طبول الحرب تقرع.. وهم في جدلهم (لا للتدخل العسكري)

الكاتب : خالد عبد العزيز الحماد
التاريخ : ١٢ ٢٠١٢ م

المشاهدات : 2988


طبول الحرب تقرع.. وهم في جدلهم (لا للتدخل العسكري)

عندما أطلق كسنجر الرجل الهرم العجوز مزحته، أو سخريته أو تخريفته في المجلة الهزلية الساخرة اليومية الأمريكية (ديلي سكيب)؛ لم يكن هدفه السخرية بقدر ما أراد أن تكون بمثابة جس نبض وتمهيد لمشروع خطير، وهي حرب عالمية ثالثة، العرب هم حطبها ووقودها.


طبعاً؛ نحن بدورنا نسخر منه كما سخر منا؛ لأن هذه الأمنية الخطيرة -بإذن الله- لن تتحقق؛ لأن الله أراد النصر لأهل سوريا وهم فهموا ما يحاك لهم، ورأوا كيف تكالب العالم ضدهم ولن يسمحوا بنجاح المخطط الذي يراد لهم؛ بأن تتحول ثورتهم إلى حرب أهلية، وتتحول سوريا إلى عراق أخرى. وثقل السنة كبير في سوريا، وأهل السنة- بإذن الله- هم صمام الأمان لنجاح الثورة السورية، ولن تمرر عليهم مثل هذه الألاعيب، وتسرق منهم ثورتهم التي كتبوها على جدار حريتهم بدماء شهدائهم.
الشعوب عموماً وعت وأدركت كل الألاعيب ولن يلدغوا من الجحر مرة أخرى؛ لكن الجامعة العربية انهزمت ولم تكن على مستوى إدارة الأزمة السورية. وأنا أعتبر أن الذي أطال عمر النظام هم العرب بمبادراتهم ومهلهم ثم نقلوا فشلهم إلى مجلس الأمن، وهكذا ولدت المبادرة الفاشلة خطة عنان الفاشلة ومبادرته، والنظام المجرم لم يتوانَ لحظة عن القتل المستمر حتى استطاع أن يقنع العقل الباطن العالمي؛ بأن هناك عنفاً؛ وطبيعي القتل اليومي نتيجة هذا العنف، أمريكا وأصدقاؤها يعلمون أن العنف صناعة النظام؛ لكنهم إرضاء لروسيا ولكسبها واحتوائها، وأيضاً تحقيقاً لأهدافهم الباطنة يقرون بأن هناك عنف -وينبغي وقف العنف بجميع أشكاله- على جميع الأطراف أن تساهم في وقف العنف - كما يرددون في تصريحاتهم-.
القضية دولت وتأزمت وتطورت المواقف وأصبحت كل دوله تقرأ الوضع السوري قراءة تصب في صالحها، فالتفجيرات التي يرتكبها نظام الأسد المجرم في سوريا ويتهم فيها القاعدة وأمريكا تعلم أنها صناعة النظام، رأينا تعليقها على هذه التفجيرات؛ بأنها لا تستبعد وجود القاعدة في سوريا، فهذه التفجيرات المهزلة رأت أمريكا أنها تخدم منهجها في دعايتها وحربها على الإرهاب -كما تزعم-، وأيضاً مدخل كبير لها كي تحول سوريا إلى حرب طاحنة السنة هم وقودها وحطبها. ولذلك الوقت وطول أمده ليس في صالح الثورة، ولا في صالح المنطقة، وهي أمنية النظام كل ساعة تمر عليه لم يتفكك ولم يسقط يعتبر نفسه أنه خطى خطوه في سبيل البقاء. والجامعة العربية بمهلها ومفتشيها ثم عنان ومفتشيه ساعدوه في تحقيق هدفه وأمنيته واسترداد أنفاسه وإعطائه الفرصة السانحة لتفريق الثوار وتشتيتهم وتفريغ المدن، فحمص هجر معظم أهلها والنصف الآخر إما معتقل، أو مقتول أو تصب على رأسه حمم الهاون.
والشيء المؤلم حقاً أن الجامعة العربية ماانفكت تتحسس من كلمة ((تدخل عسكري)) مئات القتلى يومياً تسفك دماؤهم، والكل يتفرج على مؤشر أعداد القتلى وهو آخذ بالارتفاع، إيران بكل ثقلها متدخلة في سوريا، وكذلك روسيا وهم من يقتل هؤلاء الأبرياء، ونحن نعقد الجلسة تلو الجلسة كي نحذر من التدخل العسكري وننفي أننا قصدناه أو قلناه. وهذا من ضيق الأفق عند المفاوض السياسي العربي وهم الآن بفشلهم في إدارة الأزمة سيجرون المنطقة إلى حرب ضروس لا تحمد عقباه، فدخولهم على الخط طبيعي أن يكونوا في مواجهة مع إيران، وهذا ما تتمناه إسرائيل وأمريكا لجعل المنطقة في حالة حرب وتوتر دائم؛ كي تسبى الثروات وتبقى شعوبها في دوامة مستمرة من العنف.
وهذا التفكير السياسي الضيق هو الذي جعل هذا المفكر اليهودي الأمريكي الإستراتيجي الخبير أن يدلي بقراءته الساخرة وتصريحه الخطير بقيام حرب ثالثة بين أمريكا وحلفائها وبين روسيا والصين وإيران ومنطقة لهبها هي سوريا، والعرب هم حطبها، وهي قراءة فيها منطق، والواقع قد يصدقها، والعرب أيضاً بجهلهم قد يساعدوا على نجاحها.
ومنطقها أن روسيا والصين قوتان صاعدتان بقوه ويشكلان تهديداً قوياً لأمريكا، وأمريكا مثقلة بأزماتها وجروحها ولا تفضل المواجهة العسكرية، لكنها تتحين الفرص وتحاول أن تستنزفهما مع سياسة الاحتواء التي تمارسها حيالهم، والأزمة السورية فرصة سانحة لأمريكا بأن تحقق من خلالها أهداف كثيرة، فكما أسقطت الإمبراطورية السوفيتية على أرض أفغانستان بدعم المجاهدين الإسلاميين؛ الآن فرصتها كبيرة بأن تضعف وتستنزف بل وتهزم روسيا والصين على أرض العرب وبأبناء العرب وبدماء العرب وبأموال العرب، فعلى العرب أن يستيقظوا من غفلتهم وأن لا يدخلوا طرفاً في هذه الحرب الضروس، وأن يجعلوا إيران والأسد في مواجهة مجلس الأمن وأصدقاء سوريا وتركيا، وأن يكتفوا بممارسة ضغوطهم على أمريكا ومجلس الأمن والدول المؤثرة بأن يحسموا القضية وأن يطالبوا بالتدخل العسكري، هذا هو الحل الذي يسلم المنطقة ويدفع عنها ويلات الحروب، وأن ينقذوا سوريا وأن يحرروها من الاحتلال الروسي الصفوي.
سطور أخيرة:
أمريكا الآن تمارس سياسة الاحتواء للتعامل مع الثورات، فهي رأت أنها قوة لا يمكن مواجهتها لكن يمكن احتواؤها والالتفاف عليها بفصل الرأس عن الجسد، أي تنحية الرئيس وإبقاء جسده (نظامه) حتى بعدما تهدأ الأمور يعاد النظام نفسه بثوب زاهي الألوان لكنه خائر القوى، ولذلك الثورات نجاحها بوعي قياداتها وانتباههم لما يحاك لهم.

المصدر: لجينيات

المصادر: