ما السبيل؟؟؟

الكاتب : عمار النوري
التاريخ : ١٨ ٢٠١٣ م

المشاهدات : 3938


ما السبيل؟؟؟

يشهد التاريخ أن العالم انقلب وحدث فيه تغيير جذري منذ حوالي 1400 عام.
ابتدأ هذا التغيير الجذري في أمة كانت قبله تعيش في جاهلية جهلاء بمختلف نواحي حياتها، ولم يكن لها وزن أو اعتبار آنذاك فلم تأبه بها الروم ولا الفرس، أعظم دولتين وقتئذ، بل اتخذوا من عربانها موالين لهم ينفذون أوامرهم ويخدمون مصالحهم.

 


هذه الأمة هي الأمة العربية الجاهلية التي كان يحكمها نظام قبلي عشائري.
كان أفرادها إما بدوا رحلا لا موطن لهم وإما قبائل مستقرة تنتمي للواء فارسي أو رومي، لا دين لهم سوى عادات قبلية جاهلية منها ما هو محمود كالكرم ومنها ما هو مذموم كالوأد.
فلا دين لهم – إلا قلة نصرانية – إذ كانوا يعبدون أصنام يصنعونها بأيديهم أو أشجارا أو ما أرادوا من آلهة.
اختار الله تعالى هذه الأمة لينزل عليها قرآنه، واختارها سبحانه لرسالته فبعث فيهم الصادق المصدوق محمد بن عبد الله --صلى الله عليه وسلم--.
أمره أن يدعو الناس لعبادة الله الواحد الأحد ولا يشركوا به شيئا، دعاهم لنبذ ما تعلموه في جاهليتهم وعلمهم حب الخير ومكارم الأخلاق.
جعل لإرثهم وعاداتهم المحمودة معاني سامية فصار الكرم صدقة لله وزكاة.
استجاب له طائفة من الذين أراد الله لهم الهداية فأسس -صلى الله عليه وسلم-بهم نواة الأمة الإسلامية التي أصبحت فيما بعد أعظم وأقوى أمة عرفها التاريخ لوقتنا الحاضر، فكانت
"خير أمة أخرجت للناس".
لم تخرج هذه الأمة الإسلامية الأولى ولم يخرج هذا الجيل القرآني الأول ولم تنبع تلك الرجالات إلا من قوم غلبتهم الأعراف الجاهلية.
فما الذي حوّل من مثل عمر الفاروق –رضي الله عنه– من جبار تخافه قريش وتهاب بأسه وبطشه إلى عمر المتواضع المتسامح الذي يحمل الطحين والحطب لعجوز من رعيته؟
ومثل الفاروق أمثلة كثيرة من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
فالسؤال هو: "كيف وُجِد هذا الجيل وهذا المجتمع، وما السبيل لتكراره؟"
قبل الإجابة على هذا التساؤل – والذي هو جوهر الموضوع – أود أن أتفق مع القارئ على نقطة أساسية.
هناك من يقول أن هذا نبي وهؤلاء صحابته، فأين نحن منهم؟
وآخر يقول إئت لي بنبي مثله آتيك بصحابة مثلهم... وما إلى ذلك من أمثلة محبطة.
تدل هذه الأقوال وما شابهها على ضعف عقائدي وإيماني عند صاحبها.
فلم ينزل الله تعالى علينا منهجا ليطبقه رسوله -صلى الله عليه وسلم- ويطبقه معه أصحابه ثم يزول بزوالهم!!!
ولم تكن رسالة الإسلام إلا خالدة أزلية لا يحدها مكان ولا زمان!!! فيمكننا إذاً تتبع سنته عليه الصلاة والسلام لفهم قرآننا فهما سويا وتطبيق فهمنا هذا على أرض الواقع حسب مجريات العصر، نستطيع بعدها إعادة بناء هذه الأمة التي وصفها تعالى بأنها خير الأمم.
عودا لموضوعنا، سأتناول الإجابة على هذا التساؤل من منظورين اثنين:
1. التفاعل العملي في انقياد الصحابة وتعاملهم مع المنهج الجديد.
2. الأسباب التي تجعل الناس تبتعد عن الحق
التفاعل العملي في انقياد الصحابة وتعاملهم مع المنهج الجديد
أ- خلع الجاهلية وتهيأة القلب للإيمان
كان أول ما يفعله الصحابي عندما يقرر الدخول في دين الله ونبذ الجاهلية، أن يهيئ قلبه لتحمل هذا الحمل الثقيل، فيفرغه تماما ليملأه خيرا، كمن يفرغ كوبه من كل ماء آسن ليملأه ماءا صفيا نقيا، فينظف كوبه أولا ويعقمه كي لا يتلوث الماء النقي بالآسن.
وهكذا الإيمان. فمن أراد أن يملأ قلبه نور رب العالمين، عليه ترك وخلع كل شيء يتعلق بماضيه الجاهلي ليبدأ تعبئة هذا الوعاء – قلبه – بالإسلام وأسسه ومقاصد شريعته فينهل هذا القلب شيئا فشيئا من معين الهداية ليمتلئ بعدها نورا وبصيرة، وذا يكون قد أسلم قلبه لرب العالمين.
ومن نعم الله تعالى علينا أن أنزل على رسوله -صلى الله عليه وسلم-دينا كاملا متكاملا غير منقوص، "اليوم أكملت لكم دينكم... "
فلا يقتصر ديننا على نواحي العبادات فحسب بل يتعداها للمعاملات بل لكامل وجميع ما يلزم المرء في حياته فيما يتعلق بنواحي اجتماعية وسياسية واقتصادية الخ.
لذا يستطيع المسلم فعلا أن يخلع كل شيء تعلمه قبل الإسلام ليبدأ تعلم أمور حياته من خلال منظور قرآني جديد.
وأشدد هنا على كلمة "منظور قرآني" حتى لا يفهم أني أدعو لنبذ علوم الغير، بل بالعكس تماما فإنني أدعو لتعلمها ولكن من خلال هذا المنظور القرآني.
ب- تلقي الأوامر والتنفيذ الفوري بدون تردد
من إحدى جوانب علاقة المسلم برسوله -صلى الله عليه وسلم- جانب علاقة الجندي بقائده، ولنا كل الشرف أن فضل الله تعالى علينا فجعله قائدا لنا --صلى الله عليه وسلم--.
فلو استشعرنا هذه الحقيقة لاستطعنا تصور الحالة التي كان عليها الصحابة رضوان الله عليهم.
كانوا مثال الطاعة لأوامر الله تعالى وأوامر رسوله --صلى الله عليه وسلم--.
لم يتأخروا أبدا في تنفيذها ما استطاعوا دون كلل أو ملل. بل كانوا يتسابقون في تنفيذها وإن لم يفهموا مقصدها أو غايتها، ثم يسألون فيبين -صلى الله عليه وسلم-ما استفسروا وسألوا عنه.
وفي المقابل، كان -صلى الله عليه وسلم-يسألهم ويستشيرهم في أمور دنياهم – إذا لم يأته أمر إلهي بذلك - فهم أعلم بها، كما أخذ بمشورتهم في بدر والخندق.
فصدقوا -رضوان الله عليهم- ما عاهدوا عليه ربهم عز وجل ورسوله -صلى الله عليه وسلم-وأحبوهما فاتبعوا ما أمروا به، وأصبح الواحد منهم يقرأ القرآن ويتمثله وكأنه خطاب الله تعالى إليه، فلا يقرأ منه إلا ما يستطيع تطبيقه والالتزام به كي لا يثقل كاهله بالأوامر فيتقاعس عن أدائها، فتراه لا ينتقل من آيه لأخرى إلا بعد فهمها واستيعابها وتطبيقها.
فنالوا بذلك شرف الصحبة والثواب الكبير رضي الله عنهم وأرضاهم.
لما نزلت آية الخمر مثلا، وقال الله تعالى في آخرها "فهل أنتم منتهون"، سمعها الصحابة رضوان الله عليهم وقالوا بصوت واحد "بلى انتهينا يا ربنا"، وتمثلوا ما قالوه عمليا أن أراقوا ما لديهم من خمر بين ايديهم وفي بيوتهم ومخازنهم – وهي ثروة بالمعايير الاقتصادية – حتى يقال أن ظلت المدينة المنورة ثلاثة أيام عائمة في الخمر.
ما الذي جعل من كان معتادا أن يشرب الخمر يوميا أن يرميه ويريقه هكذا؟
نعم لا أنفي أن جاء تحريم الخمر على مراحل، ولكن انظروا معي إلى سرعة تفاعل الصحابة مع الأمر، "بلى انتهينا يا ربنا" قالوها فورا بأفواههم وصدقتها أعمالهم.
فهم جند محمد --صلى الله عليه وسلم--، أحبوا قائدهم وانصاعوا لأوامره فور صدورها دون تلكؤ أو تسويف.
ت- التصديق التام والكامل بالله تعالى وبرسوله -صلى الله عليه وسلم- وبرسالته
ما أروع الصديق -رضي الله عنه-، فها هو أبا جهل يهرع إليه بعد أن سمع قصة إسراء الرسول -صلى الله عليه وسلم-ليخبره بها حتى يرتد الصديق بعد أن يسمع اللامعقول الذي يقوله صاحبه --صلى الله عليه وسلم--.
ولكنه ثاني اثنين -رضي الله عنه- وأرضاه، فبهت أبا جهل بتصديقه لصاحبه إذ قال له: "إن كان قد قالها فقد صدق"، بل أضاف أنه لو سمع أنه -صلى الله عليه وسلم-أخبر أنه عُرِج به للسماء لصدقه أيضا – ولم يكن يعلم وقتها أن هذا حصل فعلا أي عرج به -صلى الله عليه وسلم-.
لقد تناول -رضي الله عنه- الأمر بعقلانية وأريحية إيمانية، فقد صدقه أن يأتيه خبر السماء ووحي من الله.
فكيف لا يصدقه بما هو أهون كأن يُنقل من مكان إلى آخر في لمح البصر؟
وهذا صحابي آخر رضي الله عنه لقيه -صلى الله عليه وسلم- فسأله: "كيف أصبحت؟"، فأجابه: "أصبحت مؤمنا." فتعجب -صلى الله عليه وسلم- من إجابته هذه وأحب أن يتأكد لأهمية ما يدعيه الصحابي ولتبعاته.
فسأله -صلى الله عليه وسلم- عن علامة دعواه هذه وماهية علائم إيمانه، فأجابه الصحابي رضي الله عنه وأرضاه بأنه أصبح يرى الجنة وأهلها يتزاورون فيها ويرى النار وأهلها يتلاومون فيها، وفوق هذا كله أصبح يرى العرش. فقال له -صلى الله عليه وسلم-: "عرفت فالزم". أي عرفت حقيقة الإيمان فالتزمها.
لقد ارتقى هذا الصحابي -رضي الله عنه- بإيمانه فأبصر بنور هذا الإيمان ما لا يبصره بمادية عينيه، فصدّق إيمانَه فصدقه اللهُ.
فهو درس لنا أن نصدق الله تعالى فنصدّقه بقلوبنا وألسنتنا وكل جوارحنا، ونصدقه بأفعالنا وأعمالنا كلها. وعلينا إذاً أن نصدق أننا سنقف يوما بين يدي جلالته خاشعين مثقلين بالذنوب، سنقف بين يديه فردا فردا وهو رب العزة وهو ارحم الراحمين، ليعرفنا بنعمه علينا وما عملنا بصددها، سيعرّفنا بأعمالنا وأقولنا وستتشهد علينا ألسنتنا وايدينا وأرجلنا، وسيحاسبنا بما قدمنا من ذلك كله، فإن كان خيرا أدخلنا جنته برحمته وعفوه وإن كان غير ذلك فبما جنينا على أنفسنا... نسأل الله السلامة.
الأسباب التي تجعل الناس تبتعد عن الحق:
أود قبل الخوض في الأسباب أن أقدم بهذه الكلمات القليلات. منذ بدء الخلق على هذه الكرة الأرضية والصراع قائم لا يفتر بين الحق والباطل. لقد بعث الله تعالى أنبياءه ورسله صلوات الله وسلامه عليهم بالحق إلى الناس وأيدهم بآيات من عنده، ومع ذلك قوتلوا وأوذوا وعذّبوا ولكنهم صبروا وجاهدوا حق الجهاد فأثابهم الله بنصر مؤزر في الدنيا وبأعلى المقامات وأرفع الدرجات في جنة الخلد.
ومع أن الحق ظاهر ومعلوم لدى الجميع والكل يدرك حقيقة أمره وكنهه، لا نزال نرى من يدافع عن الباطل وهو معترف ضمنيا بأنه باطل. مثلما قال هذا الذي اتبع مسيلمة الكذاب: "كذاب ربيعة أحب إلي من صادق مضر".
فقد اعترف بأن مسيلمة كاذب وأنه -صلى الله عليه وسلم- صادق، ومع هذا أصر على كفره وافترائه.  حدث لي قصة مشابهة مع أحد من حاولت دعوته للإسلام، وكان نصرانيا يقطن جدة وربطتني به رابطة عمل ثم تطورت فاصبحنا أصدقاء.
لمست فيه حب الخير فدعوته فاستجاب، وأخذته إلى المسجد معي في جمعة ما خطب فيها الخطيب عن الأخوة الإسلامية وكيف ننبذ التفرقة العنصرية وأن لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، وما إلى ذلك. فلما رآني صديقي هذا في اليوم التالي – وكان أرمنيا - ، سألني: "هل في الجنة أتراك"؟
فأخبرته أن لا أدري ولكن لم لا (أحسست عندها بحساسية سؤاله)، فقال لا أريد أن أدخل دينا أدخل فيه جنة مع تركيّ. لن أزعجكم ببقية النقاش ولكني أصوّر لكم هذا الضلال الأعمى. لم هذا الجحود ولم هذه الحرب التي لا تنتهي.

لو تفحصنا ونظرنا مليا في الأسباب لوجدناها تنحصر في أربعة عناوين: (أ) حب الشهوات، (ب) الحسد، (ت) الكِبر، (ث) الرياء.
1) حب الشهوات
والشهوات باب كبير جدا متى تجرأ أحدنا على فتحه صار من الصعب جدا إغلاقه، إلا أن يشاء الله.
ولا تنحصر الشهوات بالأمور المادية مثل المال والملبس والمأكل والمشرب والجنس وما إلى ذلك، فهذه أولى المراتب وهي ظاهرة غير خافية، يمكن لمسها ومن ثم معالجتها بإذن الله قبل أن تتفاقم وتتطور إلى كِبر أو حسد كما سيأتي آنفا.
قلت أنها شهوات ملموسة، أي أن هناك اخرى غير ملومسة أو شهوات خفية غير ظاهرة، مثل شهوة السلطان وشهوة الجاه وشهوة السمعة، أعاذنا الله منها جميعها.
2) الحسد
وهذه الظاهرة واضحة وجلية في رد الجاهلين على رسل الله تعالى صلوات الله وسلامه عليهم، فهم يحقدون عليهم ويحسدونهم أن فضلهم تعالى واصطفاهم على سائر الخلق. يصوّر لنا القرآن الكريم هذا بقوله تعالى:... إن أنتم إلّا بشر مثلنا تريدون أن تصدّونا عمّا كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين، قالت رسلهم إنْ نحن إلّا بشر مثلكم ولكنّ الله يمنّ على من يشاء من عباده، وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلّا بإذن الله، على الله فليتوكل المؤمنون ...
فهنا يظهر الحسد، فيتساءل الكافر، لِمَ هذا التفضيل، ولا يعلم هذا الكافر أن الله قد حكم ولا معقب لحكمه، وأنه  تفضّل فلا رادّ لفضله، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فيغلبه الحسد ويأكل فيه.
ومثل هذا الجاهلي الحاسد كمثل رجل غطس في مستنقع مليء بالأوساخ والقاذورات فلما خرج رأى من هو أنظف منه مظهرا وأجمل منه رائحة، ورآه يدعوه للنظافة، فحسده وكره أن يكون أحد أفضل منه، فابتعد عنه وتركه لأن هذا النظيف يذكره بحاله القذر، ولو ابتعد عنه لنسيه، وكذلك فإن اختلاطه بأمثاله من القذرين سينسيه أنه يوجد شيء اسمه نظافة أصلا. أظن أن سيد قطب رحمه الله ضرب مثل هذا المثل في أحد كتبه.
وللشيطان مزالق وابواب كثيرة في هذا المجال ووسوسات لا نهاية لها.
3) الكِبر
وما جعل الله يسخط على إبلس ويطرده من رحمته ويلعنه إلى يوم الدين إلا قوله: "أنا خير منه"، فاستكبر إبليس وأبى أن ينصاع لأمر الله الواحد الخالق الصمد فحقت عليه لعنته لكبره وتكبره – وليس بسبب عدم إيمانه إذ أنه شهد بأم عينيه قوة الله وجلاله.
وقد حارب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكبر ودعى المسلمين إلى التراحم  والتواضع ليكونوا أعزة على الكافرين رحماء بينهم، وحرّم الجنة على من كان فيه مثقال ذرة من كبر، لأن الكبرياء رداء رب العالمين فمن ذا الذي يستطيع منازعة الله العزيز الجبار ذي الطول في ردائه؟
وعلام التكبر، فكلنا من آدم وآدم من تراب، وما أكرمنا عند الله إلا أتقانا، فالكبر مناف لصفات أهل التقوى، ولا فرق بين ابيض واسود، وغني وفقير، وملك ومملوك إلا بالتقوى. ورب أشعث أغبر ذي طمرين، لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبرّه.
ولا ننسى في هذا المقام أن الإسلام مع تحريمه للكبر فإنه حث وشجع بل أمر بعزة النفس. فالمسلم عزيز قوي إن تمسك بحبل الله، فالاستكانة التي نراها من بعض "المريدين" تنافي أخلاق المسلم العزيز بإيمانه وإسلامه، فمن كان مع الله يصبح تعالى سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله، فأي عزة بعدها، وأي ذل لمن تمثل الذل وادّعاه. قال تعالى:
ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين
من آمن وعمل صالحا أعزه الله، ومن أعزه الله لا يذل أبد.
4) الرياء
كم حذرنا -صلى الله عليه وسلم- من هذا المنزلق الخفي، بل كان يخاف علينا من الرياء أكثر من خوفه علينا من فتنة الدجال، فكم من عالم تعلم ليقال أنه عالم، وكم من متصدق تصدق ليقال أنه كريم، وكم من مقاتل قاتل ليقال أنه جريء، هؤلاء الثلاثة هم أول من تسعّر بهم نار جهنم والعياذ بالله.
الخلاصة:
هذه أخلاق الصحابة -رضي الله عنهم- وكيف تفاعلوا مع أمر الله: بخلع الجاهلية والتنفيذ الفوري والتصديق التام. وتلك أخرى محطات انزلاق تبعدنا عنهم وعن خلقهم وأخلاقهم، وهي: الشهوات والحسد والكبر والرياء.
حاشاه تعالى أن يأمرنا بما لا قبل لنا به: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، وحاشاه أن يندبنا لأمر ويحاسبنا عليه ولم يعطنا سبل استيفائه ووسائل القيام به. فهؤلاء سادتنا نعم لاصطفائه تعالى لهم لصحبة الحبيب -صلى الله عليه وسلم-، ضرب فيهم تعالى مثلا لنا كي نتبعهم ونمشي على خطاهم فنصل لما وصلوا إليه وندرك ما أدركوه.
هذه أخلاق شخصية فردية لو تخلقنا بها وتطبعنا بطباعها صرنا أهلا لأن نكوّن "مجتمعا مسلما"، أقول أهلا لنكوّنه إذ هنالك معطيات أخرى لتكوين هذا المجتمع، أولها إيجاد وتربية أفراده على خلق يخوّلهم حَملَ هذه الأمانة، وهو ما بحثته أعلاه، ثم تأتي باقي العناصر والمعطيات مثل العدل والإحسان والأخذ على يد الظالم وغيرها من المعطيات الاجتماعية الشمولية اللازمة لبناء مجتمع مسلم، ثم نبحث في أدوات تحقيق هذه المعطيات من أدوات اقتصادية وسياسية وحقوقية وغيرها، كل ذلك بغية تحقيق قوله تعالى:
كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله

 

المصادر: