الحاضنة الشعبية وأثرها على الثورات

الكاتب : شبكة شام الإخبارية
التاريخ : ٢١ ٢٠١٤ م

المشاهدات : 3328


الحاضنة الشعبية وأثرها على الثورات

مما لا شك فيه أن الشعب هو منبع كل ثورة تخرج ضد الظلم والطغيان، وأن الشعب هو أساس كل تحرك يهدف إلى تغيير نظام حكم اضطهده وسلب حقوقه وحاربه بلقمة عيشه، ولا ريب أن الشعب هو المحرك والمولِّد لكل انتفاضة تخرج ضد نظام أو حزب استبدادي تطالبه بالرحيل وتنشد التغيير.

 

ومن هنا من هذا الشعب تولد الثورات، تبدأ بحدثٍ صغير يكون تلك “القشة التي قصمت ظهر البعير” ولا يلبث أن يتحول الحدث إلى شرارة يشتعل بها أتون الغضب والحقد على من استبد وظلم وتحكم، ولا تلبث هذه النيران المتقدة بالقلوب والعقول، المتولدة من جحيم المعاناة والتعب وشظف العيش، أن تتحول إلى ثورة عارمة.. يحوطها الشعب ويرعاها.. يؤيدها ويكلؤها بعين رعايته، يؤمن لها أسباب العيش والاستمرار ويوفر لها الحضن الدافئ والحامي..
هي الثورة السورية كما كل الثورات على مر التاريخ، ولدت من رحم الشعب، وخرجت من خاصرته بما رافق هذا الخروج من ألم ومكابدة وصبر، لتنتفض ضد نظام استبد بوطن ما يزيد على خمسة عقود، نظام استبد وقتل وأجرم وسرق ونهب.

هي ثورة فطرية عفوية بدأت بكتابات أطفال على جدران مدارسهم لتستعر كما النار بالهشيم وتنتقل من جدران مدرسة لتغدو على مساحة كل شبر بأرض الوطن.

ثورة بدأت سلمية واستمرت كذلك ما وسعها الأمر، وبفطرتها السليمة كذلك وعفويتها بدأت بالتحول للعسكرة لتدافع عن نفسها ضد بطش لم يُشْهد له نظير بالتاريخ، حملت السلاح لتطبق معايير كل الديانات السماوية والأعراف الإنسانية بحق رد الظلم وحفظ النفس، وبدأت كتائب الثوار بالتشكل والظهور، فظهر الجيش الحر الذي كان ابن ثورة الشعب البكر، يحمل خصائصه وتفاصيله، يحوي أطيافه وإثنياته، ويرفع راية استقلاله عن المستعمر، لا يتميز فيه ثائر عن ثائر الا بالخلق والشجاعة والإقدام وما يحمله من فكر وحرية، ليظهر بعده تشكيلات مختلفة وفصائل متعددة ورايات متباينة، كل منها له هدف ويقوده منهج ويحركه فكر، منها المعتدل والإسلامي والمتطرف والمغالي بالتطرف.
تحولت الثورة للعسكرة، وباتت تشكيلاتها تتنازع المناطق والأهداف والوجود والموارد، ولم تنسَ هذه الفصائل بطبيعة الحال أهم سبب من أسباب قوتها وأهم مصدر من مصادر شرعيتها، وأقوى محرض على استمراريتها وهو الشعب..

تلك الحاضنة الاجتماعية الأساس والمركز، فسعت التشكيلات والفصائل إلى كسب ودها واستقطابها كل منهم على حساب الفصائل والتشكيلات الأخرى، وكما تعددت مشارب وأهداف هذه الفصائل فقد تعددت أساليبهم بجذب هذه الحاضنة الشعبية تجاههم، فمنهم حاورها واندمج بها وأعانها قدر استطاعته، ومنهم من تكبر عليها وأهملها ومنهم من حاول سوقها بالحديد والنار والقهر والإرهاب، ومنهم من ظن أنه الوصي الشرعي عليها بعد تقهقر النظام من بين ظهرانيها، ومارس أغلبهم البراغماتية المحضة بداية بالتزلف لنيل رضاها والتقرب منها.

ثم أظهر وجهه القبيح بأهدافه المناطقية أو الشخصية أو الأيدولوجية، فلفظته الحاضنة الشعبية التي عولت عليه وعول عليها.. لينتهي التشكيل أو يضمحل أو يتقوقع على نفسه برأس جبل أو بطن واد.
الثورة السورية ثورة مُمحِصةٌ كاشفة، والحاضنة الشعبية تحوي بوعيها الجمعي حضارة عمرها آلاف السنين، والشعب الذي أطلق هذه الثورة “بمشيئة الله” قادر على أن يميز الخبيث من الطيب، وأن يفرق بين الغث والسمين، ولكنه شعب كَهلْ صقلته التجارب والسنون، يعطي الفرصة لمن يطلبها، ويتمهل بالحكم ليرى النتائج، ولكنه لا يصبر على ضيم، ولن يستبدل مستبداً بمستبد.. فليعِ من يتطلع ليلي أمره بالسلاح أو بالسياسة.. أن يحقق طموحات هذا الشعب وأن يلامس ألمه وأن يثبت عزمه على تحقيق أمله..

فبهذا يستمر وبهذا يحوز رضاه وبهذا يمتلك قلوب وعقول “الحاضنة الشعبية”

المصادر: