أعذروا مدينة حماه... وانتظروها

الكاتب : مهدي الحموي
التاريخ : ١٨ ٢٠١٢ م

المشاهدات : 3915


أعذروا مدينة حماه... وانتظروها

أنا أعلم أن في سرّكم مثلي عتب على مدينة حماة, بسبب عدم البدء بعمل المنطقة المحررة فيها, وقلة العمليات بها كذلك.
نعم نرى ذلك قليلاً عندما نقارن دورها بالمعارك التاريخية, وليس أولها ولا حتى آخرها أنهم كانوا ميسرة جيوش الأيوبيين منذ معركة حطين وكل المعارك التالية بعدها.

 


وحماة هي ثورة 1964 وهي الصيحة الأولى بوجه البعث الطائفي، وهي مهد ثورة الثمانينات وما قبلها, والتي دفعت عشرات الألوف من الشهداء, كما جرّفت أحياؤها ودمّر اقتصادها لمدة 15 عاما وحوربت بكل شيء, وهي ما تزال تقاوم ومنذ 50 عاماً.
ومنها انطلق قائد الثورة السلمية ثم العسكرية, بطل الأبطال الشيخ القائد مروان حديد صاحب الإباء والرؤية البعيدة في طريقة معالجة الصراع مع السلطة المستبدة الملحدة الفاسدة.
لقد وصف الدكتور مصطفى السباعي أهلها بالنخوة والكرم,
فلماذا هي ضعيفة النشاط اليوم رغم شجاعة أهلها المعروفة كغيرها من المدن السورية!!!
1 ـ تبلغ مساحة حماة أقل من ربع مساحة حمص, وعدد سكانها أقل من حمص كذلك.
2 ـ المدينة الوحيدة التي تقع بالوسط من سورية, وبدون حدود مع الدول الأخرى كباقي المدن, وهذا يضعف الإمداد والتنقل وإخلاء الجرحى...
3 ـ لا يوجد بها أحياء قديمة تصلح للاستعصاء فمنذ انتفاضة 1964 أوصى الرئيس الغبي أمين الحافظ بالبدء بهدم أحيائها القديمة بسبب الاعتصام والقتال بها آنذاك, فبدؤا بحي البارودية الرائع في فن عمارته الحجري, وكانت أبنيته متماسكة قوية وكبيرة تتسع كل منها لعدة عوائل, ودفعوا القليل من التعويضات لأهله, ثم نفذوا ما سمي بشارع 8 آذار( أقذار) وقضوا على حي جورة حوّى المتميز ببنائه وأزقته الرائعة وأقواسه واتساع بيوته كذلك, ثم تابعوا الطريق وهدموا حي البرازيه بأنسه وسحره وغرفه الممتدة فوق الطرقات, وبنائه الحجري .
ثم تولى المهمة حافظ الأسد وفتح طريقا يخترق حي الحوارنه وسوق الشجرة اللذين لا يقلّان عن ما سبق... ونفّذت اليد الحاقدة جرائم التدمير والتهجير باسم التحديث.
وفي عام 1982 أزالوا تماماً أحياء العصيدة والزنبقي والشمالية ومعظم حي بين الحيرين  وكل حي الكيلانية (كان توضع صورته على غلاف كتاب الآثار السورية, وهو من التراث الإنساني بتصنيف الأمم المتحدة) ومناطق أخرى, لقد دمّروهم جميعاً بالراجمات والمدفعية والدبابات والداينامايت.
وقد رأينا في حمص وحلب كيف تكون حرب العصابات و الاستعصاءات العسكرية و المناطق المحررة في الأحياء القديمة المتواصلة,لأنها لا تسمح بدخول الدبابات, مما يفرض تغلب الدفاع بمعنويّاته العالية وأزقّته الضيقة وهذا لم يعد موجوداً في حماه.
4 ـ إن السلطة تعلم روح الثأر في نفوس أبناء شهداء الثمانينات في حماة الآن, حيث بلغ عدد الأيتام وقتها أكثر من ثلاثة أضعاف عدد الشهداء ( في إحصاء أجريته بنفسي على استمارات الشهداء) لذا تضع كامل حساباتها فيها من الانتقام.
5 ـ منذ أكثر من 40 عاماً يعسكر اللواء 47 بقائده الطائفي في منطقة المصافي على (بعد 5 كم من مركز مدينة حماه) وكان له دور كبير في تدمير حماه, وكان يستخدم كمعتقل كبير ومكان للتعذيب, وكان وجوده بها بالرغم من أن حماة لا تقع على حدود إسرائيل, ولا حتى على حدود أية دولة أخرى. وقد أضيف له اللواء 88 وعدة كتائب ومنها كتيبة المطار والموجودة دائماً, ثم كتيبتين أخريين عند منطقة المحمّرة وعدد من الأفواج.... بالإضافة لفروع الأمن والشبيحة كباقي المدن.
وكل ذلك بهدفين:

أولاً لأهميتها وخطورتها وثانياً كمستودع للقوات بسبب توسطها لسورية, وثانيا لاقترابها من خط التماس (وفهمكم كافي) لكن النتيجة واحدة فهي قوات جاهزة للتدخل في حماة, وكذلك في غيرها إن لزم, مما يعرقل العمليات العسكرية للجيش الحر.
6 ـ كما يوجد داخل مدينة حماة  126 حاجز عسكري, يقطّعون أوصالها ويعيقون حركة المقاتلين فيها, تماماً كما فعلت القوات الأمريكية والعراقية والبريطانية في تقطيع بغداد ذات الشوارع الحديثة, وجمدت نشاطها بكثافة القوات.
7 ـ ذهب مقاتلوها اليوم لحلب وإدلب وقبلها لدمشق في بداية اعتصام حي الميدان ( تماماً كما كان آباؤهم في الثمانينات حين استشهد القائد العام د.عبد الستار الزعيم ، وهو عائد من دمشق, وخليفته القائد العام هشام جنباز الذي استشهد في حمص خلال هجوم على الثكنة, والقائد المهندس الشهيد عمر مرقا في اشتباك في دمشق.... كم اعتقل القائد الثائر الأول الشهيد مروان حديد خلال تأسيس تنظيمه في دمشق... 
8ـ ليس في حماة اليوم أو من قبل من يحب هذا النظام, وهم مع الثورة بكليتهم, إلا مخبر لم يجدوه ليقتلوه, ومحافظ حقير توعّدوه, ثم إن مظاهراتها المليونية تثبت ذلك.
9 ـ لا شك بأن ريفها نشط بشكل جيد في قلعة المضيق واللطامنه وباقي الريف الحموي..
10ـ لكن الذي جلب النقمة والقوة العسكرية الهائلة لها (وحسب ذكر العميد البرّي قائد المجلس العسكري في حماه على قناة شدى 13/9/2012.
إن الجيش الأسدي في حماه يعادل الجيش الموجود في حلب وحمص مع مدن أخرى وكانت كل هذه القوة بسبب فعل حماة السابق, ثم مظاهراتها, وزيارة سفير أمريكا لها،

وذكر أردوغان تركيا لها حينما قال: لن نسمح بحماة أخرى وأن حماة خط أحمر, وكذلك مشاركة شبابها في ثورة 2011 بقوة. 
11ـ مع ذلك بلغ عدد شهدائها حتى14/9/2012 . (هو2979) شهيداً   
12ـ مظاهراتها مفخرة الثورة السورية  بقاشوشها الشهيد, وسبق أنه في عام 1982  قتل 84 بالمئة من التنظيم الموحد من الطليعة والإخوان ( بقيادة المهندس أبو بكر) وهم وحيدون محاصرون معزولون, يدافعون عن عقيدة وحرية وشرف الأمة دون تردد, واعتقل أكثر من مئة ألف منهم كذلك, وأعدم الكثير في السجون, لكن حماة آزرت الثورة رغم أنها تركت وحيدة وسامحت وخاصّة حين قالوا: يا حماه سامحينا والله حقك علينا.
إنها حماة... المدينة التي لا تنام على ضيم, وصاحبة التضحيات, و صاحبة الثأر القديم من آل الأسد, وهي النابض العملاق المضغوط  الواعد, وأنا أعلم أنكم مثلي تحاسبونها على مقدار همّتها ونظرتكم لإقدامها, وهي معكم منذ 50عاماً قبل الثورة ومع الثورة, وستبقى معكم وعند حسن ظنّكم حتى الانتصار العظيم القادم بعون الله... فانتظروها.

المصادر: