عن الموقف الأميركي من الثورة السورية!

الكاتب : أكرم البني
التاريخ : ٢٩ ٢٠١٢ م

المشاهدات : 6669


عن الموقف الأميركي من الثورة السورية!

أربعة أسباب يمكن أن تفسر تردد واشنطن وإحجامها عن الدخول بقوة على خط الثورة السورية، بالمقارنة مع سياستها تجاه الثورات العربية الأخرى.


أولاً: حسابات داخلية تتعلق بالرأي العام الأميركي، الذي ذاق مرارة الثمار في العراق وأفغانستان، وانقلب مزاجه ضد تفعيل الدور الخارجي لبلاده ومنحه الأولوية على حساب المشكلات الداخلية، ونضيف: لغايات انتخابية مباشرة، كي يضمن أوباما دخولاً آمناً إلى مرحلة التجديد دون التباسات قد يجرها التصعيد، وكأن إدارة البيت الأبيض تعمل اليوم على تمرير الوقت والمهل لطي صفحة الانتخابات، وربما انتظار لحظة أنسب للتدخل الفاعل في سوريا.
ثانياً: مصلحة إسرائيل ووزن قرارها في السياسة الأميركية، وهنا نستطيع القول وللأسف إن لإسرائيل كلمة قوية حول مستقبل الأوضاع في بلد يجاورها وتحتل جزءا من أرضه، وبقيت جبهته آمنة ومستقرة طيلة عقود، والمغزى هو أولوية ما يمكن أن يترتب على أي تغيير في سوريا على أمن إسرائيل بصفته العامل رقم واحد في التأثير على مواقف الغرب، وخاصة على النخبة الأميركية الحاكمة وعلى اتجاهات الرأي العام هناك، وكلنا يتذكر، في أزمات سابقة، وضوح الرغبة الإسرائيلية في عدم إسقاط النظام، كما نتذكر الخبر المثير عن طلب إيهود باراك مؤخراً من الحكومة الأميركية تخفيف الضغط على النظام السوري وتركه لشأنه، وما يعزز هذا السياق إدراك قادة إسرائيل حقيقة أن ميل الثورات العربية هو في محصلته معادٍ لسياساتها في فلسطين والمنطقة، وبالتالي حين يكون موقف إسرائيل ومصلحتها ضد تغيير الحكم السوري، حتى لو أعلن بعض مسؤوليها عكس ذلك، يعني أن هناك موقفاً أميركياً لا يمكنه القفز فوق هموم وحسابات حليفته الإستراتيجية!
ثالثاً: خصوصية الحالة السورية بموقعها الإستراتيجي وارتباطاتها التحالفية ضمن محور نفوذ في المنطقة مناهض للسياسة الأميركية، فلا طاقة لإدارة البيت الأبيض اليوم بتحمل تبعات معركة مفتوحة مع أطراف هذا المحور قد يطول أمدها وتتعدد مواقعها، كما لا يمكنها أن لا تأخذ على محمل الجد التحذير الذي جاء على لسان المرشد الأعلى، علي خامنئي، بأن إيران ستدافع عن حليفتها الإقليمية، أياً كانت الاعتبارات، ليصح القول إن واشنطن تستطيع ربما تحمل مشاهد القمع والتنكيل في سوريا مهما اشتدت لكنها لا تستطيع تحمل تبعات وتكاليف التدخل الناجع، في قراءة للمسألة من زاوية النتائج والتكلفة وما يمكن أن يترتب عليها من تأثير على مصالحها وخسائر مادية يصعب تعويضها من بلد فقير بثروته النفطية كسوريا!
رابعاً: التحسب والقلق من طابع السلطة المقبلة وحدود الاستقرار المرافق في حال كان وزن وتأثير الإسلاميين فيها كبيراً، وخاصة على واقع الأقليات في سوريا، وهذا السبب لا يتعلق فقط بالخوف على ثقافة هذه الأقليات ونمط عيشها من بديل إسلامي، وإنما أيضاً من الأعباء التي قد تفرض على الدول الغربية وأميركا في حال ازدياد هجرة أبناء هذه الأقليات، يزيد القلق قلقاً والطين بلة السلوك الأناني والاستئثاري للإخوان المسلمين في مصر، بعد أن نكثوا وعودهم؛ سواء في عدم ترشيح أحد قادتهم إلى موقع الرئاسة، أو في موقفهم من الدولة المدنية، وبدؤوا تمرير عبارات حول تطبيق الشريعة الإسلامية، الأمر الذي أضر بدور التيارات الدينية السياسية في الثورات العربية، وطعن في مصداقيتها، وربما تحتاج لتخفيف الضرر وبناء الثقة إلى أكثر من وثيقة «العهد والميثاق»، التي أصدرها مؤخراً «إخوان سوريا»، مع ما حملته من نقاط إيجابية ومطمئنة.
صحيح أن الموقف الأميركي بخلاف مواقف الدول الغربية الأخرى هو عامل حاسم من شأنه أن يغير اتجاهات الأحداث في سوريا، وصحيح أيضاً أن التدخل الأميركي الفاعل ليس طوع البنان، وأن الولايات المتحدة احتاجت زمناً طويلاً كي تتغلب على تحفظاتها في مثال البوسنة، لكن ما هو غير صحيح الادعاء بتسلل «القاعدة» إلى سوريا، والتذكير بالإرهاب كعدو مشترك بين دمشق وواشنطن، كي تبرر هذه الأخيرة مواقفها المترددة، أو الاتكاء على واقع المعارضة السورية وتحويل تنوع أحزابها وتعدد ائتلافاتها وتبايناتها الطبيعية في المواقف والآراء إلى شماعة أو ذريعة لتبرير الإحجام الأميركي وتحرير أهم قوة عالمية وأكثرها تأثيراً من المسؤولية.
ربما هو حظها العاثر أن تضطر الثورة السورية للانتظار ريثما يمر زمن الانتخابات الأميركية كي تختبر مدى جدية وحزم واشنطن، ودور المجتمع الدولي في نصرتها، وربما الأمر يتعلق بوجود رغبة لدى الولايات المتحدة في مد زمن الثورة السورية وتأخير المعالجة السياسية، ليس لصعوبة وتعقيد تدخلها الناجع والرادع، بل لأن لها مصلحة في سياسة استنزاف النظام وحليفه الإيراني أطول مدة ممكنة، لكن ربما يفضي الضغط الأخلاقي من هول وفظاعة ما يجري وتنامي المطالبات العربية لاتخاذ موقف جدي إلى تضييق هامش التردد والمواربة أمام البيت الأبيض، خاصة إن استشعر الديمقراطيون أن موقفهم الضعيف بدأ يلعب دوراً عكسياً ويفقدهم بعض الشعبية أمام الانتقادات التي يوجهها مرشحو الرئاسة الجمهوريون لأوباما، بسبب تردده وعدم استثمار الوضع السوري لمصلحة أميركا ولمحاصرة النفوذين؛ الإيراني والروسي!
والحال إن لم تذلل الأسباب السابقة فمن المرجح أن لا يرقى الموقف الأميركي إلى مصاف تحديات الثورة السورية وحجم ما تقدمه من تضحيات، بل سيكتفي بالنوسان بين إعلان المزيد من الضغوط والعقوبات الاقتصادية، التي لن تؤتي أكلها في وقت قريب، والدعم اللفظي للشعب السوري والتغني بشجاعته مصحوباً بتصريحات وإدانات حادة للقمع لا تربك النظام ولا تخيفه، وآخر دليل لاستمرار التردد والتهرب هو مساندة خطة كوفي أنان المتعثرة على قاعدة التسليم بدور مقرر لموسكو في الملف السوري، وما يعنيه ذلك من تجنب الدخول في صدام معها، والرهان، قبل أي شيء، على التفاهم وبناء المشتركات في معالجة هذا الملف!

المصدر: الشرق الأوسط

المصادر: