلك في إجلائها أكثر من مائة خبير روسي من ميناء طرطوس خلال الفترة الماضية، وتحدثت تقارير للثوار عن وجود فقط ثماني طائرات بالخدمة بمطار حميميم بجبلة بينما الباقي معطلة بعد رفض روسيا صيانتها، وترافق هذا مع إخلاء لخبراء روس للمطار أيضاً، وهو ما استلزم من وزير الدفاع التوجه إلى طهران لتعويض ذلك، وتوقف المراقبون عند الصمت الروسي حيال الحدث الشامي، فلم تعلق عليه لأشهر.
إيران من جهتها تحاول أن تملأ الفراغ، والفراغ هنا ليس سهلاً أو بسيطاً لاسيَّما وأن المظلة الروسية للنظام الأسدي ليست وليدة أعوام كما هي عليه المظلة الإيرانية وإنما مظلة أمنية وعسكرية ودولية ونفسية جسدها أربع فيتوهات ضد الشعب السوري، ناهيك عن أن بنية النظام الأسدي الأمنية والعسكرية والطائفية واليسارية أقرب إلى اليسارية الروسية وعلمانيتها من طهران، فموسكو توفر غطاءً علمانياً لادينياً للطائفة العلوية الحاكمة، وهي مزاجها بعيد عن طهران وشيعتها والتزامها بمذهبها، وقد تسرب كثير من الأخبار والتقارير عن الصدام بين الطرفين جراء ذلك، وأكدته أيضاً شهادات منشقين؛ إذ تحدثوا عن طريقة تعامل الإيرانيين المتعالية مع ضباط الطائفة العلوية وجنودها خلال المعارك.
أما العصابة الأسدية التي سعت إلى المراهنة على موسكو وطهران فيصدق عليها قول القائل: «من يمتطي النمر ينتهي في جوفه»؛ ولذا فعلى العصابة أن تستعد للنهاية، إن كان لديها وقت أصلاً للتفكير في الاستعداد لهذه النهاية.
الواقع على الأرض الآن أبلغ من يتحدث عن نفسه والاقتراب من معركة الساحل سيفتح صفحة جديدة ومهمة في معركة الشام، لاسيَّما وأن مرحلة ما بعد الانتخابات التركية قد تكون حاسمة بشأن الحدث الشامي على أساس أن كل التقديرات والتقييمات تشير إلى أن المنطقة العازلة والآمنة والحظر الجوي سيتم فرضه من قبل دول في الشمال السوري، وهو ما قد يمنح دفعة معنوية قوية للمقاتلين في معركتهم بالساحل إن تم إطلاقها بالفعل.
المفاجآت التي أعلن عنها قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني من معاقل النظام أخيراً كرد على نجاحات جيش الفتح في إدلب ربما جاءت كمحاولة لرفع معنويات العصابة الطائفية لاسيَّما بعد أن أثخن جيش الفتح فيها قتلاً وأسراً، وتناقلت وسائل الإعلام رفض الشباب العلوي الالتحاق بالقتال، وفاجأت صحيفة «التايمز» البريطانية قراءها ربما بالقول إن %20 فقط من المشاركين في قتال الجنوب السوري خلال معارك درعا الأخيرة كانوا من قوات الأسد بينما %80 من المقاتلين الأجانب، الذين قتل معظمهم في معارك بصرى الحرير.
النظام السوري الذي كان يملك أكثر من 800 ألف مسلح بين جيش وشبيحة ومخابرات وداخلية عجز عن وقف الثورة فهل تستطيع إيران بعشرين ألفا أو أكثر أن توقف هذا المد الشامي الذي بلغ الآن عدد مقاتليه أكثر من 350 ألف مسلح بينهم أكثر من 200 ألف جهادي.
اللافت كان في الضربة الاستباقية لجيش الفتح في القلمون لخطة حزب الله التي كان يحضرها في المنطقة، فاستباقه عمليات الحزب وبدؤه المعارك قبل اكتمال استعدادات حزب الله، أجهض مخططاتهم أولاً، وتسبب لهم في هزيمة، بالإضافة إلى إلحاق خسائر فادحة به، دفعه إلى تجييش وتعبئة حتى وسط الأحداث من الأطفال، ولكن العالم كله صامت على هذه الظاهرة.
الواضح أن القطار قد فات طهران والعصابة الأسدية، وربما أكثر ما يطمحون إليه الآن جيب علوي ليكون بمثابة إسرائيل ثانية في خاصرة العالم العربي، لمواصلة عبثها بالأمن القومي العربي، ولعل هذا ما دفع روسيا إلى الابتعاد عن الحدث الشامي الآن، فهي تختلف مع طهران في إقامة دويلات، نظراً لأن روسيا مصلحتها في سوريا الموحدة لممارسة نفوذها وتأثيرها في المنطقة ما دامت الدويلات تتناقض مع هذا التأثير والنفوذ، إضافة إلى أن الدويلات قد تكون سابقة خطيرة لدويلات في وسطها في القوقاز والشيشان وهو هاجس روسي لن يغيب عن بالها.

 

 

العرب القطرية

المصادر: