الأسد على خطى المالكي.. نعم ولكن!

الكاتب : برهان غليون
التاريخ : ١٧ ٢٠١٤ م

المشاهدات : 2628


الأسد على خطى المالكي.. نعم ولكن!

سقط نوري المالكي أخيراً، وبعد ممانعةٍ مشهودة بالتنحّي عن الحكم، والاعتراف بحكومة حيدر العبادي، وغداً ربما سيزاود في التعبير عن دعمها. أهم ما أظهره هذا التنحي أن مفتاح سر المالكي، كما هو الحال بالنسبة إلى الأسد، هو طهران. رفض المالكي كل نداءات العالم، بما في ذلك نداء باراك أوباما الذي سلم المالكي السلطة بيده، بل رفض ما هو أكثر من ذلك، نداء المرجع الشيعي الأكبر في العراق، علي السيستاني، ولم يرد عليه. وحدها طهران أقنعته، وفي ليلة واحدة، بالحماسة للتنحي، وأشعلت روح "الوطنية" فيه.


أكدت طهران، بالفعل، أنها هي التي تملك النفوذ الأكبر والحاسم في العراق، ولا أحد غيرها، لكنها اعترفت، في الوقت نفسه، بأن سياستها التوسعية وصلت إلى طريقٍ مسدودٍ، ولم يعد أمامها إلا القبول بالتراجعِ، أو ترك الهيكل الاصطناعي الذي أقامته من قم إلى شرق المتوسط، ينهار على رأس إيران والإيرانيين.
لم يكن تمسك طهران بالمالكي حباً به، أو تقديراً لمواهبه، وإنما بالعكس، لأنه قبل بأن يلعب لعبة تقسيم العراق، ودفعه إلى التنازع، ما يوفر لها الفرصة الوحيدة للإمساك بكل مقاليد السلطة فيه. فأي تفاهم بين العراقيين سوف يفرض مشاركة، وبالتالي، مراقبة السياسيين العراقيين غير التابعين للحرس الثوري الإيراني في حكم العراق، ما يضعف من تحكم طهران الكامل بالقرار العراقي، واستخدامه السهل، لخدمة أجندة الهيمنة الإقليمية الإيرانية.
إذن؛ ما يحصل اليوم في العراق هو نهاية حكم قاسم سليماني المطلق للعراق، وتسلط النظام الإيراني عليه. ومنذ الآن، على طهران أن تأخذ بالاعتبار مصالح العراقيين الآخرين، ومصالح الدول الأخرى التي ساهمت أيضاً في "تحرير" العراق.
لا يختلف الوضع في سورية كثيراً، فطهران تدفع، قصداً، إلى تقسيم الشعب السوري، وتغذّي الحرب بين أبنائه، حتى توثق ارتباط النظام السوري بها، وتستخدمه في خدمة أجندتها الإقليمية، وتبقيه ورقة من أوراق مفاوضاتها الدولية.
وهناك من كتب، عن حق، أن تخلي طهران عن المالكي يعطي الأمل بتخليها عن بشار في سورية. هذا أكيد، لكن، لا يزال هناك طريق طويل ينبغي على السوريين أن يقطعوه، قبل أن يأملوا بتفاهم أميركي إيراني في سورية.
أولاً، لأن المطلوب في سورية ليس التفاهم على رئيس جديد، وحسب، إنما تغيير النظام كله.
وثانياً، لأن إيران، هي الدولة الأقل حقاً في المطالبة بتقاسم النفوذ مع واشنطن، في بلدٍ كسورية، يشكل مركز مصالح استراتيجية حيوية للدول الإقليمية الكبرى الأخرى، من الخليج إلى مصر إلى تركيا، بالإضافة إلى المصالح الغربية عموماً.
ولن يُسلم أحد من هؤلاء لطهران بالنفوذ الأول، كما الحال في العراق، حيث تملك أوراق لعب قوية من دون شك.
لكن، في ما وراء هذا وذاك، في سورية شعب، دمرت طهران بقيادتها المباشرة، وتحت إشراف قاسم سليماني نفسه، حياته بأكملها، ومحت جزءاً كبيراً من حضارته ومدنه وعمرانه، وشرّدت الملايين من أبنائه، وما زالت تدفع عشرات السوريين الأبرياء إلى الموت يومياً، لتحافظ على نفوذٍ لا شرعي، وتتصرف بقسوةٍ وعنفٍ وعدم اكتراث للحياة الإنسانية، أكثر مما تصرف به أي استعمار على وجه الأرض، بما في ذلك الاستعمار العنصري في جنوب أفريقيا السابقة.
في سورية، بخلاف العراق، لن يتاح التحرر من نظام القتل والدمار والتشريد، من دون التحرر من الاحتلال، الذي مكّن للنظام، وقاد خطواته ودفعه إلى طريق الخيانة والانتحار.


العربي الجديد

المصادر: