هل ديكتاتور عن ديكتاتور بيفرق؟

الكاتب : أحمد أبو مطر
التاريخ : ٢٧ ٢٠١٣ م

المشاهدات : 3919


هل ديكتاتور عن ديكتاتور بيفرق؟

جاءتني فكرة هذه المقالة بعد قراءتي بدقة واحترام لكافة تعليقات القراء على مقالتي الأخيرة بعنوان (صفعة مصرية جريئة لوحش سوريا وحزب الشيطان) المنشورة في موقع إيلاف يوم الأحد السادس عشر من يونيو، حيث اعتبر بعض السادة المعلقين أنّ المقالة دعوة للتحريض على العنف واستمرار القتل في سوريا، بينما التقط أحد المعلقين جملة وردت في نهاية المقالة المذكورة، قلت فيها حول مطالب بعض قوى المعارضة برحيل الرئيس محمد مرسي " ومن حق الشعب المصري أن يطالبه بالبقاء أو الرحيل ولكن بالطرق السلمية التي لا تجرف مصر لكوارث لا يستطيع أحد التنبؤ بنتائجها"، فاعتبر هذه ازدواجية لأنّه فهم منها حرصي على استقرار وأمن مصر ودعوتي للعنف والقتل وإراقة الدماء في سوريا.

 


فما هو موقفي الحقيقي الذي أعلنه صراحة خاصة أنّه مجرد رأي شخصي ليس شرطا أن يحصل على تأييد كافة القراء بدليل أنّ تعليقات القراء أنفسهم هناك من يؤيدها ومن يرفضها، مما يعني استحالة وجود رأي يحظى بموافقة كافة القراء، والدليل على ذلك أنّ الكتب السماوية بما فيها القرآن الكريم وجدت من يرفضها ولا يؤمن بما ورد فيها، فهل ترقى أفكارنا كتابا وقراء ومعلقين لأية نسبة من هذه الكتب السماوية؟
فما هو موقفي من هذه الأحداث؟
لا..لا..للفتنة الطائفية لأنّني شخصيا لا أعترف ضمن قناعاتي الشخصية بوجود طوائف (سنّة) و (شيعة) في أساسيات الدين الإسلامي، فهذه الطوائف نتيجة صراعات على السلطة السياسية والتحكم في مصير الشعوب، بدليل أنّه إذا كان المسلمون حقيقة يعتقدون أنّ مرجعيتهم الإسلامية هي القرآن الكريم والسنّة النبوية، فلا يوجد في هذه المرجعية سنّة و شيعة بل إسلام ومسلمون فقط.
ولم تظهر هذه الفرق وقتال الطوائف لأغراض التحكم والسيطرة إلا بعد وفاة الخليفة الثالث عثمان بن عفان، الذي مات مقتولا في منزله وهو يقرأ القرآن الكريم فيما عرف بعد ذلك بـ (الفتنة الكبرى).
فمن نصدق القرآن الكريم والسنّة النبوية التي لا فرق ولا طوائف فيها، أم هؤلاء الدعاة ومثيري الفتن منذ زمن خلافة علي بن أبي طالب وحتى اليوم؟.
وللحقيقة التي نعيشها جميعا فإنّ إثارة الفتنة الطائفية بين السنّة والشيعة قد تمت تغذيتها بعد استلام الخميني للسلطة في إيران وإقامته ما عرف بـ (الجمهورية الإسلامية الإيرانية ).
إذ استمرت السياسات العدوانية تجاه الجيران العرب بدءا من الإصرار على استمرار احتلال الجزر الإماراتية ومصادرة كافة حقوق عرب الأحواز الذين غالبيتهم من السنّة ومنعهم حتى اليوم من تعلم واستعمال لغتهم العربية التي هي لغة القرآن الكريم، بينما الاحتلال الإسرائيلي رغم كل جرائمه يسمح منذ عام 1948 لفلسطينيي الداخل باستعمال لغتهم وثقافتهم العربية التي صدّرت للعالم العربي عباقرة في الإبداع والسياسة أمثال محمود درويش وإميل حبيبي وسميح القاسم وتوفيق زياد وغيرهم الكثيرون.
وأيضا يستمر النظام الإيراني الذي يحكم باسم الإسلام في التهديد باحتلال مملكة البحرين على اعتبار أنّها محافظة إيرانية.
وكذلك الاصطفاف الطائفي لحزب الله اللبناني لماذا لم نسمع أي موقف لحزب الله من ثورات الشعوب العربية في تونس ومصر واليمن، بينما سارع الحزب لتأييد الحراك الشعبي في البحرين أولا على اعتبار أنّه حراك الغالبية الشيعية المضطهدة؟
ولماذا سارع الحزب لتأييد نظام بشار الأسد معلنا أنّه ذاهب بمقاتليه للدفاع عن مقام السيدة زينب؟.
هل هذا صحيح أم انّه اصطفاف مع نظام فعلا هو الذي سعى وغذّى الفتنة الطائفية في سوريا، رغم أنّه للأمانة ليس كل الطائفة العلوية مع هذا النظام الديكتاتوري، فهي مهمشة ومضطهدة كباقي الشعب السوري، ومجموعة ضباط الجيش والمخابرات العلويين المسيطرين على السلطة والاقتصاد السوري لا يمثلون كافة الطائفة العلوية.
ولماذا تجاوز أو نسيّ، القراء والمعلقون على مقالتي السابقة التصريحات العلنية التي أوردتها لمرجعيات شيعية تدين تدخل حزب الله في سوريا، أمثال الشيخ صبحي الطفيلي والعلامة علي الأمين والسيد الحاج محمد حسن.
وهل إدانة هذه المرجعيات الشيعية لتصرفات حزب الله الطائفية تصبّ في إشعال الفتنة أم تريد وقف هذا الحزب من التمادي في دعمه الطائفي لنظام وحش سوريا.
وكان آخر موقف منذ أيام قليلة مطالبة الرئيس اللبناني ميشال سليمان الحزب بسحب مقاتليه من سوريا.
وهل يحدث في أية دولة هذه الممارسات من هذا الحزب الذي فعلا يتصرف كأنّه هو الدولة والجيش اللبناني؟.
وأخيرا فعلا إن ديكتاتورا عن ديكتاتور بيفرق، وذلك من خلال استعراض تصرفات أشهر الديكتاتوريين العرب وغير العرب في نصف القرن الماضي، ونقارن ذلك بتصرفات ديكتاتور سوريا الحالي بشار الأسد (الاسم الحقيقي لعائلته الوحش كما هو مثبت في أرشيف الطائفة في القرداحة).
1. ديكتاتور إيران السابق الشاه محمد رضا بهلوي، عندما اندلعت الثورة الإيرانية ضده عام 1979 فرّ هاربا بطائرته خارج إيران، ولم يتصدى للثورة بجيشه ومخابراته المعروفة بقمعها الدموي، وهذه الثورة هي التي جاءت بالخميني من باريس رئيسا لما أطلق عليه (الجمهورية الإسلامية الإيرانية) مبتدعا نظرية (ولاية الفقيه) التي نصّبته ومن بعده وكلاء لله في الأرض من يعصاهم فقد عصى الله تعالى.
وهنا المفارقة الغريبة المؤلمة:
نظام ثورة أطاحت بديكتاتور إيران القمعي تناصر ديكتاتور سوريا الذي قتل حتى الآن ما يزيد على مائة ألف سوري وهجّر قرابة خمسة ملايين.
فكيف نفهم ذلك سوى من منظور القمع الدموي الذي مارسه وما يزال نظام الخميني ومن جاءوا بعده ضد الشعب الإيراني بكافة طوائفه وملله وقومياته حيث يسجّل هذا النظام أعلى معدلات إعدام ومصادرة حقوق الإنسان في العالم.
وفعلا كما يقول المثل العربي ( قل لي من هو صديقك أقل لك من أنت).
2. ديكتاتور رومانيا نيكولاي تشاوشيسكو حكم رومانيا بالحديد والدم من سنة 1965 ، وعندما اندلعت الثورة الرومانية ضده في ديسمبر 1989 مطالبة برحيله، فرّ هاربا هو وزوجته إيلينا، حيث أمسك به الثوار على الحدود الرومانية وتمّ إعدامه مع زوجته بعد محاكمة دامت ساعتين فقط، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الشعب والدولة وصلت حد الإبادة الجماعية وتدمير الاقتصاد الروماني لصالح فساده وبذخه.
أي أنّه لم يتحدى الثورة الرومانية وكان قادرا على مواجهتها بجيشه ومخابراته وقتل ألاف جديدة من الشعب الروماني.
3. وفي السنتين الماضيتين، كيف تصرف الطغاة العرب الذين اندلعت ثورات شعوبهم ضدهم مطالبة إياهم بالرحيل؟
زين الهاربين بن علي هرب خارج تونس بعد أقل من اسبوعين من مطالبة الشعب برحيله، ولم يتصدى للثوار ولم يقتل واحدا منهم.
ومن بعده راوغ حسني مبارك حوالي ثلاثة أسابيع بعد اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 ضده، ورحل عن السلطة متوجها إلى السجن هو ونجليه والعديد من رموز نظامه، دون أن يرتكب جرائم تذكر كما هو حادث في سوريا.
وكذلك طاغية اليمن اللاعلي اللاعبدالله اللاصالح، راوغ أكثر من عام ثم رحل طواعية كي لا يدخل اليمن اللاسعيد في أتون جرائم جديدة يرتكبها جيشه ومخابراته وكان قادرا على ذلك.
فلماذا ديكتاتور سوريا فقط، هو الذي يصرّ على البقاء في السلطة رغم ما يزيد على عامين منذ اندلاع الثورة السورية ضده في منتصف مارس 2011 ؟.
هل يستطيع أحد من مناصري هذا النظام أن يجيب على هذا السؤال؟.
شعب يطالب رئيسه بالرحيل فلماذا العناد والمكابرة التي أودت بحياة ألاف من الشعب السوري ودمرت الاقتصاد السوري حيث بلغ سعر الدولار أكثر من مائتي ليرة سورية؟.
أم أنّ تنحيه لصالح الثورة والشعب السوري خيانة وطنية كما قال في لقاء صحفي أخير معه؟.
أليس بقاؤه في السلطة بعد 43 عاما من طغيان والده وطغيانه هو الخيانة الوطنية؟.
فهل من مجيب حيادي يردّ على كل هذه الأسئلة التي لا تهدف إلا مصلحة وكرامة الشعب السوري بكل طوائفه وقومياته ووحدة سوريا شعبا ووطنا وأرضا؟

المصادر: