فقه المرحلة - 5 - (تطبيق الحدود في دار الحرب)

الكاتب : أبو محمد الصادق
التاريخ : ٢٧ ٢٠١٥ م

المشاهدات : 3688


فقه المرحلة - 5 - (تطبيق الحدود في دار الحرب)

يعتبر استيفاء الحدود من مهام صاحب الولاية أو من ينوب عنه ولا تنعقد الولاية العامة لآحاد الجماعات ما لم تجتمع كلمتها مع بقية أولي الشوكة. ولا يصح قياس آحاد جماعات الجهاد على حال الإمام الممكن وقيامها بأعمال الولاية العامة حينئذ افتئات وظلم للآخرين ومن أسباب الفشل وتأخر النصر.
وجماعات الجهاد قامت لطلب التمكين وقيامها ببعض الحسبة هو استثناء لحين قيام الولاية العامة ويكون بالقدر الذي لايتعارض مع مقصود الجهاد ودفع الصائل.
وباعتبار أن تطبيق الحدود في دار الحرب من المسائل المختلف فيها فلا يصح جعلها محل إنكار أو اختلاف أمام واجب الاعتصام ودفع الصائل الذي لاخلاف فيه. والذين قالوا بإقامة الحدود في كل حال كالشافعي -رحمه الله- شرطوها بوجود الإمام، وتطبيقها بحذافيرها أمر له مقدماته وشروطه التي لا يصلح إلا بها.
وتأمل كيف شرع في ديننا الستر على العاصي المتخفي ما لم يستفحل شره فقد يكون ذلك علاجاً ناجعاً له وباباً لتوبة نصوحة وأوبة صادقة.
ومن فقه القائمين على الحسبة اختيار الأيسر للناس وعدم إجبارهم على اجتهاد فقهي مع وجود رأي آخر معتبر ورحم الله مالكاً الذي رفض حمل الناس على الموطأ.
ومما راعاه الشرع - بسبب خصوصية كل مرحلة - عدم تطبيق بعض الحدود في دار الحرب فقد جاء في حديث نبينا -صلى الله عليه وسلم-: لا تقطع الأيدي في الغزو. وإن كان في صحة أثر عمر نظر: " لا تقطع اليد في عذق ولا عام سنة " فله مايؤيده، وتأمل قول عمر بن عبد العزيز: يابني إني إنما أروض الناس رياضة الصعب.
فتأمل حكمة الشرع لخصوصية دار الحرب وتأجيل إقامة حد السرقة إبقاء على يد تقاتل الكفار وخشية لحوق صاحب الحد بالمشركين حمية أو خوفاً على نفسه، فيدٌ عاصية مجاهدة تدفع الصائل أنفع للمسلمين في ذلك الموطن من يد مبتورة، وسارق مسلم يقاتل بين المجاهدين خير من أن يرتد ويلحق بصفوف المشركين. وإن جاز تأخير إقامة الحد على الفرد لمصلحة فالأولى جواز تأخيرها خشية نفرة الناس عن الإسلام ولحوقهم برايات جاهلية لاسيما بعد طول عهد عن تحكيم الشريعة.
ومنه نعلم أن الاحكام ليست جامدة وأن المصلحة تكون أحياناً في تأجيل إقامة الحدود وهو من الدين بل هو مذهب جماعة من السلف ولا يعارض تطبيق الشريعة. ولا يفهم من ذلك جواز ترك المجرمين يعيثون فساداً فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم القربات التي يستجلب بها النصر ويرتفع بها البلاء.
فلا بد من قمع المفسدين لينكفئ شرهم ويرتدع بهم غيرهم وإلا عم الفساد، وأحياناً يكون ذلك مقدوراً عليه مع أمن العواقب والمفاسد أو كونها مرجوحة.
ومما سبق يتبين أهمية إتقان دراسة فقه المرحلة لمن تصدر لشؤون المسلمين العامة فإن ذلك أدعى لتحقيق المصالح الدينية والدنيوية لأهل الإسلام.
 

بهذا ينتهي حديثنا عن : " فقه المرحلة "

المصادر: