سورية المدولنة وثورتها

الكاتب : غسان المفلح
التاريخ : ٧ ٢٠١٢ م

المشاهدات : 10396


سورية المدولنة وثورتها

كنت من الداعين إلى تدخل عسكري في سورية، ولأسباب عديدة، أهمها على الإطلاق هو طبيعة العصابة الحاكمة، التي لا تفهم سوى لغة القوة من جهة، وأن تقدم خدماتها إلى كل طرف يدعم استمرارية حكمها للبلد بالأسلوب والنهج نفسهما، من جهة أخرى، لهذا من أهم سمات هذا النظام هي الزبائنية في التعاطي مع الشأن السياسي الخارجي، ولأنها عصابة استقرت لها الأحوال بعدما تكرس كنظام إقليمي، على إثر انتهاء حرب أكتوبر مع إسرائيل عام 1974م، هذا النظام الإقليمي، كان في جزء منه استمرار العصابة الأسدية في حكم سورية، طريقة القمع والفساد وتصحير البلد على كل المستويات، وضرب أي إمكانية لنشوء مجتمع صحي ومتطور مدنياً، لأن الدولة المدنية بالنسبة إلى هذه العصابة كانت تعني ولا تزال نهايتها الأكيدة، ومن يلاحظ ما يحدث الآن في هذه الثورة السورية الأسطورة، يجد أن هذه الثورة تواجه نظاماً إقليمياً كرسته دول كثيرة وعلى رأسها إسرائيل والغرب والاتحاد السوفيتي السابق، وحلت روسيا الآن محله، والتي تغيرت سياساتها عالمياً إلا في سورية كآخر موقع لها في الشرق الأوسط.

 


استطاعت هذه الثورة رغم وقوف كل هذه الأطراف ضد التغيير عملياً في سورية، وضد تحول هذا البلد إلى بلد ديمقراطي، أن تنسف النظام الإقليمي برمته، ولم يعد صالحاً للاستمرار كما هو، ولا كما يمكن أن يتم التحكم بمعطياته الجديدة خاصة بعد الربيع العربي، وهذا ما عقد حركتنا كمعارضة سورية على مستوى الخارج، لأننا كنا نتصرف بأدوات قديمة -ولا نزال- أمام أوضاع مستجدة وتحتاج إلى طرائق تفكير جديدة وأدوات جديدة.

كان العالم يتفرج ويساند هذه العصابة وهي تنشر الإرهاب والطائفية والفساد في سورية ودول الجوار، وهذه الرقابة تشبه إلى حد كبير رقابة الجامعة العربية في السابق، ورقابة كوفي عنان حالياً، والذي يريد تخصيص ميزانية لعام كامل لمبادرته الرقابية هذه! وكوفي عنان هو في النهاية مجرد موظف، لا أكثر ولا أقل وليس مقرراً، إلا أنه بحكم وظيفته هذه يمكن له أن يساهم في مزيد من قتل شعبنا وإعطاء الفرصة للعصابة الحاكمة، من الواضح جيداً أن السيد كوفي عنان وطاقمه سيتعاملون مع الأمر بكونه وظيفة يجب أن يستنفدوها حتى الرمق الأخير ويستنفدوا معطياتها الامتيازية، من أموال وخلافه، لهذا يجد من مصلحته استمرار مهمته إلى أجل غير مسمى، يحدده في النهاية ليس ما يجري على الأرض من وقائع، بل قرار من مجلس الأمن، وهذا القرار تبعاً لمقدمتنا يبدو أنه لا يزال من المبكر الحديث عن صدوره، من الواضح أن كوفي عنان وأكثرية طاقمه تحاول تحت ستار الحيادية أن تخدم استمرارية مهمتها، وهذه ستكون على حساب دماء شعبنا، والدليل أنهم يتحدثون عن تقدم في وقف إطلاق النار بينما شهداء ثورتنا يتساقطون بشكل يومي، وقد أعلنت الثورة ولاسيما في الجمعة الأخيرة، "جمعة خلاصنا" أنها ثورة سلمية ومطالبها واضحة والعصابة الحاكمة تقتل المتظاهرين السلميين، وهل قتل المتظاهرين السلميين يحتاج إلى دبابات وأسلحة ثقيلة، لأن مبادرة عنان تركز على سحب الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من المدن؟ ربما على هذا الصعيد سحبت العصابة الحاكمة بعض تشكيلات من الأسلحة الثقيلة من بعض المدن لكنها لم تسحب "شبيحتها" وقناصتها، والاعتقالات مستمرة بحق الناشطين السلميين، ولهذا لم نسمع من السيد عنان ولا المتحدث باسمه أي حديث عن المعتقلين بمئات الآلاف، يجب أن يتم الإفراج عنهم وفقاً لمبادرته هو شخصياً، بل ما يجري هو مزيد من الاعتقال، ومزيد من سفك الدماء.
سورية مدولنة لأن كوفي عنان يعرف جيداً أن الوضع الدولي بغض النظر عن التباينات بين دوله حيال الوضع السوري، إلا أنه وضع يريد من خلال مبادرة عنان تأجيل البت به من جهة ومنحه فرصة إسرائيلية- روسية للعصابة الحاكمة، وبمباركة إيرانية بالطبع.
لقد فضحت الثورة السورية جعجعة إسرائيل ونخبها ومعها بعض الدول الغربية حول عدائها للمشروع الإيراني وحوامله في المنطقة، الآن لدى الجميع من هذه الدول حجة قوية وهي أنه يجب إعطاء فرصة لمبادرة كوفي عنان، وأليست المبادرة قمة الدولنة للقضية السورية؟ لهذا والفرصة هذه تعني التضييق على الثورة، وغض الطرف عن القتل اليومي والتدمير الخسيس للمدن وللاقتصاد السوري. لهذا يصبح من الملح ربما أكثر من السابق الإصرار على موضوع التدخل العسكري في سورية لكي تبقى الكرة في ملعب هذه الدول، بغض النظر استجابت أم لم تستجب، ومن دون الدخول معها بمماحكات ومفاوضات نبيل العربي وما يمثله من اتجاه داخل دول المنطقة.
ثمة أمر آخر، فبعد مبادرة عنان تكفل الروس بالتفاوض مع الجميع نيابة عن العصابة الحاكمة، وتفاوض الروس يعني عملياً مزيداً من غض الطرف عن القتل اليومي أليست هذه دولنة؟ لهذا علينا أن نبقي مطلبنا بالتدخل العسكري في رأس الأولويات من جهة، ودعم استمرار الحراك السلمي بشكل أساسي من جهة أخرى، إضافة إلى دعم الجيش الحر وتنظيم مقاومته المسلحة في حماية أهلنا، وضبطها تحت مظلة سياسية عجز المجلس الوطني عن القيام بها حتى اللحظة، نحن لدينا شعبنا وهم لديهم، أو ليس لديهم من مبادرات وخلافه سوى إنقاذ آل الأسد وعصابتهم الحاكمة، وبالتالي هم يسيرون في طريق مسدود ويعتقدون حتى اللحظة أنه لا يمكن فتح هذا الطريق المسدود إلا بإيقاف الثورة، عن طريق منح الفرصة للقتل اليومي. القتل اليومي هو أيضاً إرادة دولية، لكن شعبنا أثبت في الجمعة الأخيرة أن طريقهم سيبقى مسدوداً حتى سوط العصابة، لهذا هم الآن يحاولون البحث عن آليات جديدة لفتح ثغرة في هذا الطريق يجدون أن مبادرة عنان تعطيهم فرصة لذلك. لهذا كان الرد العصبي والاستفزازي لنبيل العربي عندما سئل عن التدخل العسكري أجاب بعصبية: من يريد التدخل العسكري عليه أن يعمل خارج الجامعة العربية، وهذا بالطبع موقف المجلس العسكري المصري بلا منازع الذي يحاول إعادة الإمساك بالسلطة من جديد، برموز الفساد المصرية نفسها.
ليقدم لنا كل من الروس والإيرانيين والإسرائيليين سيناريو آخر غير استمرار العصابة الأسدية القاتلة في حكم البلد، وبعدها نتحدث عن مبادرة عنان أو عبقرية نبيل العربي الضد تدخلية، ونقتنع مع السادة في المعارضة السورية الذين يقفون ضد المطالبة بالتدخل العسكري!!
أما عن تركيا فللحديث شجون نخاف أن ينزعج منا الأصدقاء في الإخوان المسلمين لو فتحنا الملف كاملاً، إلا أن الحليف التركي لم يخرج خارج الدولنة الإسرائيلية- الروسية التي تحدثنا عنها حتى اللحظة، رغم صخب التصريحات الأردوغانية، وفي هذا السياق نتمنى أن نسمع من الصديق برهان غليون، رئيس مجلسنا الوطني السوري، حديثاً صينياً جديداً بعد عودته من بكين..!
لا أعرف ربما لدى الصينيين سيناريو يحافظ على السيادة الوطنية لسورية ضد دعاة التدخل الخارجي، ولكن لا نعرف من دون آل الأسد أم ببقائهم؟ نعوم الآن في بحر متلاطم من التدويل الذي لا يزال حتى اللحظة متواطئاً مع النظام القاتل.. فهل لدى أحد منكم غير هذه القراءة؟ ليسعفنا بها علنا نجد ما يجعلنا نردد مع المرددين "لا للتدخل الدولي"… طالما أن القتل توقف! فهل توقف؟

المصدر: سوريون نت

المصادر: