الحركات والمؤسسات الإسلامية وأمراض العصر: الإيدز الحركي!

الكاتب : قاسم قصير
التاريخ : ٣١ ٢٠١٤ م

المشاهدات : 2856


الحركات والمؤسسات الإسلامية وأمراض العصر: الإيدز الحركي!

تحدّث المفكر والداعية الإسلامي الراحل الدكتور فتحي يكن في أحد كتبه المهمّة عن الأمراض التي تصيب الحركات والأحزاب الإسلامية وأسماه ( الإيدز الحركي) وعدّد يكن في هذا الكتاب الكثير من الأمراض والمساوئ التي تصيب الحركات الإسلامية في هذا العصر.

 

وقد كشفت التطورات والأحداث التي حصلت خلال السنوات الثلاثة الأخيرة الكثيرَ من الأمراض والمساوئ التي تصيب هذه الحركات، في ظل ازدياد التحديات المختلفة، ونزول معظم هذه الحركات من السماء إلى الأرض، ودخولها في معترك العمل السياسي  والجهادي والاجتماعي المباشر.

ومن أبرز الأمراض التي تواجهها هذه الحركات والمؤسسات والهيئات والأحزاب الإسلامية مرض الشخصانية، ويتلخّص بتمحور الحزب أو الحركة حول شخص محدَّد، وتحوّله إلى رمز ٍأساسي لا يمكن تجاوز أفكاره أو طروحاته، ولا يمكن استبداله بشخصية أخرى لقيادة الحركة أو الحزب أو الهيئة، سواء بالانتخاب أو الاختيار، ويصوّر لأتباع الحزب أو الحركة أو للعاملين في المؤسسة أنه لا يمكن استبدال هذا القيادي بشخصية أخرى، لأنه لا يستمر العمل بدونه أو بدون إشرافه المباشر على العمل، ورغم أنّ بعض الأحزاب أو الهيئات الإسلامية حاولت تطبيق نظرية الشورى أو الديمقراطية أو تداول السلطة، فإنها لم تخرج من مشكلة الشخصانية، لأنّ عملها بقي يتمحور حول أفكار هذه الشخصيات، سواء كانت في موقع المؤسس أو القيادة أو الأمانة العامة، وأحياناً كثيرة يتحول القيادي إلى ما يشبه "القديس" أو "البطل الوحيد" الذي لا يوجد من يدانيه، وكل ذلك يخالف مباديء الإسلام وأسُسَه منذ وفاة الرسول محمد(صلى اللع عليه وسلم) وحتى اليوم.

وطبعاً لن أدخل في عرض بعض النماذج أو الأدلة على هذا المرض الذي يصيب معظم أو كل الحركات والأحزاب والهيئات الإسلامية.

والمرض الثاني الذي يصيب هذه الحركات والأحزاب والهيئات الإسلامية غياب المحاسبة أو المراقبة الداخلية أو العلنية، واختراع العديد من الأنظمة والأسس التي تمنع حصول المراقبة والمحاسبة إلا بحدود ضيقة وضمن أطر داخلية، أما على الصعيد الفكري والثقافي، فقد شهدنا بعض المراجعات والانتقادات داخل الحركات والهيئات الإسلامية، ولكنها كانت تتم إما بعد حصول تطوراتٍ ضخمة، أو بعد سقوط الآلاف من الضحايا وبروز الأخطار الكبرى وتكون المراجعة غير مفيدة، وأحياناً تحصل بعد حصول الانقسامات والخلافات داخل الحزب أو الحركة أو الهيئة.

وبسبب هذين المرضين تتعرّض الحركات والهيئات والأحزاب الإسلامية لخسائر كبرى، ولا تقتصر الخسارة على الحركة أو الحزب وأعضائهم وكوادرهم بل تشمل كل الوطن أو الأمة أو المجتمع.

كما حصلت بعض المراجعات والانتقادات داخل الحركات الإسلامية أو من خارجها، وقام العديد من المفكرين والقياديين والناشطين بنشر أفكار واقتراحات للمحاسبة أو النقد، لكن لا أدري مدى استفادة هذه الحركات والأحزاب والهيئات من أخطاء الماضي، لأنّ المراقب لأدائها يلحظ أنّ معظمها يعود ويقع في الأخطاء نفسها كل عدة سنوات، وتتحمل الأمة والمجتمع النتائج السلبية بدون المحاسبة الصحيحة، بعكس ما يجري في بعض الدول وخصوصاً في الغرب، حيث يتحمّل المسؤولون مسؤولية ما يقومون به من أعمال، ويتقدمون للمحاسبة إما عبر الانتخابات الحزبية أو العامة، أو عبر نشر التحقيقات عنهم، أو حتى عبر المحاكمة القانونية.

واليوم وفي ظل التحديات التي تواجهها الأحزاب والحركات والهيئات الإسلامية نحن بحاجة للخروج من الشخصانية، وتعزيز روح المحاسبة والنقد والمراجعة، وبدون ذلك سنقع في المزيد من الخسائر والأضرار العامة والخاصة.

وهذا الكلام برسم جميع العاملين والناشطين في الساحة الإسلامية وبدون أي استثنا،ء وعلى أمل أن يلقى الاهتمام والتجاوب، ونشهدَ مراجعاتٍ حقيقية لكل التجارب الإسلامية ومن داخلها أولاً.
 

 

 

المصادر: