مبادرات ومبادرات - كلمة على هامش مبادرة المحيسني الفاشلة

الكاتب : مجاهد مأمون ديرانية
التاريخ : ٣١ ٢٠١٤ م

المشاهدات : 5265


مبادرات ومبادرات - كلمة على هامش مبادرة المحيسني الفاشلة

انتدب بعضُ الأفاضل أنفسَهم لجمع أوجه الشبه بين نظام الاحتلال الأسدي النصيري ونظام الاحتلال الداعشي البغدادي، فاجتمعت لهم طائفةٌ من الخصائص والصفات المشترَكة التي لا تَخفى على ذي بصيرة، ولعلّي أضيف إليها واحدةً من أهم المشترَكات: "دهاء الطرفين وقدرتهما على تضييع جوهر المسألة في بحر من التفاصيل الفرعية التي لا علاقة لها بأصل الموضوع".

 


هذا ما يفعله النظام اليوم في جنيف (وما صنعه في أربعين سنة خلت) وما تصنعه داعش مع ما سُمّي "مبادرة الأمة" (وما صنعته مع كل المبادرات المشابهة قبلَها).
كان المطلوب من داعش أن تردّ على المبادرة بكلمة واحدة فقط أو كلمتين: "أوافق" أو "لا أوافق".
ولكنها بدلاً من تقديم الجواب سحبت أصحابَ المبادرة والمعنيّين بها إلى جدل فقهي سياسي، وقد وقع أنصار داعش في الشّرَك فراحوا يكررون ذلك التبرير السقيم: من حق "الدولة" أن تستيقن من نقاء عقيدة خصومها قبل الموافقة على حل مشكلتها معهم أمام القضاء.
لو أن أنصار داعش كانوا يملكون الدرجةَ الدنيا من الإنصاف أو العلم الشرعي لما ردّدوا تلك الترّهات، ولعلموا أنّ مَن يشترط للتحاكم إلى شرع الله شروطاً ليست في كتاب الله ولا في سنّة رسول الله ليس من الله ورسوله في شيء.
ثم إن مجاهدي الشام ليسوا مضطرين إلى استصدار "شهادة حسن سيرة وسلوك" لترضى عنهم داعش الباغية، وهم غير متَّهمين في دينهم حتى يُلزَموا بتقديم الدليل على حسن إسلامهم.
وحتى لو كانوا كفاراً، أيحرمهم كفرُهم من حق التحاكم إلى القضاء الشرعي العادل؟

*   *   *

نقول لأنصار داعش: كفاكم غفلةً وتبريراً للظلم والبغي والإجرام والعدوان.
ونقول لمن أطلق تلك المبادرة: ها قد أعلنَت داعش ردّها على مبادرتك، فما أنت فاعل؟
إلى متى تطرح مبادرات تقبلها الفصائل كلها إلا داعش؟
أما آن الأوان لتصفها بما وصفها به الله في القرآن؟
أتخاف أن تصفها بالبغي والعدوان وهي صفتها الحقيقية كما يعرفها المجاهدون في الميدان؟
إلى متى تستمرّون بطرح المبادرات بعد المبادرات يا أصحاب المبادرات؟
أما إنّا لا نجد فرقاً بينكم وبين النظام الدولي الذي لم يسأم من تقديم المبادرات التي تَمُدّ أجل النظام كما تمدّون أجل داعش، والتي تشرّع للنظام القتلَ والعدوان كما تشرّع مبادراتُكم لداعش القتلَ والعدوان.
لم يستفد السوريون من مبادراتكم إلا كما استفادوا من مبادرات النظام الدولي، ولم تصنع مناشداتكم لداعش أكثرَ ممّا صنعت مناشدات العالَم للنظام.
مبادراتكم ومبادراتهم كلام فارغ، عبارات مبهَمة لم يُحدَّد لتنفيذها زمنٌ ولا ترتّبَ على تجاهلها عقاب، وكلُّ مبادرة لم تحدّها حدودٌ زمنية ولم تحرسها قواعدُ صارمة وتردع مخالفيها عقوباتٌ حاسمة فإنها كالكتابة على الماء.

*   *   *

ما زلنا نرى بغياً وعدواناً ونرى معتدياً ومُعتدَى عليه، وما زلنا نسمع بمبادرات تقوم على مساواة الظالم بالمظلوم، وما زلنا نشاهد التعنّت والكِبْر والرفض من الطرف المعتدي الباغي الظالم، الذي سمّى نفسَه دولة وما هو إلا "دُوَيلة البغي والعدوان".
ولماذا لا تتعنّت داعش ولا ترفض مبادراتٍ أساسُها المناشدةُ والرجاء؟
متى فهم الذئاب المعتدون لغةَ البشر الأسوياء ومتى استجاب بغاةٌ ظالمون لمناشدة أو رجاء؟
إن شئتم أن تكون لمبادراتكم قيمة فقيّدوها بما قَيّد الله -تبارك وتعالى- به خطةَ الإصلاح بين الفئتين المتنازعتين: {فأصلحوا بينهما}، والإصلاح هو المبادرة، ولا تصحّ مبادرةٌ إلا بضبطها بوقت محدد، ولا ينبغي أن يتطاول هذا الوقتُ حتى يبلغ شهوراً أو سنين، إنما هو أيام، فإن رفضت إحدى الطائفتين مبادرةَ الصلح فأعلنوا عليها الحرب وانتدبوا كل الجماعات والكتائب لقتالها قتالاً شرعياً صحيحاً لا لَبْسَ فيه ولا شبهةَ فتنة كما تزعمون: {فإن بَغَت إحداهُما فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله}.
هذا امتحان لكم -يا أصحاب المبادرات جميعاً- قبل أن يكون امتحاناً لداعش وخصوم داعش؛ امتحان لصدقكم في تطبيق حكم الله الذي تَدْعون إليه المتنازعين، فإن فشلتم في هذا الامتحان وعجزتم عن إعلان الحرب على الفئة الباغية فلا خيرَ في مبادراتكم ولا مصداقيةَ لحرصكم الظاهر على تطبيق شرع الله. وإنّا منتظرون.

 

 

الزلزال السوري   

المصادر: