عن التوكل

الكاتب : عمار النوري
التاريخ : ٢٧ ٢٠١٣ م

المشاهدات : 4196


عن التوكل

عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو أنكم توكّلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا". رواه الترمذي وقال حسن صحيح.

في هذا الحديث بيان لأصل التوكل الذي هو من أعظم الأسباب التي يُجلبُ بها الرزق. يقول الله تعالى: "... ومن يتوكل على الله فهو حسبه...".

 


قال -صلى الله عليه وسلم- في هذه الآية أن لو أخذ الناس بها لكفتهم.
التوكل جماع الإيمان وحقيقته، وهو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار في أمور الدنيا والآخرة جميعا.
فلا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه سبحانه وتعالى، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  يقول: "اللهم اجعلني ممن توكل عليك فكفيته".
يدعو التوكل إلى الإيجابية عكس ما يدعيه البعض من سلبية "التواكل".
فلو نظرنا في الحديث الذي رواه الفاروق -رضي الله عنه- لوجدنا دلالات واضحة في الأخذ بالأسباب بكلمتي "تغدو" و "تروح". فهذا الجزء اليسير من السعي باركه الله تعالى وجلب به للطير معاشها، وهو سبحانه يعلم أن قدرة الطير كامنة في الغدو والرواح فلا يكلفها فوق طاقتها.
وهكذا حال العبد المسلم، يسعى حسب مقدرته -والله يعلم قدراته– يسعى بالحلال ويُجمِل في طلب الرزق موقنا أن ما أصابه لم يكن لبخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وأجلها، وأن رُفِعت الأقلام وجَفّت الصحف.
فيرفع يديه داعيا ربه بعد أن سعى سعيه قائلا: "هذا الجهد وعليك التكلان"، ويرضى بما قسم الله له مع استمراره في الطلب والسعي دون كلٍّ أو ملل.
أما هؤلاء الذين يرون أن التوكل يكمن في القعود عن العمل دون الأخذ بالأسباب فهم يحرفون كتاب الله ويشذون عن سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-  الذي قال: "اعقلها وتوكل".
فالله تعالى أمرنا بالسعي "فامشوا في مناكبها"، وأمرنا بالعدة في لقاء العدو "وأعدوا لهم ما استطعتم..."، ولم يرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  يديه الطاهرتين داعيا في بدر إلا بعد أن أعدّ عدّته وبذل جهده فرفع يديه داعيا الله النصر متوكلا عليه وراضيا بحكمه وقضائه.
فهؤلاء الذين يدعون التوكل وهم متواكلون، هؤلاء هم عالة على المجتمع وآفة ينبغي الخلاص من سمومها، يحرفون الكلم عن مواضعه ويسعون لتحجيم دين الله مدّعين المسكنة والانكسار، ناسين أو متناسين أن المسلم عزيز وانكساره لربه ليس مظهرا يلبسه ولا علامة يميزه الناس بها، بل أن انكساره لربه وذله بين يديه لا يتجلّيان إلا سرا بينه وبين بارئه بعد أن كدّ نهارا وسعى سعيه المفروض عليه.
 

المصادر: