البغدادي… متى يغيب عن المشهد؟

الكاتب : بسام البدارين
التاريخ : ١٢ ٢٠١٤ م

المشاهدات : 2667


البغدادي… متى يغيب عن المشهد؟

على طريقة المعتصم بالله منح الخليفة المفترض أبو بكر البغدادي بعض الأكراد الذين بايعوه خليفة للإسلام والمسلمين حق الإقامة الدائمة في دولة الخلافة مع توفير حماية عبر جيش أوله في كوباني وآخره في كركوك.

 

 

حتى هذه اللحظة يحق للخليفة ما لا يحق لغيره لكن السؤال الذي تردد في ذهني يتعلق بمنسوب المنافع لهذا الجيش العظيم إذا ما قرر الأمريكيون مثلا إرسال صاروخ عابر للأبحار والمحيطات والأنهار لاغتيال أحد الأكراد الذين حظيوا رغم أنفهم للحماية.

في عالم اليوم يغتال المرء بمعجون الأسنان كما حصل مع فيصل الحسيني في الكويت أو بالخنق الصامت كما حصل في دبي أو بقلم حبر جاف أو حتى بزهرة كما نرى بالأفلام الأمريكية.

تكنولوجيا القتل اليوم لا تعترف بالمسافات ولا بطول الجيوش وعرضها فطائرات التحالف الامريكي ومعها شقيقاتها العربيات يمارسن التسلية في سماء العرب وهن ينتخبن اهدافا وهمية تقصف على أنها داعشية.

معنى الكلام هو الاستغراب من ترديد معلبات لا تغني ولا تسمن ولا تحترم عقل الإنسان خصوصا عندما تكون مفعمة بالغلاف الديني، الأمر الذي يستهوي بالعادة البسطاء والسفهاء والسذج.

لا تستطيع قوات عربية أو إسلامية بصرف النظر عن عددها أو فكرتها تأمين حماية أي إنسان من تكنولوجيا القتل الحديث فكيف سيضمن أصحاب دولة الخلافة للمرعوبين الأكراد أي حماية من أي نوع.
وفي الوقت الذي عرضت فيه هذه الحماية كانت الأنباء تتوالى من بغداد عن وصول فريق الاغتيال الأمريكي الذي قتل الشيخ أسامة بن لادن بعد مطاردة شهيرة لكي يتولى الشيخ أبو بكر البغدادي.

أشعر تماما بأني أمام حلقة جديدة من مسلسل أمريكي ممل وطويل على النمط التركي أما نحن الرعاع فعلينا أن نصدق بأن فريق الاغتيال الأمريكي المتخصص الذي يحمل معدات خاصة في التعقب وتحديد الهوية من حرارة الجسم سيغرقنا في مطاردة جديدة لعدة أسابيع قبل أن يتحف الجميع برواية مفبركة جديدة لا يمكن تصديقها يغيب بعدها الشيخ البغدادي عن واجهة الحدث.

أغلب الظن والتقدير أن فريق الاغتيال الأمريكي حضر على نفقة مشايخ دول الخليج ويبدو أن الأخوة من حكام بعض الدول الخليجية كبالع السكين تماما ففواتير التحالف تصلهم جميعا وبعدالة وبشكل مكثف وبعض السفراء اشتكوا لي شخصيا من أن دولهم تضطر للدفع بدون نقاش في عملية ابتزاز رخيصة للنظام الرسمي العربي المرعوب والمركوب بنفس الوقت.

تخويف الأنظمة العربية من قوى التطرف والتشدد والإرهاب يأتي كجزء ثان من المسلسل الأمريكي ففي الحلقات الأولى من نفس المسلسل تمول فجأة هذه التنظيمات المتشددة وتحصل على سلاح أمريكي ويتاح لها التمكن وتنسحب أمامها جيوش وتملأ الدنيا ضجيجا لكي يرتعب المرعوبون على كراسي الحكم العربية فيأتي دور الجزء الثاني من المسلسل لإكمال السيناريو والحوار على أساس أن الخطر الإرهابي سيطيح بمؤسسات الحكم العربية الرشيدة.

تجارة رابحة بكل الأحوال للتحالف السري لشركات صناعة الأسلحة الأمريكية ولسماسرة البنتاغون وتجار الحروب الطائفية والجهوية والدينية في واشنطن أما الوقود فهم الأبرياء سواء اختاروا الدخول إلى الجنة عبر بوابة هذه الخلايا المتطرفة أو من المدنيين الذين يدفعون ثمن هذه الحرب الهوليودية.
العالقون وسط الإنتاج الأمريكي الهوليودي كثر.. شعوب بأكملها تضطرب حياتها وتتعرقل مسيرتها وتفقد الإحساس بالمستقبل وتقف بدون حراك أمام معضلة التنمية لأن المنتج السينمائي الأمريكي اختلق الوحش على حساب أموال هذه الشعوب وأحضر فرقه العسكرية لمطاردة هذا الوحش فيما تمول أموال عربية العملية برمتها وهي بكل الأحوال أموال منهوبة ومسروقة من نفس الشعوب.

مازلت على قناعتي بأن خيارات الأخوة الزعماء العرب بائسة وسقيمة فإقامة شكل من أشكال العدالة الاجتماعية في الحكم ستحقق لهم ثلاثة أهداف غير مكلفة حيث تعلي من شأنهم وتحترمهم شعوبهم ثم تحول دون البيئة الخصبة للتطرف وتعفي ذواتهم من أبشع عملية ابتزاز تمارسها القوة الأمريكية الطاغية المتغطرسة.

لكن زعماءنا لا يريدون الحل الأسرع فثنائية الاستبداد والفساد هي التي تحكمهم رغم أن قوانين الرياضيات والفيزياء تبلغ الجميع بأن إعلان الحرب على بعض الفاسدين المتكرشين من الخدم والحشم والوسطاء والرعايا كلفتها المالية بسيطة جدا قياسا بالفواتير التي تدفع للأمريكيين وغيرهم تحت عنوان حماية تلك الطبقات الفاسدة.

كنت أفضل أن يقتصر الفساد في عالمنا العربي على الرمز القائد وعائلته لكن تحول هذا الفساد إلى ثقافة سائدة تنتج يوميا عشرات الفاسدين وتنتهي بمراكز قوى نافذة أقوى حتى من الزعيم نفسه.
لو منع الزعماء العرب بعض السرقات وأنفقوا على هوامش الفقر في المجتمعات العربية قليلاً لما ظهر التطرف أصلاً ولتحققت العدالة ولو نسبياً، وبالنتيجة لما احتجنا الكابوي الأمريكي الذي حضر لبغداد بحثاً عن رأس الخليفة.

 


القدس العربي

المصادر: