جامع فضائل الخير

الكاتب : نهال عبد الله
التاريخ : ٢٥ ٢٠١٤ م

المشاهدات : 3400


جامع فضائل الخير

الحياء لفظ جامع لكل فضيله، مانع عن كل رذيلة، وهو يدفع صاحبه إلى الخير ويعصمه من الشر، إلا ترى أن الإنسان يهم أن يأتى بالمنكر ولكنه ما يكاد يهم حتى تنازعه نفسه، فلا يكاد يقبل حتى يدبر، ولا يكاد يخطو حتى يغلبه الحياء ويعود إلى عقله.

 

وما ذهب ماء الحياء عن وجه إنسان إلا كسته العيوب، وارتكب المآثم وغرق فى المعاصى، واستخف بالدين، ولم يبالِ حتى بالناس، فلا وازع له من دين ولا رادع له من خلق، ولاتنفع فيه موعظة، ولا تجدي فيه نصيحة ولا يستجيب إلا لهواه، ولا ينقاد إلا لشهواته قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "الحياء كله خير" أخرجه مسلم

فالحياء زينة يتزين بها الإنسان الصالح سواء أكان رجلاً أم امرأة، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم-  قال "إن موسى كان رجلاً حيياً ستيراً لا يرى من جلده شيء استحياء منه" البخاري.

فالحياء خلق كريم أمرنا به النبي -صلى الله عليه وسلم- واتصف به الأنبياء فعن أبي سعيد الخدري كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشد حياء من العذراء فى خدرها وكان إذا كره شيئاً عرفناه فى وجهه.

وليس ذلك مما استحدثه الإسلام بل إنه من أصول رسالات الأنبياء جميعاً، ففي صحيح البخاري من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت" البخاري
والمقصود أن الحياء لم يزل مستحسناً في شرائع الأنبياء جميعاً وأنه لم ينسخ، فهو خلق كريم فى كل أوان وزمان، ويجب أن يتصف به جميع الخلق لأنه زينة للإنسان ورفعة لشأنه.

قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف "إن ربكم تبارك وتعالى حيىّ كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً" أخرجه أصحاب السنن
فكل هذه الأحاديث التي تدل على أن الحياء صفة من صفات الله عز وجل وخلق كريم اتصف به أنبياؤه صلوات الله عليهم وسلامه، فأولى الناس باتباع هذا الخلق هم المسلمون.

والحياء إما من الناس وإما حياء من النفس أو حياء من الله وهو أعظمهم وأفضلهم، جاء فى حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "استحيوا من الله عز وجل حق الحياء " فقيل يا رسول الله كيف نستحي من الله عز وجل حق الحياء قال: "من حفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى وترك الحياة الدنيا وذكر الموت والبلى فقد استحى من الله حق الحياء" أخرجه الترمذى.

إذًا فالحياء طريق من الطرق الموصلة لتقوى الله فإذا الإنسان راقب الله في كل أقواله وأفعاله وأصبح كل همه إرضاؤه عز وجل ارتفع قدره بين الناس واتخذوه قدوة حسنة.

قال الماوردي عن نفسه: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المنام ذات ليله فقلت يا رسول الله أوصني، فقال: استحي من الله عز وجل حق الحياء، ثم قال: تغير الناس، فقلت وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: كنت أنظر إلى الصبي فأرى من وجهه البشر والحياء، وأنا أنظر إليه اليوم فلا أرى ذلك فى وجهه.

والحياء من الله يكون بامتثال أوامره والكف عن زواجره، قيل لعمر بن عبد العزيز: إذا ذهب الحياء ذهب نصف الدين قال: لا بل إذا ذهب الحياء ذهب الدين كله.

وأما الحياء من الناس فيكون بكف الأذى وترك المجاهرة بالقبيح، روى في الأثر أنه: من تقوى الله اتقاء الناس.

وأما الحياء من النفس فيكون بالعفة وصيانة الخلوات، قال بعض العلماء: من عمل فى السر عملاً يستحى منه فى العلانية فليس لنفسه عنده قدر.

فالحياء خلق كريم يبعث على فعل كل مليح وترك كل قبيح فهو من صفات النفس المحمودة، وهو رأس مكارم الاخلاق، كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لكل دين خلقاً وخلق الاسلام الحياء" ابن ماجة
ورغم كل هذه الأدلة على أهمية الحياء إلا أن كثيراً من الناس تخلوا عنه بل أصبح في زمننا هذا شيئاً نادر الوجود.

فالواقع الذي نعيشه فيه صور محزنه ومؤلمه من التخلي عن الحياء، هذه الصور تهدد حياتنا مالم يتحرك الغيورون منا لتغييرها، ومن هذه الصور قلة احترام الوالدين و ورفع الصوت عليهما.

ومنها عدم احترام المعلمين والمعلمات وترك الأدب معهم والاستهانة بتوجيهاتهم، وهذه من أسباب تدني التعليم فى مجتمعنا، بل أصبح الكثير لايحترمون حق الآخرين في تنفس الهواء النقي وذلك بالتدخين العام وما يسببه للمدخن ولمن بجانبه، فالتدخين معصية يزيد قبحها بالمجاهرة بها، فقد ثبت فى الصحيح: قوله -صلى الله عليه وسلم- " كل أمتي معافى إلا المجاهرون " البخاري

ومن أبشع صور قلة الحياء تفشي العري بين النساء في المجتمع وظهور بعضهن بملابس فاضحة خليعة وخروجهن بملابس ضيقة خليعة، ولا يوجد من يعظهن من أب أو أم، قال -صلى الله عليه وسلم- "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية فى بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع فى مال سيده ومسؤول عن رعيته" البخاري.

وبحسب حياة القلب يكون الحياء، وقلة الحياء من علامات موت القلب والروح.

ومع أن الحياء كله خير إلا أنه إذا منع صاحبه من طلب العلم أو منعه من الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر فهو مذموم، قالت عائشة رضي الله عنها: "نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين"

 

 

المسلم
 

المصادر: