بين الطائفية وتضييع الهوية

الكاتب : عماد الدين خيتي
التاريخ : ٢٤ ٢٠١٢ م

المشاهدات : 5188


بين الطائفية وتضييع الهوية

الطائفة والطائفية: يُفرِّق الباحثون بين الطائفة والطائفية:
فالطائفة: جماعة أو فرقة من النَّاس يجمعهم مذهب واحد ضمن أحد الأديان.
أمّا الطائفية: فتعني النَّزعة وَالتّعصّب لمذهب الطَّائفة، وهي في أغلب الأحوال نهج سياسي اجتماعي ثقافي يشير إلى اعتماد الطائفة والعمل على فرض هيمنتها والتعصب ضد الطوائف الأخرى.

 

التنوع الديني والعرقي في سورية:

تُعدُّ سورية من البلاد القليلة ذات التنوع الدين والعرق الكبير، والذي امتدَّ من قبل الإسلام إلى الوقت الحالي، ومع غياب إحصاءٍ دقيقٍ عن تنوع الطوائف والأديان في سورية بسبب منع النظام فإن الدراسات السكانية تكاد تتفق على أنَّ المسلمين السنة يمثلون حوالي (80 %)، بينما يمثل النصيريون (العلويون) حوالي (9 %). وتتقاسم بقية الطوائف بقية النسبة المئوية. كما تتنوع التركيبة العرقية في المجتمع وتبلغ نسبة العرب حوالي (88.5 %). فغالبية السكان الدينية والعرقية هم العرب السُّنَّة.
أهل السنة والطائفية:
إنَّ أهل السنة ليسوا طائفة ولا يتصرفون بعقلية طائفية؛ فهم الإسلام الصحيح وهم يمثلون الغالبية العظمى من المسلمين في العالم، وشتان بين طائفة ودين كامل.
وأهل السنة لم يكونوا طائفيين في عقائدهم وتشريعاتهم، ونصوص الكتاب والسنة شاهدة على ذلك.
وأهل السنة لم يكونوا طائفيين في تعاملهم مع بقية الطوائف، وتاريخهم شاهد على ذلك حتى مع من تعامل معهم بطائفية. فلا خوف من أهل السنة ولا حقيقة للتخويف بهم.
إذًا لماذا الحديث عن الطائفية في سورية؟
إنَّ التنوُّع الديني والعرقي هو جزءٌ أصيلٌ في تكوين المجتمع السوري، ومن حق الشعب أن يعرف حقيقة تكوين مجتمعه وتركيبته؛ بل إنَّ مختلف النظم العلمانية في العالم تُتيح أدق المعلومات عن مكونات المجتمع الدينية والعرقية ولا تعدها منافية لها؛ بل هي جزءٌ من حرية المعلومات التي تؤمن بها وتوفرها لشعوبها. كما أنَّ معرفة الطوائف والأديان وتميُّزها عن بعضها يضمن لها بقاءها واستمرارها دون ضياعٍ أو تداخل مع غيرها. بالإضافة إلى أنَّ هوية البلد التي يتميَّز بها عن بقية البلدان إنَّما تتحدَّ بالأكثرية فيه.
طائفية النظام السوري:
ادعى النظام طويلاً محاربة الطائفية والمساواة في الفرص بناءً على الكفاءة، وعمل على تقديم نفسه على أنَّه نظامٌ لكل السوريين دون تمييزٍ لدين أو عرق، إلا أنَّ ممارساته على أرض الواقع كشفت حقيقة طائفيته المتستِّرة خلف علمانية حزب البعث، والتي يمكن إجمالها فيما يلي:
1- فرض هوية بعثية علمانية على الدولة والمجتمع بديلةٍ عن الهوية الدينية الأصيلة في جميع النواحي الحياتية والاجتماعية والتعليمية والعسكرية.
2- بسط سيطرة طائفة (النصيريين- العلويين) على مرافق الدولة العسكرية والاقتصادية والإعلامية والتعليمية، ومن ذلك:

أ- حصر فرص الترقي في الوظائف العليا في الدولة في أبناء الطائفة.
ب- حصر غالبية فرص التعليم العالي والابتعاث للخارج في أبناء الطائفة.
ج- أدى هذا الأمر إلى تضخم طبقة الأطباء وأساتذة الجامعات من الطائفة على بقية الطوائف.
د- أما الجيش، فمما تذكره الإحصاءات:
- نسبة (النصيريين- العلويين) بالجيش والمخابرات 80 % على أقل تقدير، بينما تشير نسب أخرى إلى أنها تبلغ 90 %.
- هناك 17 جهازًا أمنيًا عدد عناصرها مجتمعة 70000 عنصر منهم40000 من أبناء الطائفة.
- كما تم تأسيس قطاعات كاملة على أساس طائفي: فسرايا الدفاع كانت نسبة (النصيريين- العلويين) فيها تزيد على 90 %، وهي الفرقة التي نفذت جرائم جسر الشغور وحلب وسجن تدمر وحماة في ثمانينات القرن الماضي.
أما الفرقة الرابعة من الجيش فهي فرقة طائفية بشكل شبه كامل.
- تمت عمليات تسريح ضخمة للضباط السنة حتى فرغت وحدات بأكملها من أبناء المدن السنية الكبرى بشكل خاص على مدى عقود من الزمن، وخاصة في بداية تولي سلطة البعث للحكم.
3- محاولة تغيير ديمغرافية العديد من المدن والقرى: جرت عمليات زحف كبيرة (للنصيريين - العلويين) من جبالهم وقراهم إلى مختلف مناطق السنة، وخاصة في دمشق وحمص ومحيطهما حتى تكونت مستعمرات وأحياء كاملة بداخلها خاصة بهم، وقد ترافق ذلك مع السيطرة على القطاعات العسكرية، وسن قوانين عقارية ظالمة، مما أدى لاستيلاء العلويين على آلاف العقارات في هذه المناطق وغيرها وتفريغها من أهلها الأصليين أهل السنة.
وقد ترافقت هذه السيطرة على قطاعات الدولة مع ممارستهم للفساد والرشوة مما أدى لتعطل مصالح الناس وتفشي الفساد بشكر رهيب.
4- نشر التشيع في سورية: وفي الوقت الذي مارس فيه النظام الحرب على الدين والتدين من خلال علمانية حزب البعث وما جرَّت هذه السياسة من تجهيل للناس وإبعادهم عن دينهم، إلا أنَّه قد أطلق يد (التبشير) الشيعي، والسماح بفتح الحسينيات الرافضية والجامعات والسماح بانتشار التشيع ومساندته من أعلى هرم السلطة قديمًا في عهد الأب حافظ على يد جمعية (المرتضى) التي رأسها جميل الأسد، ثم على يد الإيرانيين وأتباع حزب الله في عهد الابن بشار. وقد صدرت دراسات عديدة رصدت هذه الجريمة وآثارها.
5- القضاء على نفوذ أهل السنة في لبنان: وذلك حينما دخلت قوات الأسد إلى لبنان وقضت على أهم مكونات المقاومة اللبنانية المتمثلة في أهل السنة من اللبنانيين والفلسطينيين، وحصرت حمل السلاح والمقاومة في شيعة لبنان، وجعلها إمبراطورية متسلطة على بقية القوى اللبنانية وبمثابة دولة داخل دولة.
6- الحلف الطائفي مع إيران وحزب الله: والذي تمثل في فتح البلاد سياسيًا واقتصاديًا وإعلاميًا وانحيازها إلى الجانب الإيراني ومشروعه الصفوي التوسعي، وقد ظهر ذلك في أقبح صوره في وقوف إيران وحزب الله إلى جانب النظام السوري ضد الثورة المباركة، ودعمه بالمال والسلاح والمقاتلين والخبراء للقضاء على هذه الثورة وإخضاعها.
طائفية النظام السوري في الثورة:
منذ أن انطلقت الثورة المباركة تعامل معها النظام بطائفية واضحة:
1- فعلى الرغم من وجود بعض المشاركات من الطوائف الأخرى في بعض المظاهرات والاحتجاجات إلا أنَّ أعداد القتلى والمصابين والمعتقلين تركزت في الجانب السني، حتى إنه يندر وجود قتلى أو معتقلين من غيرهم.
2- بل إن المواجهة الهمجية المتمثلة في قصف المنازل والمدن واستباحتها لم تحدث إلا في مدن أهل السنة.
3- كما أنَّه قد وقعت العديد من المجازر المروِّعة منذ ابتداء الثورة وكانت جميعها كانت في مناطق السنة.
4- وكانت حالات التعذيب الشديدة والقتل تحت التعذيب كانت في أهل السنة.
5- حوادث الاغتصاب وانتهاك الأعراض والتي تصل إلى 1500 امرأة وفتاة (حسب الإحصاءات الموثقة والتي لا تشمل حقيقة الأرقام) كانت في أهل السنة.
6- انتهاك المقدسات من مساجد والإجبار على الكفر كان مقصورًا على أهل السنة.
وفي المقابل: مع اقتراب الثورة من انقضاء عام ونصف على اندلاعها وشدة انتهاكات النظام ووحشيته في مقاومة الثوار، ومحاولة استفزازهم بالنيل من مقدساتهم وأعراضهم بطريقة شنيعة إلا أنَّه لم تسجل حالات اعتداء طائفية من الثوار أو كتائبهم المدافعة عنهم تجاه أي طائفة من طوائف المجتمع، وخاصة الطائفة العلوية التي يعتمد عليها النظام. وجميع ذلك يثبت أن ما يجري على الأرض السورية منذ ما يقارب السنة والنصف إنما هو حربُ إبادةٍ طائفية من نظام طائفي ضد شعبٍ أعزلٍ أعلن رفضه للظلم والاستبداد، وليس هناك طائفية في مواقف هذا الشعب أو ثورته. كما أنَّه ليس هناك حربٌ أهليةُ بين مكونات الشعب السوري، وإنما هي حربٌ ظالمةٌ من نظام طائفي ضد شعب يدافع عن حقه في حياةٍ كريمةٍ عزيزة.
تضييع الهوية! في مقابل هذه الانتهاكات الصارخة لحقوق أهل السنة قبل الثورة وبعدها، كان النظام يطلق التحذيرات من الحرب الطائفية والأهلية، ويتهم الثوار بها! وقد استجابت فئة من الناشطين والسياسين لدعاية النظام وألاعيبه فبالغوا في نفي الطائفية إلى حد إنكار الذات من أجل الآخر، فرفعت شعارات (أنا سوري بكل الطوائف والأديان)! واخترعت قصص وروايات سمجة في رغبة آباء بعض من ذهب أبناؤه في مذابح الطائفية الهمجية في تبني أبناء السفاح وتربيتهم وإحلالهم محل أبنائه! وصولاً إلى تقديم التعهدات والمواثيق والالتزامات لحماية حقوق الأقلية بعد سقوط النظام، وتناسي حق الأكثرية المضطهدة في تقديم الضمانات لها بإنهاء الحرب الشرسة عليها، وتقديم المجرمين في حقها إلى العدالة. كما تمثل تمييع الهوية عند طائفة من السياسيين في تقديم أتباع الطوائف والأقليات إلى الصدارة والزعامة خشية الوصف بالطائفية، مع حرمان حق الأكثرية من هذه المناصب. وانتهاءً في مصادرة حق الأغلبية في اختيار نظام الحكم الذي يعبر عن هويتها الذي حرمت منه لفترة طويلة، لكن هذه المرة باسم حماية الأقلية! وإن تعجب فاعجب لمن يطالب أهل السنة للتنازل عن العديد من أمور دينهم في البلاد غير الإسلامية مراعاة للأغلبية، ثم يطالبونهم بالتخلي عنها في بلادهم حماية للأقلية! (مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ).
التآمر على مستقبل سوريا:
مع ازدياد جرائم النظام الطائفية وعدم انجرار الشعب السوري إليها ازدادت حِدَّة التحذيرات العالمية من وقوع حرب أهلية وطائفية! وهذا التوصيف ظلم كبير للشعب السوري وافتراءٌ عليه؛ إذ فيه تجريم الشعب المدافع عن نفسه وتصديق النظام في إدعائه مقاومة عصابات مسلحة، ووضعه مع النظام في مستوى واحد من المسؤولية عن هذه الجرائم والانتهاكات مما يبرئ النظام من تبعاتها.
ويُلحظ في هذه التصريحات:
1- ارتفاع وتيرتها مع شدة ضربات المقاومة وتحقيقها لنجاحات وتقدم على الأرض، مع خوف الغرب وتحذيره من التشدد بين صفوف المقاومة مما يكشف حقيقة قلقهم من تبلور قوة عسكرية مجاهدة في هذه المنطقة، وسعيهم لتحجيمها وإيقافها وعدم تمكينها من بلوغ غايتها.
2- كذلك ترافقها مع الإصرار في التصريحات على الحل السياسي عبر مشروعات عديدة تهدف إلى إزاحة بعض رؤوس النظام بصفقة ما، وإجراء (مصالحة) مع المعارضة والبدء بعملية سياسية دون المساس بأسس النظام الفاسدة التي قامت الثورة لتغييرها وإسقاطها، فلا تصل الثورة السورية إلى أهدافها المنشودة.
3- بل مع تخطيط المجتمع الدولي لإعادة (إعمار) البلاد وفق خطة سياسية عسكرية اقتصادية تتحكم في جميع مفاصل الدولة، فتقع الدولة في التبعية لدولٍ أجنبيةٍ تضمن استمرار مصالحها وفق أهوائها ومخططاتها.
4- وفرض شركاء النظام في عدوانه على الشعب السوري وقمعه (روسيا وإيران) في هذه الخطط والتسويات.
إنَّ ما يجري من مخططات ومؤامرات على الثورة السورية قد بلغ من الخطورة ما يستدعي التدخل العاجل من أهل العلم والحكمة والبصيرة والوطنية لفضح هذه المخططات والتحذير منها، وبيان أثرها على مستقبل سورية ودول المنطقة كافة، ومحاولة العمل على منع وقوعها، ووضع الخطط والمشاريع لذلك؛ فإن المسألة لم تعد اليوم (هل سيسقط النظام)؛ فهو ساقط بإذن الله تعالى، وبتصميم الشعب المجاهد الصابر، بل أصبحت: (ماذا بعد سقوط النظام)؟ نسأله تعالى أن يبرم للسوريين أمرًا رشدًا، وأن يتم عليهم ثورتهم بنصرٍ لا شائبة فيه، وأن يولي عليهم خيارهم، ويكفيهم شر شراهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين.

المصادر: