كفرت بوحيكم وجعلت نذراً علي قتالكم حتى الممات

الكاتب : حذيفة عبد الله عزام
التاريخ : ٢ ٢٠١٥ م

المشاهدات : 10968


كفرت بوحيكم وجعلت نذراً علي قتالكم حتى الممات

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد اﻷنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...
اللهم ﻻ سهل إﻻ ما جعلته سهلا، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا...
رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي...

وبعد:
فإن اﻷخطار التي تحدق بأمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم كثيرة ومهما كثرت اﻷخطار فهي ﻻ تعدو أن تندرج تحت عنوانين رئيسين:أخطار داخلية وأخرى خارجية.
أما الخارجية فما من مسلم نشأ في أسرة مسلمة إﻻ وعرفها وأدركها ووعاها وأما الداخلية فقلما تجد مسلما يدرك خطورتها والوعي باﻷخطار الداخلية أمر غاية في اﻷهمية إذ تنخر هذه اﻷخطار بجسد اﻷمة وتعمل عملها حتى تفتك به دون أن يتنبه إﻻ القليل فهي محسوبة على اﻷمة.

ومن أعظم هذه اﻷخطار (الفكر الخارجي) ولم أقل الخوارج ﻷن الحديث ﻻ يخص جماعة بعينها ولكن حين تتبنى جماعة هذا الفكر قوﻻ وسلوكا يطلق عليهم خوارج ولم تخل تجربة جهادية من هذا الفكر رغم التفاوت في الكم وأحياناً في النوع بين كل تجربة وصاحبتها والقاسم المشترك تقويض الصرح الجهادي وإفساده وهذا مصداق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذا الفكر سيظل يظهر في أمته حتى يخرج الدجال فيتبعه حملة هذا الفكر فهو باق ما بقيت الدنيا.
ومن العجب العجاب أن ترى جل أبناء اﻷمة يعتقدون بأن الخوارج جماعة ظهرت وفنيت وأن وصف بعض الجماعات بهذا الوصف تقول وافتراء وليت اﻷمر يقف هنا! بل صار حملة هذا الفكر من الجماعات هم الطائفة المنصورة والثلة المؤمنة التي تحمل لواء الدين وتنافح عنه وتشيد صرح الخلافة الراشدة وللإنصاف أقول لقد طوفت في الشام فوجدت هذا الفكر منتشرا بين معظم الفصائل بتفاوت ولذلك آثرت استخدام مصطلح الفكر الخارجي على الخوارج وإنما عرفت به جماعة وامتازت ﻷنها تبنته فكرا ونهجا وسلوكا وحملت دونه السلاح وأقامت بنيانها عليه حتى صار علامة فارقة لها تميزها عن غيرها وكما ذكرت رأيت هذا الفكر في معظم الفصائل لكنه منتشر على صعيد فردي وليس نهجا تتبناه الفصائل بقيادتها وشرعييها فخطره يظل منحصرا في نطاق ضيق.
ولقد عاصرت بذور هذا الفكر فتى صغيرا في أفغانستان ولم يجد له موطئ قدم ﻷن العلماء الربانيين كانوا له بالمرصاد ومورس الفكر على نطاق ضيق مارسته جماعات صغيرة قادها على صعيد التنظير الدكتور أحمد الجزائري وابن القيم الجزائري وتابعه ثلة من التونسيين والليبيين والمصريين وغيرهم...

ومارس هؤلاء القتل على نطاق محدود في شوارع بورد وحياة أباد في باكستان وكنت ممن شهد مقتل أخ فاضل مخلص أحسبه من الشهداء تأثر بهم ثم أدرك حقيقتهم بعد أن بايعهم فأراد مفارقتهم فقتلوه في شوارع حياة أباد وقتل أمام عيني وكان معي آنذاك أحمد بن الشيخ تميم العدناني رحمه الله.
قتل الوالد رحمه الله وكان الشيخ أسامة بن لادن رحمه الله خارج الساحة فخلت الساحة آنذاك لحدثاء اﻷسنان يعيثون فيها بجهلهم فسادا وكانت أول دعوة ﻹقامة الخلافة حين دعا أحد الفلسطينيين من حملة الجنسية اﻷمريكية ويلقب بـ(أبي عثمان) للخلافة وتبعه نفر من أجهل من عرفت الساحة واستهدفوا في دعوتهم المسلمين المقيمين في الغرب مستغلين حماستهم للدين واندفاعهم بعواطفهم نحوه وامتلاكهم المال ليكون سندا لمشروعهم وحين أرادوا تنصيب الخليفة وجدوا أن الصفات ﻻ تنطبق على أبي عثمان فقرروا تنصيب أبي همام اﻷردني (محمد الرفاعي) خليفة للمسلمين وانحاز الرجل إلى مناطق القبائل وبدأ مسلمو أوروبا يهاجرون بأموالهم وأهليهم إلى دولة الخلافة ظانين أن الخلافة قامت وأن الهجرة والبيعة وجبتا وشتان بين التنظير والتطبيق!!!!
بدأ تهديد هؤلاء للمجاهدين العرب وأسرهم وكنا من المهددين فقد هددنا القوم بغنيمة أموالنا وسبي نسائنا وأبنائنا وأنا أقسم بالله على ذلك هددنا الخليفة وأتباعه آنذاك بسبي أمي (والدتي) والتهمة الردة ﻷننا لم نبايع الخليفة.

والغريب أن الخليفة هو أحد الذين التزموا على يد والدي!!!!
وكنا نؤوي الفارين من اﻷسر التي قدمت من الغرب والوﻻيات المتحدة لبيعة الخليفة بعد أن يكتشف القوم زيف الخلافة المزعومة فيفرون من جحيمها وكانوا يطاردونهم ويقتلون كل من قدروا عليه منهم بحجة الردة ومفارقة الجماعة وسرعان ما تهاوت الخلافة المزعومة وكان الخليفة أحد طالبي اللجوء.

لجأ الخليفة والمقربون منه إلى بريطانيا ليعيشوا في كنف إليزابيث بعد أن شتتوا وشردوا عشرات اﻷسر وقتلوا ونهبوا وأصابوا من عباد الله الكثير أسدل الستار عليهم وعلى جماعات أخرى كثيرة كجماعة (الفطريين) التي ظهرت هناك أيضاً وغيرها من حملة هذا الفكر الضال المنحرف لنكون على موعد معه في ساحات جهادية قادمة تتغير فيه الوجوه واﻷسماء واللهجات والفكر واحد
(تعددت اللغات واللهجات واﻷسماء والفكر واحد) كلما طلع منهم قرن قطع.
وكنت أود إثارة هذا الموضوع منذ زمن لكن شاءت إرادة الله أن يتأخر فقد أنجزت فيه بحثاً كنت أود سرد خلاصته منذ شهرين أو يزيد على صفحتي هذه وخلاصة البحث تكمن في التشديد النبوي على هذا الفكر وحملته والدعوة النبوية ﻻستئصاله واستئصال دعاته بقتلهم قتل عاد حتى ﻻ ترى لهم (باقية) وخطورة هذا الفكر وأهله ﻻ تكمن في القتل والسلب والنهب والسبي على عظمة هذه الجرائم في دين الله فالنفس البشرية هي الضرورة الثانية من الضرورات الخمس التي جاء الشرع لحفظها على رأي الجمهور وهي الضرورة اﻷولى على رأي من خالف الجمهور فهي مقدمة عند هذا الفريق على الدين أقول مكمن الخطر ليس في القتل والسلب والنهب والسبي ولكن مكمن الخطر في (اﻻستحلال) و(اﻻستباحة) الناتج عن رفع (العصمة) الناشئ عن (التكفير).
لقد جعل الشارع الحكيم الدين عاصما لنفس صاحبه وعرضه وماله وسياجا يحوط صاحبه ويحرم ويجرم المساس به أو بشيء من متعلقاته وإن أقصر الطرق لرفع الحصانة هو هدم هذا السياج بإخراج المرء-والعياذ بالله-من دين الله فتسقط العصمة ويصبح المرء وتوابعه مشاعا بلا حصن يقيه أو حمى يحرمه!!!

هنا يغدو المرء وما يملكه ويتعلق به نهبا للناهبين ومشاعا للراغبين وغنما للغانمين فقد سقط الحصن الحصين والركن الركين الذي كان يعصمه ويمنعه.
ولقد قتل من المسلمين في الفتن التي ابتدأت منذ عصر الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه مئات ألوف المسلمين ولم يكن ذاك -على عظمته- نذير خطر ولقد تتبعت أعداد قتلى المسلمين في الفتن فوجدت أعداد القتلى يفوقون مئات المرات اﻷعداد التي سقطت في القتال مع الخوارج.

ومع ذلك فالخطورة في الثانية أكبر وأشد والتحذير منها والتركيز عليها يفوق اﻷولى بمراحل والسر كما أسلفت يكمن في أن اﻷولى لم يستبح أحد أخاه ولم يستحله بإخراجه من دائرة الدين ليصبح وعرضه وماله في مهب الريح وليغدو مشاعا ﻷول حدث سفيه يخلص إليه فيستبيحه ويستحله وينهبه ويسلبه.
ولقد من الله علي بمعايشة التجربة العراقية ومعاصرتها وشهدت بذور هذا الفكر في العراق -والذي سأفرد له سلسلة حلقات للحديث عنه- وكنت أرى بسابق خبرة أن اﻷمور تتجه إلى ما وصلت إليه اليوم وأبعد من ذلك وكنت آنذاك النذير العريان وحاولت اﻹصلاح من الداخل والنصح بعيدا عن اﻷضواء ولكن لم أفلح ولم أجد آذانا صاغية وكنت أرى العلماء يقتلون والشيوخ يذبحون والدعاة يغتالون والخطباء يصفون والمجاهدين يقاتلون ويفككون أحسست بعظم المسؤولية وقررت أن أنقل اﻷمر للعلن بعد أن فشلت كل وسائل التناصح والتواصل في ثني القوم عن فكرهم ونهجهم وكانت المهمة صعبة آنذاك فقلوب اﻷمة متعلقة آنذاك بالقوم فهم يقاتلون اﻷمريكان والحديث عن هذا الفكر والتحذير من ذلك النهج لن يفسره الناس إﻻ مهاجمة وإساءة للمجاهدين لكن الواجب الشرعي يحتم عليك الصدع ويوجب عليك اﻹبانة ﻻ تكلف إﻻ نفسك ولو بقيت وحدك فتصديت للمهمة وكان ما توقعت فلم يجد كلامي آنذاك آذانا صاغية إﻻ عند أهل العلم والرأي وشنت علي حملة لم يسبق لها مثيل واتهمت في ديني ورميت بالعمالة والخيانة والله يشهد أنني براء من كل ما رميت به لكنها الطريقة اﻷمثل واﻷسهل لتغطية القوم على فكرهم المعوج ونهجهم الفاسد الذي قادهم إلى ما ترون اليوم وهي رمي الخصوم بما رميت به حينها ويشاء الله تبارك وتعالى أن تأتي الثورة المباركة في الشام لتبرأ من اتهمه الناس ولتكشف من ظنهم الناس أولياء الله المجاهدين وصفوته من خلقه هرعت إلى أرض الشام محذراً من هذا الفكر وأهله خاصة بعد أن بدأوا يفدون إلى أرض الشام ومنبها من الشر قبل وقوعه فأصم الناس آذانهم ولم تمض بضعة أشهر حتى سقطت اﻷقنعة وظهرت حقيقة الوجوه وبدأ من كان يتهمني باﻷمس ومن أصم أذنيه عن سماع النصح يعتذر بعد أن أدرك صدق ما كنت أحذر منه ومع ذلك غض القوم الذين أصموا باﻷمس آذانهم أبصارهم عن القوم حتى قويت شوكتهم واشتد عودهم وباتت نارهم تلفح وجوه المجاهدين في الشام.
واليوم أرى من يستغرب سبي القوم لنساء المجاهدين في الشام وأرى من يشكك بأن القوم يفعلونها ويتجرؤون عليها رغم تهديدهم لنا بالقبضات مرارا بسبي نسائنا وقد نشرنا ذلك على ألسنتهم وبأصواتهم وﻻ عجب ممن شكك بصدق رواياتنا باﻷمس عن أفعالهم في العراق أن يشكك بصدق إقدامهم على سبي نساء مجاهدي الشام اليوم وأنا أؤكد لكم أن عقيدة القوم تقوم على التكفير الذي يجعل المكفر مستباح النفس والعرض والمال بعد رفع سياج العصمة عنه.
ولقد شرفني الله بالرباط على جبهة صوران مع المجاهدين والمرابطين هناك تثبيتا لهم وتبيينا لحقيقة عظمة جهادهم التي لا تقل عن جهاد أعداء الله قلت للأخوة في صوران وإعزاز إذا رأيتموني بينهم والمصحف فوق رأسي فابدأوا بي وإذا رأيتموني بينهم يوما فاعلموا أنني من ضل وزاغ وانحرف وﻻ تظنوا بأنني اكتشفت بأن القوم على حق فالتحقت بهم بل كونوا موقنين بأنني من ضل السبيل وحاد عن الحق وتنكب الطريق وأضاع الدرب فابدأوا بي حينها.
اليوم وقد ظهر الداء جليا وانكشفت حقيقة القوم للقاصي والداني علينا أن نعلم أن نبينا الحكيم (ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم ) وصف الدواء والعلاج وأن القوم لم يستفحل أمرهم إﻻ يوم حاد أتباع الحبيب عن وصفة الطبيب ولو اتبعنا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ﻻختصرنا على اﻷمة الكثير.
وإلى المجاهدين في الشام أقول لن ننتصر على هؤلاء الخوارج حتى نربي جيلا يقاتلهم عن عقيدة راسخة ويتبع أمر نبيه فيهم بقتلهم قتلا يفنيهم.

لن ننتصر على هؤلاء مادام بين ظهرانينا من يعتقد بأن القوم إخواننا ويتورع عن قتلهم وقتالهم ولو خلصوا إليه لم يرقبوا فيه إﻻ وﻻ ذمة...

لن ننتصر على هؤلاء مادام بين ظهرانينا أصحاب ورع كاذب بارد يراهم يستبيحون الدماء واﻷنفس واﻷرواح واﻷعراض واﻷموال ويكفرون اﻷمة ويتورع عنهم.
ولعلي أقول كلاما هو من صميم شريعتنا الغراء ولن يفهمه سوى صاحب علم وهو أن الذي يتورع عن قتال الخوارج إنما يزايد على ورع وتقوى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال عن نفسه:
"لئن أدركتهم ﻷقتلنهم قتل عاد"
وحض على قتالهم بقوله: "طوبى لمن قتلهم وقتلوه" ومن تخلف عن قتالهم متذرعا بالورع فإنما يزايد على ورع وتقوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويزعم أنه -معاذ الله- أورع وأتقى من رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- وهنا ﻻ فرق بين من يتورع عن قتالهم وبين ذي الخويصرة التميمي الذي زايد على عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك شأن من يتورع عن قتال الخوارج بحجة الورع في الدماء فهو هنا يزعم أنه أورع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتقى منه الذي أمرنا بشأنهم في صحاح اﻷحاديث بما ذكرت بعضه آنفا.
وأخيرا منذ سنوات وأنا أرى منيتي ومصرعي بأيديهم ولن يثنيني ذلك إن شاء الله ولسان حالي:
كفرت بوحيكم وجعلت نذرا
                                   علي قتالكم حتى الممات

 

 

حساب الكاتب على تويتر

المصادر: