ماذا بعد المبادرة العربية؟

الكاتب : مجاهد مأمون ديرانية
التاريخ : ١١ ٢٠١١ م

المشاهدات : 2782


ماذا بعد المبادرة العربية؟

رسائل الثورة السورية المباركة (59): ماذا بعد المبادرة العربية؟ 

ملاحظة: هذه المقالة تتمة للتي قبلها -هل اقتربنا من يوم الحسم؟-، وكما اعتذرت سابقاً عن طول تلك سأعتذر الآن عن طول هذه، وأرجو أن أعود إلى المقالات الموجَزة بدءاً من المقالة التالية -إن شاء الله-.


-1-
حسناً، ها قد اتفق العرب أخيراً على مبادرة حاسمة، واستجاب لها النظام -بزعمه- استجابةً غيرَ مشروطة. وماذا بعد؟ ما الذي سيحصل الآن؟ ثلاثةُ أمور ستحدد نتيجة المبادرة وتقرّبنا من الحسم، نعرف اثنين منها ولا نعرف الثالث.
نعرف أولاً أن النظام السوري لن يتخلى عن الحكم إلا اقتلاعاً، تماماً كما حصل مع حليفه البائد في ليبيا، لذلك لا فائدة من أي حوار معه ولن تكون أيّ مبادرة جادّة سوى مقدمة لما بعدها. ونعرف ثانياً أن النظام السوري هو أسوأ نظام في الدنيا، فهو أكثر المجرمين إجراماً، وأكثر الفاسدين المفسدين فساداً وإفساداً، وهو أكثر الكاذبين كذباً وأكثر المنافقين نفاقاً… وبالجملة وحتى لا أضيع وقتي بالكتابة وأوقاتكم بالقراءة: هو في الدّرْك الأسفل في كل الرذائل والموبقات التي يعرفها البشر، لذلك فإن موافقته ورفضه سواء، والثقة بوعوده لا تزيد على قبض الريح.
بقيت الثالثة التي لا نعرفها: ما هي الخطط الخبيثة التي أعدّها النظام للالتفاف على الحملة الأخيرة التي شنّتها عليه جامعةُ دول العرب، بالأصالة عن نفسها وبالوكالة عن المجتمع الغربي والقوى الدولية التي بدأت بالعد التنازلي منتظرةً انقضاءَ مهلة الأسبوعين الأخيرين؟ هذا السؤال لا نعرف جوابه، لكنْ لا يضرّنا جهلُنا بالجواب لأنه لن يقدم ولن يؤخر، فالقوى الدولية لن تنخدع بألاعيب النظام هذه المرة لأنها قررت أن لا تنخدع، ولأنها قررت أن وقت الضربة قد حان، فالنظام مضروب مهما فعل لا محالة -بإذن الله-.
إن النظام يقترب من ساعة الحسم ومن المعركة الفاصلة، ولعله هو نفسه يدرك هذه الحقيقة. بعض الإشارات تدل على ذلك، منها ما شاع مؤخراً وتناقلته صفحات الثورة من أن مسؤولين كباراً بدؤوا منذ أيام بتهريب عائلاتهم إلى خارج سوريا عبر مطار حلب، محدِّدين وجهات سفر تلك العائلات بالإمارات وإيران وماليزيا والصين وغانا ونيجيريا. هذا الخبر ينسجم مع الخبر الآخر الذي ورد في المقالة السابقة نقلاً عن المساعد المنشقّ محمود عبد الرحمن، الموظف في الأمن الداخلي في مطار دمشق الدولي، الذي أكّد أن كبار الضباط العلويين بدؤوا بتسفير عائلاتهم إلى خارج سوريا مؤخراً.
نعم، إن النظام يقترب من ساعة الحسم ومن المعركة الفاصلة، فلو أنه التزم بشروط الاتفاقية -وهو لم يفعله ولا يبدو أنه سيفعله- فسوف يخرج الملايين إلى الشوارع مطالبين بسقوطه، ويمكن عندها أن يتدخل المجتمع الدولي لفرض اختيار الأغلبية بالقوة -وهذا الإجراء له سابقة، في تيمور الشرقية وفي ألبانيا من قبل وفي جنوب السودان مؤخراً-، وإذا لم يلتزم، وهذا هو الحاصل، فإن المسبحة ستكرّ سريعاً بالقرارات والإجراءات.
-2-
النظام يتحرك بكثير من التخبط وبقليل، قليل جداً من العقل، وهو يظن أنه سيخدع المجتمع الدولي بإجراءات شكلية تلبي -في الظاهر- شروط المبادرة العربية، كسحب الدبابات والعربات العسكرية من المدن، لكنه لن يسحبها بعيداً لأنه لا يستطيع تغيير خطته الأمنية إلى النقيض، قد ينقلها فقط إلى ملاعب داخل المدن أو إلى معسكرات مؤقتة على أطرافها، وفي كل الأحوال فإن حركته ستكون مكشوفة ولن تخدع حتى الأطفال! أيضاً سيحاول الإيحاء بأن عناصر الأمن الذين سيبقون داخل الأحياء السكنية هم من الشرطة وليسوا من الجيش أو المخابرات، ولن يجد لتنفيذ تلك الخدعة الرخيصة سوى تغيير الملابس التي يرتدونها.
حينما كنت أكتب هذه الكلمات -في اليوم الثالث من أيام العيد- كان عمال معامل الدفاع في سوريا قد استُدعوا إلى مواقعهم للعمل بالطاقة القصوى طوال أيام العيد، لتجهيز طلب مستعجَل طلبته وزارة الدفاع ويتكون من ثلاثين ألف بدلة من بدلات الشرطة ذات اللونين الأبيض والكحلي. وقد عُلم من مصدر قريب من وزارة الدفاع بأن تلك البدلات مخصصة لعناصر الأمن والشبيحة وعناصر محددة من الجيش، ليرتدوها أمام أعضاء اللجنة العربية والقنوات الإعلامية.
أمثال هذه الخدع كانت مفيدة عندما أراد العالم أن يُخدَع، لكنها لم تعد مفيدة عندما قرر العالم أنه لا يريد أن يُخدَع من جديد. إن الطريقة التي تتعامل بها القوى الدولية مع كثير من المشكلات الإقليمية والمحلية تذكّرني بطرفة قرأتها ذات مرة، تقول إن الرجال يفهمون النساء حقاً ولكنهم يتظاهرون بعدم فهمهنّ لأن هذه الطريقة أرخص! بتطبيق القاعدة نفسها على الدول الكبرى نجد أنها تفهم مشكلات الدول الصغيرة عندما يكون الفهم مفيداً لها، كما صنع الأميركيون عندما قدّروا مشاعر الكويتيين الذين اجتاح صدام بلادَهم في عدوان ظالم غير مبرَّر، أما عندما يكون الفهم غير مفيد فالأفضل التظاهر بعدمه، كما صنعوا هم أنفسهم عندما احتلت أثيوبيا الصومال من قريب فدعموا المعتدي وتجاهلوا الضحيّة.
قراءة الموقف الآن توحي بأن تحالف القوى الدولية: الخليجية- العربية – التركية – الأوروبية -الأميركية، هذا التحالف لن تخدعه ألاعيب النظام السوري لأنه قرر سلفاً أن المبادرة العربية ليس هدفها ترويض النظام السوري وحمله على تنفيذ أي شروط، بل إن هدفها -فيما يبدو- هو ترتيب التحرك الدولي بشكل رسمي وقانوني، وصولاً إلى إسقاط النظام.
في نفس اليوم الذي أعلن فيه النظام السوري موافقته على المبادرة أعلن البيت الأبيض أن على الأسد أن يتنحى عن الحكم، وخلال الأيام التالية التي استمرت فيها الحملات الأمنية -على حمص خاصة وعلى بقية المناطق السورية عامة- كانت ردود الأفعال الدولية سريعة وصارمة، فقد أعلن وزير الخارجية الفرنسي بأن فرنسا ستتشاور مع شركائها في الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن بشأن النداء الذي وجهته المعارضة السورية لتوفير حماية دولية لأهالي حمص التي تتعرض لقصف القوات السورية، وأكد "أن طريقة تصرف النظام غير مقبولة ولا يمكننا أن نثق فيه". وقال إن مبادرة الجامعة العربية للحل في سوريا ماتت، وأشار إلى أن باريس "مستعدة للاعتراف بالمجلس الوطني السوري إذا نظّم نفسه". وقال أرشاد هورموزلو، المستشار السياسي للرئيس التركي، إن تركيا "فقدت الأمل في أن تتخذ القيادة السورية أي إجراءات للحد من استخدام العنف". أما روسيا فقد أبدت على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف قلقها من استمرار العنف، خاصة في حمص، وأعلن لافروف "أن بلاده لا تبرئ النظام السوري مما يحدث في الشارع".
-3-
الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب المرتقَب في القاهرة غداً سيكون حاسماً. الذي يتوقعه أكثر الناس والذي يلحّ عليه الشارع السوري هو تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية. إذا تحقق هذا الأمر فسوف يكون -على الأغلب- مقدمةً لنقل الملف السوري إلى مجلس الأمن الذي يمكن أن يناقش مشروع قرار لفرض حظر جوي ومناطق عازلة لحماية المدنيين والمنشقين من الجيش السوري.
من المعروف أن أربع دول تعارض التوجه العربي العام للقطيعة مع النظام السوري، وهي لبنان -باعتبارها دولة يحتلها حزب الله العميل- واليمن والجزائر والسودان. هذه الدول قادرة، كلها أو بعضها، على إفشال قرار التجميد، لكن يبدو أنها لن تفعل؛ فقد رجّحت مصادرُ كثيرة أن يكون التوافق بين الدول العربية سابقاً على الاجتماع الوزاري الذي سيعلن النبأ. صالح القلاب، وزير الإعلام الأردني السابق والرجل المقرَّب من دوائر صنع القرار الغربي والعربي، توقع أن يُعلَن قرار التجميد يوم السبت، كما أن جريدة القبس نشرت قبل يومين خبراً عن اتصالات جرت على أعلى المستويات خلال فترة العيد وكان الموقف فيها موحداً. إذن فإن ما يغلب على الظن -وما ستثبته الساعات القادمة أو تنفيه- هو أنْ تُجمع الدول العربية على تجميد عضوية سوريا في الجامعة، وربما ترافق مع هذا القرار قطعٌ لعلاقات الدول العربية مع النظام السوري، لكن لا يُستبعَد أن ترفض الدول الأربع المذكورة قطعَ علاقاتها مع سوريا لأن هذا الإجراء سيكون خاصاً بكل دولة على حدة، بعكس التجميد الذي يجب أن يكون موقفاً جماعياً لاعتماده رسمياً.
ما سبق يمكن تلخيصه بكلمة واحدة: التدويل.
أخيراً خرجت الأزمة من بعدها المحلي (أزمة داخلية) أو الإقليمي (أزمة دول جوار) أو العربي (أزمة عربية) إلى البعد الدولي (أزمة دولية)، حيث الخيارات والاحتمالات كلها واردة، وإنْ بنِسَب متفاوتة: من الضربات الشاملة -ربما بنسبة عشرين بالمئة- إلى الضربات المحدودة -ربما بنسبة خمسين بالمئة- إلى الاحتمال الأعلى، ربما بنسبة ثمانين أو تسعين بالمئة: الحظر الجوي الكامل أو الجزئي -شمال وجنوب سوريا أو شمالها فقط- ومنطقة آمنة واعتراف بالجيش الحر بشكل مباشر أو غير مباشر، مع تزويده بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة والذخائر وجميع أنواع الدعم اللوجستي، ومشاركة تركية فاعلة وكبيرة على كل المستويات، وصولاً إلى إسقاط النظام.
في العادة نُضطَر إلى نَخْل التصريحات السياسية لنستخلص منها المواقف الحقيقية المخلوطة بكثير من العبارات الدبلوماسية المطّاطة، لكنّا وجدنا هذه المرّة -وعلى غير العادة- أن تصريح أرشاد هورموزلو، المستشار السياسي للرئيس التركي، قد جاء في غاية الصراحة والوضوح عندما قال: إن الحكومة التركية "يمكن أن تتخذ إجراءات معينة لحماية المدنيين السوريين"، قائلاً: "إن القدرة على ذلك موجودة لكن الغطاء هو المهم". وأضاف أن ثمة إجراءات سيتخذها المجتمع الدولي وستلتزم بها جميع الدول بما فيها تركيا.
-4-
هل يمكن أن يصطدم أي مشروع لقرار دولي ضد سوريا بفيتو روسي أو صيني مرة أخرى؟ الاحتمال وارد بالطبع، لكنه أقل بكثير مما كان في بداية تشرين الأول الماضي حينما أجهضت الدولتان المشروعَ السابق، وعلى الأغلب لن تقدّم أميركا وحلفاؤها أيَّ مشروع جديد إلى مجلس الأمن إلا بعد ترتيب المسألة وراء الكواليس لضمان عدم إجهاضه. في المقالة السابقة -هل اقتربنا من يوم الحسم؟- ناقشت الموقفين الروسي والصيني، حيث وجدنا أن الدولتين صارتا أبعدَ عن تأييد النظام بعد مرور خمسة أسابيع على الفيتو السابق، وبالإضافة إلى المواقف التي رصدَتها المقالة السابقة جاء تطور جديد مهم من موسكو.
فبعد محادثات هاتفية أجراها وزير الخارجية الروسي مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، أن موسكو ستستقبل بعد أيام قلائل وفداً يمثل المجلس الوطني السوري برئاسة برهان غليون، وسيلتقي الوفد مع وزير الخارجية سيرغي لافروف ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الاتحاد الروسي ميخائيل مارغيلوف. وقال موقع الجزيرة نت -الذي نشر الخبر-: إن المبعوث الخاص للرئيس الروسي ميخائيل مارغيلوف عبّر -في كلمة ألقاها في واشنطن- عن قلق الكرملين من استمرار العنف وإراقة الدماء في سوريا، وأكد أن استخدام روسيا لحق النقض ضد قرار مجلس الأمن الدولي الخاص بالأزمة السورية كان إنذاراً أخيراً لدمشق، وإنه لم يكن لدعم أو لتبرئة نظام الأسد، بل كان محاولة أخيرة للحفاظ على الوضع القائم في سوريا وتوفير الفرصة للنظام لإجراء إصلاحات فعلية وبدء حوار حقيقي مع المعارضة.
-5-
تقولون: كيف تسارعت الأحداث فجأة في اتجاه الحسم؟ لماذا انتفض العالم فجأة بعد النوم الطويل؟ الجواب: أن العالم لم يكن نائماً، ولكنه يتحرك ببطء وفي مسارات شديدة الاعوجاج وكثيرة التفرعات فيستغرق وقتاً طويلاً لبلوغ الغاية. الذي أظنه هو أن القصة بدأت فصولُها منذ شهور ولم تبدأ هذه الأيام. سأعود إلى الوراء، إلى رمضان، فالقصة التي نرى اليوم تفصيلاتها بدأت هناك. هل تذكرون التطورات الدولية المتسارعة التي رصدنا ثلاثين منها في أقل من أسبوع آنذاك؟ لن أعيد سردها هنا، ولكني سأسترجع إلى الذاكرة واحداً منها فقط، وهو تصريح الملك عبد الله بن عبد العزيز.
لقد كان التصريح الملكي السعودي واحداً من أهم الأسباب التي أقنعتني بأن الأحداث كانت تتجه إلى انفجار وشيك في ذلك الوقت، وهي قناعة مبرَّرة بالنظر إلى الطريقة التي تعمل بها الدبلوماسية السعودية. أنا عشت في المملكة العربية السعودية ثلث قرن أو يزيد، وأشهد أن دبلوماسيتها من أكثر الدبلوماسيات رصانة في العالم، ولا أبالغ إن قلت إن وزير خارجيتها لا يقل وزناً عن كثير من رؤساء الدول، وقد لا يعلم كثيرٌ من الناس خارج السعودية -وفي سوريا الثورة تحديداً- أن المملكة العربية السعودية لم تعرف في تاريخها الطويل سوى وزيرَي خارجية فقط، الأمير سعود حالياً ووالده فيصل -للدقة أكثر كان الأمير ثم الملك فيصل وزيراً للخارجية لمدة ثمان وأربعين سنة تخللتها سنتان تولى فيهما الوزارةَ غيرُه، ثم تولى ابنه سعود المنصب منذ وفاة الملك فيصل قبل ست وثلاثين سنة إلى اليوم-. في الأحوال العادية يمكن أن تعبّر المملكة عن موقفها الرسمي ببيان صادر عن وزارة الإعلام، وإذا كان الموضوع مهماً جداً ومن الوزن الثقيل فسوف يقوم بذلك وزيرُ الخارجية نفسه، أما الملك؟! ليس من المألوف أبداً أن يظهر الملك على الشاشات ليقدم تصريحاً موجزاً يوضّح فيه موقف المملكة من موضوع خارجي.
لقد كان ذلك التصريح علامة مهمة، بل علامة شديدة الأهمية، وإن شئتم رأيي فقد كان "صفارة البداية" للمباراة الختامية. وقد رأينا آنذاك تسارعاً غريباً في المواقف العربية والدولية وكأنها قطار منطلق في طريق شديد الانحدار، وفجأة توقف قطار الأحداث المتسارعة في وسط المنحدَر! هذا أمر مشاهَد لا جدال فيه، لكن التعليل يحتمل الأخذ والردّ. ربما توقف بسبب تأخر ولادة المجلس الوطني، وهو احتمال كبير لأسباب كثيرة سبق توضيحها في غير هذه المقالة، وربما توقف بسبب ضغوط مارسها اللوبي الصهيوني بقيادة الآيباك على الإدارة الأميركية، وهو سبب تناقلته بعض الأخبار والتحليلات غير الموثوقة، وربما توقف لغير هذا وذاك من أسباب… هذا اللغز سوف تكشفه الأيام ولا أهميةَ  كبيرةً له في موضوع اليوم، لذلك لا بأس في أن نقفز من فوقه الآن وننتظر قراءة تفصيلاته في الكتب التي ستصدر خلال السنوات القادمة.
-6-
إنها -إذن- البداية الحقيقية للفصل الأخير، لكن السيناريو الأكثر تداولاً يشير إلى أنه سيكون فصلاً طويلاً حافلاً بالتضحيات، وسوف يحتاج إلى الكثير من الصبر وصولاً إلى لحظة الختام وسقوط النظام الكامل -بإذن الله-.
يوم الأحد 14 آب نشرتُ الرسالة الحادية والثلاثين من رسائل الثورة وعنوانها "الأحداث المتسارعة تقرع بابَ النهاية"، استعرضت فيها أهم المؤشرات الدولية والمحلية ثم عقبت بالقول: "المؤشرات الخمسة السابقة واضحة الدلالة، وهي تدل على أن تطوراً كبيراً اقترب أوانُه، تطوراً حاسماً سيضع نقطة النهاية للملحمة. لا أقصد إنهاء الأزمة وإسقاط النظام فوراً بالضرورة، بل أقصد الدخول في المرحلة الأخيرة من الثورة التي ليس بعدها إلا سقوط النظام. لكن قطعاً لا أحد يستطيع أن يجزم كيف سيكون الحسم، لا أنا ولا غيري، فهو يمكن أن يكون:
(أ) عملاً سريعاً جداً اعتماداً على اختراق للنظام وشق لقياداته العليا، ربما مع بعض العمليات الخاصة السريعة والخاطفة لإخراج بعض الرؤوس الكبيرة من المعادلة، مما يهيّئ لانهيار سريع لبنية النظام على مستوياته الوسطى والسفلى.
(ب) أو عملاً طويلاً يتمثل في مواجهة على الأرض اعتماداً على قوات منشقّة تتحرك من منطقة آمنة. هذا السيناريو يحتاج إلى تنسيق وتعاون مع طرفَي الحدود الشمالية والجنوبية (تركيا والأردن)، أو أحدهما على الأقل، ويمكن أن يترافق مع حظر طيران".
في ذلك الوقت كان الاحتمال الأول أكثرَ ترجيحاً من الثاني اعتماداً على تقارير كثيرة وأخبار مسرَّبة من هنا وهناك، أما الآن فيبدو الاحتمال الثاني أقربَ وأكثر احتمالاً.
مرة أخرى أقول: سوف تكشف الأيام حقيقة ما جرى في سوريا في تلك الفترة، أما أنا فيغلب على ظني أن بعض القوى المتحالفة ضد النظام، ولا سيما أميركا وتركيا وربما الأردن، أنها رتبت اختراقاً كبيراً للنظام كان من شأنه لو نجح أن ينهي اللعبة في وقت قياسي، ويبدو أنه فشل بسبب الاحتياطات الأمنية الهائلة لأجهزة المخابرات السورية العتيدة، وفي هذا السياق يمكننا أن نفسر اختفاء اثنين من أكبر القيادات العسكرية في مدة لم تتجاوز بضعة أسابيع، وزير الدفاع العماد علي حبيب ونائب رئيس هيئة أركان الجيش العماد بسام نجم الدين أنطاكيَلي -وكلاهما تم اغتياله بمرض مفاجئ أو بنوبة قلبية حادة!-، واختفاء عشرات الضباط الكبار -أكثرهم عقداء وعمداء وبعضهم ألوية- الذين قيل إنهم معتقَلون في مطار المزة العسكري أو أنهم أُعدموا فيه.
حسناً، هذا كله سيبقى افتراضاً غيرَ مدعوم بالدليل حتى تتكشف تفاصيل هذه المرحلة بعد أشهر من سقوط النظام أو سنوات، وسوف نعرف حينها أسرارها وتفاصيلها كاملة، وهل كان النظام فعلاً على حافة الهاوية وعلى وشك السقوط خلال أيام أم لم يكن.
بعيداً عن تلك التخمينات كلها وعودةً إلى الساعة الحاضرة نجد أن الاحتمال الثاني الذي كان الأضعف صار هو الأقوى الآن: "عمل طويل يتمثل في مواجهة على الأرض اعتماداً على قوات منشقّة تتحرك من منطقة آمنة، بالتعاون والتنسيق مع طرفَي الحدود الشمالية والجنوبية (تركيا والأردن) أو أحدهما على الأقل، وربما ترافق مع حظر طيران".
مع ذلك لا يمكننا استبعاد الاحتمالات الأخرى استبعاداً تاماً، ومنها استسلام بعض قادة النظام الكبار وتسليم بشار وماهر وبقية رؤوس العصابة مقابل صفقة ما مع الولايات المتحدة أو غيرها من الدول، ومنها استسلام بشار نفسه وموافقته على اللجوء إلى إيران أو إلى إحدى الدول العربية التي عرضت عليه ضيافتها، (كما قال مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، جيفري فيلتمان، في تصريح أمام لجنة فرعية في مجلس الشيوخ قبل أيام).
* * *
أبشروا يا أحرار الشام، إن ضوء الفجر يكاد ينبلج فيهزم الظلام. لقد انقضى الجزء الأطول وبقي -بإذن الله- الأقل من الأيام. اللهمّ إني أسألك أن تعجّل بلحظة الختام، وأن تُقرّ عيوناً طال سُهادها بسقوط النظام، وأن ترفع المحنة سريعاً عن أهل الشام، وأن تكتب النصر لعبادك الكرام، يا ربنا العظيم يا ذا الجلال والإكرام.

المصدر: الزلزال السوري

المصادر: