يا عقلاء العالم أليس بينكم رشيد؟

الكاتب : سلوى الوفائي
التاريخ : ١٠ ٢٠١٢ م

المشاهدات : 6833


يا عقلاء العالم أليس بينكم رشيد؟

شاخت كلّ النجوم المتلألئة و لم يعد هناك سوى نجمة داوود في سماء الشرق الأوسط.
نظرية موت النجوم تأخذ مسارها اليوم أكثر من أيّ يوم مضى و تنذر بانفجار الكوكب الذي نعيش عليه و غرقه المحتّم في بئر العدم.
إنْ لم يكن العالم قد شارف على نهايته المشؤومة فكيف نفسر إذاً تصريحات الأمم المتحدة الأخيرة و إدانتها للجيش السوري الحرّ و وصف دفاعه عن الأرض و العرض بجرائم الحرب؟
هل وصل العهر السياسي لدول العالم إلى حدّ إدانة الضحية و منح الجلاد وسام استحقاق؟

 


من كان له رأس فلابدّ أن يكون له عقل و من كان له عقل فلابدّ أن يفكر و يحلل و يستنتج فإذا فسدت استنتاجاته دلّ ذلك على فساد عقله و ربّما انعدامه.
سورية الغارقة في بحر الدماء منذ قرابة العامين تئن بصوت وصل إلى كلّ كواكب الكون لكنّه لم يصل إلى ضمير رجل واحد، و كأنّ العالم أجمع على إعدام الشعب السوري إعداماً ميدانياً عسكرياً دون محاكمة و دون جلسات استماع.
شعب يشيّع ضحاياه كلّ يوم بالمئات، مجازر موثقة يرتكبها جنود النظام الأسدي كلّ يوم بحق شعب كلّ ذنبه أنّه نادى بالعدل و تغنّى بالحرية فلقي أعنف ردّ بالقتل و الذبح والتنكيل والاعتقال  والتشريد و الدمار، لم يشهد التاريخ حرب إبادة جماعية يقودها رئيس ضدّ شعبه كما شهدت سورية، و الغريب أنّ العالم صامت مؤيد.
ليس ثمة مؤشر على أيّ مسعى دولي حقيقي لوقف التدهور في المنطقة.
على العكس من ذلك، يبدو مجلس الأمن وكأنه يتواطأ، بطريقة أو بأخرى، مع الحالة، حتى وإنْ حذّر ديفيد ميتشوم من أنْ نكون «ورثة الأشلاء»، ليسأل ما إذا كان من مصلحة الولايات المتحدة و الاتحاد الروسي أن يتحول الشرق الأوسط إلى غابة من الجماجم...لا أحد يكترث، ولعبة الدم تأخذ مجراها و تتسع زماناً و مكاناً، ويجرّنا الدم إلى الدم في حرب، البعض يراها بين الديكتاتورية و الديمقراطية و البعض يراها بين صناديق الاقتراع و صناديق الموتى. يتيمة هذه الثورة، هكذا قالوا عنها، حتى من نصّب نفسه حامياً و ممثلاً لها و سمّى نفسه مجلساً وطنياً لم يكن بمستوى الآمال المعقودة عليه و أثبت فشله يوماً بعد يوم في قيادة الثورة وتمثيلها ولعلّ الأسباب كثيرة، منها اختراق المجلس إيرانياً- أسدياً و كثرة الخونة في صفوفه، و كثرة المتسلقين و أصحاب المصالح و الغايات وكثرة السّذج العاجزين عن فقه أبجديات السياسة و أسس العمل الثوري رغم ولائهم وإخلاصهم وقد أدى تدنّي مستوى الفائدة التي قدمها المجلس الوطني للثورة إلى فقدان قاعدته الجماهيرية مما حدا بهيلاري كلنتون إلى نعيه، وهذا بحدّ ذاته طعنة وطنية في عمق الثورة، جعل الحرب الدائرة في سورية تأخذ منحى الصراع بين الديكتاتورية والديكتاتورية حتى وجد الثوار أنفسهم يحاربون على جبهتين.
وقد يذكر التاريخ أنّ الثورة السورية هي الثورة الوحيدة التي أسقطت نظاماً ممانعاً و معارضته بآن واحد.!
يغرق المشهد السوري بالضبابية، و تكثر الأوراق على طاولة اللعب، ثمة مجلس جديد يحبو ليعلن عن نفسه قريباً ربّما، و ثمة حكومة انتقالية تناولها المحللون بالترحيب تارة و بالانتقاد طوراً، من أيّدها يرى فيها الخلاص من الفوضى العارمة و جسراً يعبر عليه نحو برّ الأمان المفقود، و حقناً للدماء النازفة، و من أدانها يرى فيها تواطؤاً مع النظام البائد و محاولة لقمع الثورة و إجهاضها و جرّ الثوار إلى طاولة المفاوضات و الحوار مع المجرم الذي يطلبون رأسه، و رغم رفض الرافضين لها ليس ثمة بديل آخر مطروح على الساحة، و كأنّما عجزت الأرحام السورية عن إنجاب قائد بديل يدير دفّة المركب نحو شاطئ السلامة، وما يزال الشعب غارقاً في سواد الليل البهيم يبحث عن قبس يهتدي بنوره، و يلقي ثقله و أحماله عليه.
ضباب ودم يلفّ كامل المنطقة، دون أن تكون هناك المرجعية أو حتى الآلية التي تضبط الأوضاع. لا دولة قوية حاكمة بل سلطة هنا وسلطة هناك، طائفة هنا وطائفة هناك، عصابة هنا و عصابة هناك، ولا ثقافة سوى ثقافة (أرى رؤوساً أينعت و حان قطافها)، و تريد الأمم المتحدة من الشعب و الجيش الحرّ بعد كلّ تلك المعاناة والألم والقتل و الذبح أن يقبّل يد الجاني و يعتذر إليه أنّه ذبحه ؟؟؟؟؟
أيّ شريعة تلك؟
و أيّ قوانين؟
لم يعد ثمة مجال لإغفال الهوة التي تتسع يوما بعد يوم بين المسلمين السنّة والعلويين في سورية و لا يمكن للكتابات المزركشة، ولا للوعود الهشة أن تحجب حرباً أهلياً على وشك الاندلاع، ثمة احتقان طائفي حين نقرع ناقوس الخطر لكشفه لا يعني أننا نزكيه أو نؤججه أو حتى نؤيده، لكن يعني أنّ علينا توخي الحذر وفعل ما يلزم لإيقاف بركان الثأر القادم، وحين تندد الأمم المتحدة بالضحية و تنصف الجلاد فهي بعلم أو غير علم تزيد الاحتقان والتوتر و تزكي نار الفتنة و تحدو بسورية نحو مزيد من الضباب... مزيد من الدماء ..
يا عقلاء العالم هل من رشيد بينكم ؟

 

المصادر: