مفاتيح الحرية من سجون الذات

الكاتب : مالك فتح الله
التاريخ : ١٧ ٢٠١٥ م

المشاهدات : 4112


مفاتيح الحرية من سجون الذات

لقد خلق الله الإنسان بقدر كافٍ من الوعي بذاته وبما يحيط من حوله؛ وبالتالي فهو مسؤول عن الصورة التي ترتسم في ذهنه للمستقبل، ومن بين الكثير من جوانب الحياة المختلفة والمتنوعة، فهو يتمتع بقدر كافٍ من حرية الاختيار؛ إما أن يختار الحزن وإما أن يختار الأمل، وهناك حيز كبير بين الأمور التي تحدث وبين مقدار استجابته لها وفي هذا الحيز تكمن حريته إزاء استجابته للأمور.
ومن خلال تلك الاختيارات يظهر مدى ومقدار تطور الفرد خلال مراحل الحياة، ولابد للمرء أن يعي أن من أهم الأمور هو كيفية استجابته لما يحدث في هذه الحياة.
أيها الإنسان الحر... لا تحاول أن تتخلى عن دورك لأحد غيرك، ولا تحاول أن تترك مضمارك لأناس آخرين، ولا تدع لليأس طريقاً إليك، بل تحسس مواطن ضعفك، وتعرف على مكامن النقص الموجودة لديك، فلا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة.
اكتشف السر الذي يكمن في أعماقك، واقرأ اللغة التي تدور في داخلك، واعرف مدى تأثيرها عليك، وانظر إلى أحلامك وأهدافك كأنها حقيقة تراها بأم عينك، واعرف أين أنت الآن وإلى أين ستتجه وأين هو هدفك؟
ابدأ والنهايةُ في مخيلتك؛ وتيقن أن البداية تبدأ من الفكرة. لاحظ أفكارك لأنها ستصبح كلمات.. ولاحظ كلماتك فهي ستصبح أفعالاً.. ثم لاحظ أفعالك لأنها ستحدد مصيرك.
إن من أهم الخواص التي خص الله بها ابن آدم التفكير، وإن القدرة على الفهم والتفكير هي الأساس الذي عليه الحساب يوم القيامة، ولذا فالمجنون غير مكلف وغير محاسب لأنه ليس لديه القدرة على التفكير.
فالتفكير مصدر العلم والعلم مصدر لتعديل سلوك الإنسان لذلك اختلف سلوك الإنسان عن سلوك الحيوان الذي لا يتغير ولا يتطور، وكلما زادت معرفة الإنسان بالأشياء تغيرت نظرته إليها واختلفت ظروف الاستفادة منها.
وللتصور أهمية كبيرة في إدراك الإنسان لوجوده النفسي المستمر، فمن خلال التفكير يدرك الإنسان إنسانيته ويدرك كيفية المحافظة على وجوده وطرق تكيفه مع متغيرات البيئة التي يعيش فيها وابتكاره أساليب جديدة للتعامل معها.
إن قدرة الإنسان على التصور والتخيل تجعله يتخطى حدود الحاضر إلى المستقبل، وقد يبني الإنسان سجناً من أفكاره وتصوراته ويمضي عمره قابعاً في وهمه ومستسلماً ليأسه خلف أسوار الخوف وضمن معسكر الهزيمة الخاص به؛ فنحن جميعاً، بني الإنسان، أحرار في اختيار توجهنا الذهني تجاه ما يحدث لنا، وذلك من خلال إعادة تشكيل أنماط تفكيرنا وكسر الجمود الذي يعتري نفوسنا، ومن ثم العثور على المفتاح وفتح باب سجن أفكارنا، فهذا الذي يقودنا إلى بوابة الحرية وإلى الروابط العميقة لحياتنا وحياة الآخرين.
فرؤية الحياة بأنها ذات قيمة ومعنى يتطلب تحولاً في الوعي وتغيراً في الإطار الفكري. وسواءً اخترنا مسار التحرر أم لا فهو قرار نحن فقط من يستطيع اتخاذه، ونحن من نتحمل مسؤوليته، وعندما نبحث ونكتشف المعنى الحقيقي لوجودنا سنكتشف أن الحياة ليست شيئاً يحدث لنا بل نحن من يسير الحياة ونحن من نجعلها ذات معنى.
وقد يستطيع الإنسان أن يتجاوز بؤس الموقف إلى إمكانية اكتشاف المعنى وراءه، ومن ثم تحويل ما قد يبدو معاناة وبلا معنى إلى إنجاز إنساني حقيقي.
إن الأفكار كأشعة الشمس تبدد الظلمة المتراكمة على كاهل النفس البشرية، وتبث الدفء والحياة في المفاهيم المتجمدة، وتبعث شعلة الروح في جسد الأمة النائمة، وتدعو للنهوض نحو غدٍ مشرق يسطع في جبين الزمان.

1454

المصادر: