ما لا تعرفه عن كلمة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله).

الكاتب : موسى بن سليمان السويداء
التاريخ : ١٠ ٢٠١٤ م

المشاهدات : 18847


ما لا تعرفه عن كلمة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله).

كلمة التوحيد هي كلمة الإخلاص وشهادة الحق ودعوة الرسل، وبراءة من الشرك، ونجاة العبد، ورأس هذا الأمر، ولأجلها خُلق الخلق، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات:56]، ولأجلها أرسلت الرسل، وأُنزلت الكتب كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [سورة الأنبياء:25]،

 

 

من أجلها أفترق الناس إلى فريقين، فريق في الجنة وفريق في السعير، ومن أجلها حقت الحاقة، ووقعة الواقعة، ومن أجلها سُلت سيوف الجهاد، وفارق الابن أباه، والزوج زوجته، فلا يدخل الإنسان في الإسلام إلا بعد أن يشهد هذه الشهادة شهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، فإن أبى فلا يكون من أهل الإسلام والتوحيد، بل هو من أهل الكفر والشرك، ولذا هي الركن الأول من أركان الإسلام وهي مفتاح الجنة، وفي الصحيحين عن ابن المسيب عن أبيه قال: " لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل فقال له: ((يا عم قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله))، فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟! فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم فأعادا فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لأستغفرنَّ لك ما لم أنه عنك))، فأنزل الله عزوجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [سورة التوبة:113]، وأنزل في أبي طالب: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} [سورة القصص:56] . وهذا يدل على عِظم هذه الكلمة فأبى طالب مات على ملة الشرك ملة أبيه عبد المطلب بسبب عدم نطقه لهذه الكلمة العظيمة .

 

ومعنى هذه الكلمة: أي لا معبود بحق إلا الله فهي جامعة للنفي والإثبات فـ(لا إله) نفي لجميع ما يعبد من دون الله، كالأصنام والأوثان التي عُبدت من دون الله و(إلا الله)، إثبات العبادة لله وحدة لا شريك له في العبادة دون غيره من المعبودات التي عُبدت بالباطل كالأنبياء، والأولياء والملائكة والجن والأشجار والأحجار[1].
وأما (محمد رسول الله) فمعناها: "طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع"[2]، وهذا التعريف لمعنى شهادة محمد رسول الله شامل لها؛ لأن العبادة لابد أن تكون موافقة لما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يُعبد الله بالبدع والخرافات وما يستحسنه الناس من عند أنفسهم .
- وأما خصائص كلمة التوحيد: فمنها أنها لا تشتمل على حرف منقوط، قال ابن عبد الهادي الحنبلي: " ومن خواصها أن حروفها كُلها مهملة ليس فيها حروف معجمة تنبيهاً على التجرد من كل معبود سوى الله تعالى"[3]، وقال محمد بن أبي الفتح البعلي: "ومن خواصها أن جميع حُروفها جوفية ليس فيها شيء من الشفوية إشارة إلى أنها تخرج من القلب"[4] .
وأما شروطها فثمانية، وقد نظمها بعضهم في قوله:

عـلم يقين وإخـلاص وصدقـك مع *** محبةٍ وانقيـاد والقبــول لهــا
وزيد ثامنها الكفران منك بمـا *** سوى الإله من الأشياء قد أُلها


فالأول: العلم بمعناها المنافي للجهل، وقد ذكرنا أنفاً معناها أي لا معبود بحق إلا الله.
الثاني: اليقين المنافي للشك، فلابد في حق قائلها أن يكون على يقين بأن الله سبحانه هو المعبود بحق.
الثالث: الإخلاص وذلك بأن يخلص العبد لربه سبحانه في جميع العبادات فلا يصرف شيء من العبادات لغيره كالأصنام، أو الملائكة، أو الأنبياء، أو الأولياء، أو الجن أو غير ذلك.
الرابع: الصدق، ومعناه أن يقولها وهو صادق بحيث يطابق قلبه لسانه ولسانه قلبه، فإن قالها باللسان فقط بدون إيمان القلب فهو من جملة المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر.
الخامس: المحبة ومعناها أن يحب الله عزوجل، فإن قالها بدون محبة الله فهو أيضاً منافق قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ} [سورة البقرة:165].
السادس: الانقياد لما دلت عليه من معنى، بحيث يعبد الله وحده وينقاد لشريعته، ولا يكون مستكبراً عن العبادة كما استكبر إبليس عن طاعة الله.
السابع: القبول لما دلت عليه من إخلاص العبادة لله، وترك عبادة ما سواه راضياً بذلك.
الثامن: الكفر بما يعبد من دون الله، أي يتبرأ من عبادة غير الله، ويعتقد أنها عُبدت بالباطل كما قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[5] [سورة البقرة:256].


وأما الفوائد التي تحصل لذاكرها ومرددها فكثيرة جداً، نقل ابن حجي الحنبلي في رسالةٍ له سماها " الكلام المُنقى مما يتعلق بكلمة التقوى عن صاحب كتاب "فاكهة القلوب والأفواه" أنه قال: " فمنها الزهد ونعني به خلو الباطن من الميل إلى فإن، ومنها التوكل وهو ثقة القلب بالوكيل الحق سبحانه وتعالى. ومنها الحياء بتعظيم الله عز وجل بدوام ذكره والتزام امتثال أمره ونهيه .
ومنها الشكر وهو إفراد القلب بالثناء على الله تعالى ورؤية النعم في طي النقم، ثم قال ابن حجي مستدركاً عليه : "قلت: ومنها أنها تعصم الدم والمال لمن قالها إلا بحقها"[6] .


وأما فضائلها: فقد عقد الحافظ زين الدين ابن رجب فصلاً يبلغ (13) صفحة في كتابه "التوحيد أو تحقيق كلمة الإخلاص" وسوف أذكر بعضها باختصار:
1/ هي نجاة من النار .
2/ توجب المغفرة .
3/ أحسن الحسنات .
4/ تمحو الذنوب والخطايا .
5/ تجدد ما درس من الإيمان في القلب .
6/ لا يعدلها شيء في الوزن .
7/ تخرق الحُجب كلها حتى تصل إلى الله عزوجل إذا قالها القائل .
8/ ينظر الله إلى قائلها ويجيب دعاه إذا كان قالها مخلصاً .
9/ أفضل ما قاله النبيون .
10/ أفضل الذكر .
11/ أفضل الأعمال وأكثرها تضعيفاً في الأجر وتعدل عتق رقبة وتكون حرزاً من الشيطان .
12/ أنها أمان من وحشة القبر وهول الحشر .
13/ شعار المؤمنين إذا قاموا من القبور .
14/ أن قائلها لا يخلد في النار[7].


وأما نواقضها فكثيرة جداً حتى قيل: إنها تبلغ (400) ناقض[8] لكن أهمها وأخطرها عشرة نواقض وهي :
1/ الشرك بالله كالذبح للجن وللأولياء مثل ما كان يُفعل في الجاهلية للأصنام .
2/ من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم .
3/ من لم يُكفر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم .
4/ من اعتقد أن هدي غير الرسول صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه أو أن حكم غيره أحسن من حكمه كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكم الشرع .
5/ من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به كمن يبغض القرآن أو السنة.
6/ من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه كنعيم الجنة أو عقابه كالآخرة وما فيها من أنواع العذاب.
7/ السحر والصرف والعطف.
8/ مناصرة المشركين والكفار على المسلمين.
9/ من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة الرسول كما فعل الخضر مع موسى.
10/ الإعراض عن تعلم دين الله فلا يتعلمه ولا يعمل به[9].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1/ راجع حاشية الأصول الثلاثة لعبد الرحمن بن قاسم، دار الزاحم، الرياض .
2/ نفس المصدر السابق .
3/ الدرر النقي في شرح ألفاظ الخرقي، ج2 ص 212 يوسف بن حسن بن عبد الهادي، دار المجتمع، جدة .
4/ المطلع على أبواب المقنع، ص81 لمحمد بن أبي الفتح البعلي، المكتب الإسلامي، بيروت .
5/ راجع فتح المجيد شرح كتاب التوحيد " باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله" للشيخ عبد الرحمن بن حسن، ومجموع فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز جمع الدكتور عبد الله الطيار، ج1 ص 229 طبعة دار الوطن .
6/ نقلته بتصرف يسير من مجموع الرسائل والمسائل النجدية، ج5 ص858 جمع الشيخ محمد رشيد رضا، وأعاد طباعتها مع الفهارس الدكتور عبد السلام آل عبد الكريم -رحمهما الله- .
7/ كل هذه الفضائل ذكر لها الحافظ ابن رجب أدلة من القرآن والسنة الصحيحة، لكني اكتفيت بذكرها باختصار، ومن أرد الزيادة فليراجع أصل الكتاب .
8/ راجع في ذلك كتاب الإعلام بقواطع الإسلام لأبن حجر الهيتمي الشافعي، وكتاب ألفاظ الكفر لبدر الرشيد الحنفي، و رسالة في ألفاظ الكفر لقاسم الخاني، ورسالة في ألفاظ الكفر لتاج الدين أبي المعالي الحنفي، وقد جمع هذه الكُتب، الدكتور محمد الخميس في كتاب واحد سماه "الجامع في ألفاظ الكفر"، وهو مطبوع في دار إيلاف الدولية بالكويت .
9/ دروس في شرح نواقض الاسلام، للشيخ صالح بن فوزان الفوزان، دار أطلس الخضراء، الرياض .

 

 

المصادر: