ما الحكم فيما لو قتَل المجاهدُ أخاه خطأً ؟

الكاتب : هيئة الشام الإسلامية
التاريخ : ١١ ٢٠١٣ م

المشاهدات : 3961


ما الحكم فيما لو قتَل المجاهدُ أخاه خطأً ؟

السؤال:
أحد المجاهدين رمى بقذيفة (آر ب ج) فانحرفت عن مسارها فقتلت مجاهداً آخر خطأ، وهو مهموم ويحس بالذنب... ماذا عليه؟ جزاكم الله خيراً.

 


الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أولاً: لا يأثم المسلم إذا قتل أخاه المسلم على سبيل الخطأ؛ لأن الله رفع إثم الخطأ عن هذه الأمة فقال: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5].
وقد أوجب الله تعالى في القتل الخطأ شيئين: الكفارة على القاتل، والدية على عاقلته، وهم الأقارب بالنسب من جهة الأب من الذكور، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92].
قال الإمام القرطبي - رحمه الله - في "تفسيره": "قال ابن المنذر: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} فحَكَم الله جل ثناؤه في المؤمن يقتل خطأ بالدية، وثبتت السنة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، وأجمع أهل العلم على القول به".
ثانياً: تُؤدَّى الدية إلى ورثة المقتول، وتتحمل دفعها عاقلة القاتل؛ لِمَا جاء في صحيح مسلم عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ امْرَأَةً قَتَلَتْ ضَرَّتَهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ فَأُتِيَ فِيها رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (فَقَضَى عَلَى عَاقِلَتِهَا بِالدِّيَةِ).
ومن لم تكن له عاقلة أُدِّيت ديته من بيت مال المسلمين (خزينة الدولة)، ويمكن أن تتولى كتيبته دفعها وخاصة عند عدم وجود بيت مال، ولا بأس أن يتبرع بها بعض المسلمين.
 ثالثاً: السُّنَّة أن تدفع دية الخطأ مؤجلةً في ثلاث سنين، قال الترمذي - رحمه الله - في "سننه": "وقد أجمع أهل العلم على أن الدية تؤخذ في ثلاث سنين، في كل سنة ثلث الدية".
وقال ابن قدامة - رحمه الله - في "المغني": "ولا خلاف بينهم في أنها مؤجلة في ثلاث سنين؛ فإن عمر وعليًّا جعلا دية الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين، ولا نعرف لهم من الصحابة مخالفاً، فاتبعهم على ذلك أهل العلم".
رابعاً: وأما الكفارة فقد بيَّنت الآية الكريمة أنها عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد - كما هو الحال الآن - فينتقل إلى الصيام، قال تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْن} لا يقطع صومهما إلا بعذر يُجيز الفطر.
قال الإمام ابن عبد البر - رحمه الله - في "الكافي في فقه أهل المدينة": "كل ما وقع من فاعله من غير قصد ولا إرادة فهو خطأ، ووجوه الخطأ كثيرة جداً  ... كالرجل يرمي غَرَضاً [أي: هدفًا للرمي] فيصيب إنساناً، أو يرمي المشركين بمنجنيق وغيره فيصيب مسلماً ... وما كان مثل هذا كله فالدية فيه على عاقلة القاتل، ... وعليه في خاصة نفسه عتق رقبة إن كان واجداً [أي: قادرًا]، وإلا صيام شهرين متتابعين".
خامساً :يُندب لأهل القتيل العفو والتنازل عن الدية لقوله تعالى: {إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا}، فحث على العفو وسماه: صدقة، والصدقة مطلوبة في كل وقت، وكما فعل حذيفة بن اليمان لما قتل الصحابة أباه على سبيل الخطأ في غزوة أحد، عفا عنهم وقال: (غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ) رواه البخاري.
لكن إذا كان ورثة الميت صغاراً ، فلا يصح العفو، وعلى وليهم أخذ الدية ، وحفظها لهم، وصرفها في مصالحهم.
سادساً: يُعدُّ المقتول خطأ أثناء المعركة شهيداً إن شاء الله، ويُعامل معاملة الشهيد: فلا يُغسَّل ولا يُكفَّن، ولا يُصلى عليه؛ لأنَّه وإن لم يقتله العدو مباشرة، فإنه قُتل بسبب قتالهم، وكان قتله في أرض المعركة، فلا يختلف عن غيره من قتلى المسلمين .
سابعاً: يُلحق بجميع ما سبق من أحكام القتل الخطأ: ما لو ظن المسلمون بشخصٍ من المسلمين أنَّه من الأعداء فقتلوه، ثم تبين لهم خطؤهم، فليس عليهم إثم، وعلى من باشر قتله الكفارة، والدية على العاقلة، ويعامل معاملة شهيد المعركة.
قال الإمام السرخسي _رحمه الله_ في "السير الكبير: "وَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَتَلَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا، ظَنَّ أَنَّهُ مُشْرِكٌ، أَوْ رَمَى إلَى مُشْرِكٍ فَرَجَعَ السَّهْمُ فَأَصَابَ مُسْلِمًا فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ لِأَنَّ هَذَا صُورَةُ الْخَطَأِ ".
وأخيرًا:

نوصي إخواننا المجاهدين بالحذر من استخدام السلاح دون معرفة ودُربة كافية؛ فأكثر الأخطاء تقع بسبب الجهل أو سوء الاستخدام، أو التخزين.
حفظ الله المجاهدين من كل سوء، ونصرهم على عدو الله وعدوهم، والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

المصادر: