هل طال الطريق؟

الكاتب : مجاهد مأمون ديرانية
التاريخ : ١٧ ٢٠١٤ م

المشاهدات : 3318


هل طال الطريق؟

سألني أخ كريم فقال: ها قد أتممنا ثلاثَ سنين ودخلنا في الرابعة. هل تعتبر السنوات الثلاث وقتاً طويلاً؟ وما معيار الوقت الطويل والقصير؟
قلت: هذا سؤال ليس له جواب.
لو سألتك: هل تعتبر مليون ليرة ثمناً مناسباً لبيت؟
فإنك سوف تجيب عن سؤالي بسؤال: ما هو هذا البيت؟ أخبرني أولاً عن حجمه وموقعه وصفاته حتى أستطيع تقديم الجواب الصحيح.

 


إن بيتاً من غرفتين ليس كبيت من ستّ غرف، والبيت الكبير ليس بسعر القصر الفاخر، وهو في المدن الكبيرة أغلى منه في القرى والبلدات الصغيرة بكثير.
حسناً، ما الذي "نشتريه" بثورتنا؟
في أول أيام الثورة أراد المتظاهرون في درعا محاسبة المجرم عاطف نجيب وطالَبَ متظاهرو حمص بإقالة المحافظ وتلا متظاهرو بانياس قائمةً بمطالبَ متواضعةٍ منها الفصلُ بين الطلاب والطالبات في المدارس!
هل تستحق هذه المنجزات وأمثالُها ربعَ مليون شهيد ونصف مليون مصاب وعشرة ملايين مشرد وملايين المعذَّبين والمعذَّبات، في ثلاث سنين مضت وفيما لا يعلم عددَه من السنين الآتيات إلا الله؟
لو كنا دفعنا ذلك كله من أجل المطالب التي أعلنها المتظاهرون في الأسبوع الأول فإنها لَصفقة خاسرة ظالمة!
ولكنْ ماذا عن التخلص من عبودية نصف قرن؟
ماذا عن استرجاع الكرامة والخروج من حياة الذل والهوان (إن كان يصحّ أن تُسمَّى حياة)؟
ماذا عن إعادة ولادة الشعب السوري من جديد؟
ماذا عن تحطيم المؤامرة الرافضية الكبرى لابتلاع بلاد المسلمين؟
ماذا عن إيقاظ الأمة المسلمة واسترجاع عزّها المفقود؟
ألا تستحق هذه المغانم الجليلة العظيمة ما دُفع من ثمن باهظ؟ بل ألا تستحق أن ندفع أكثرَ وأكثرَ لننالها؟

*   *   *

نحن الآن في أول السنة الرابعة. في مثل هذه المرحلة من عمر الدعوة النبوية كان بلال يئنّ تحت الصخرة وهو مطروحٌ على رمل الصحراء اللاهب ويردد بلا انقطاع: "أحَد، أحَد".
في مثل هذه المرحلة من تلك الدعوة العظيمة مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بآل ياسر وهم يعذَّبون، وقد طعن المجرمُ الكافر أبو جهل سميةَ بالرمح في قلبها (أو في فخذها -في رواية أخرى- فنفدت الطعنة إلى فرجها فقتلتها) فقال عمار: يا رسول الله، بلغ منّا العذاب كل مبلغ.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صبراً أبا اليقظان"، أو قال: "صبراً آل ياسر، فإن موعدكم الجنة".
وربما قريباً من هذه المرحلة جاء أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم إليه -وهو متوسّدٌ بُردةً له في ظل الكعبة- فقالوا: ألا تستنصرُ لنا؟ ألا تدعو لنا؟
فقال: "قد كان مَن قبلَكم يُؤخَذ الرجلُ فيُحفَر له في الأرض فيُجعَل فيها، فيُجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيُجعَل نصفين، ويمشَّط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، فما يصدّه ذلك عن دينه. والله لَيتمّن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا اللهَ والذئبَ على غنمه، ولكنكم تستعجلون".
ثم انتظَروا بعدها تسعَ سنين حتى أتى يومُ الهجرة فتخلّصوا من العذاب وانتقلوا من الخوف والهوان إلى العزّ والأمان، وانتظروا بعدَها قريباً منها حتى جاء يوم الفتح الأكبر.
لا أقول إننا سنعاني كل تلك السنين حتى يأتي النصر المبين، فلا يعلم متى يأتي ذلك اليوم العظيم إلا الله، إنما أقول إن المكاسب العظيمة لا تُشترى إلا بالثمن الكبير، وإني لأسأل الله تبارك وتعالى أن يعجّل بالنصر والفرج لأن البلاء الذي أصابنا أعظمُ ممّا أصاب الصحابةَ من بلاء، ولأن عدونا فاق في الخِسّة والإجرام أبا جهل وسائرَ كفار العرب في ذلك الزمان.

*   *   *

يا أهل سوريا الكرام ويا أحرارها ومجاهديها الميامين:
لقد أردنا أمراً وأراد الله أمراً، وما أراده الله خيرٌ ممّا أردنا، ولا يختار لنا إلا الخير. أردنا السلامة والدنيّة وأراد الله لنا العُلُوّ والسُّمُو، أردنا مخدّراً نخدّر به الألم الناشئ عن الورم، وأراد الله للورم الخبيث كله أن يُستأصَل من أصله لنتعافى منه إلى الأبد.
قد تطول المحنة وتطول، ولكننا ماضون إلى النصر بإذن الله، سوريا إلى خير بأمر الله.
نسأل الله أن لا يحمّلنا ما لا طاقةَ لنا به، وأن يعفو عنا ويثبّتنا وينصرنا على عدونا، والحمد لله على كل حال.

 

 

  الزلزال السوري     

المصادر: