الثورة السورية.. اقتراب مرحلة التدويل

الكاتب : عبد الرحمن أبو عوف
التاريخ : ٢٥ ٢٠١٢ م

المشاهدات : 6302


الثورة السورية.. اقتراب مرحلة التدويل

من السهولة بمكان تفسير الوضع الهستيري الذي يتعامل به نظام الأسد مع ثورة الشعب السوري، وفداحة الجرم الذي ترتكبه قواته، بمحاولة حرق حمص واقتحام حلب وحصار العاصمة دمشق، بشكل خلّف عددًا كبيرًا من الضحايا في مسيرة الخلاص من الحكم العلوي الطائفي الجاثم على صدر الشعب السوري منذ 40 عامًا، حيث تجاوز عدد القتلى ما يقرب من 10 آلاف مدني، قدموا أرواحهم فداءً لشعب يتوق للحرية بعد 40 عامًا من تفنن الجلادين العلويين في إذلاله إذا حاول الخروج من حياة القطيع، فالأسد يدرك ورغم الفيتو الروسي الصيني، والتحفظ الشديد من قبل العاصمتين الكبيرتين على فكرة إرسال قوات عربية أممية إلى الأراضي السورية، أن الدائرة بدأت تضيق على نظامه المتداعي، والعزلة الدولية تتزايد، والسيناريو الليبي يقترب شيئًا فشيئًا من رقبته.


وسعيًا للخروج من هذه الوضعية الصعبة فقد استجاب الأسد فيما يبدو لنصيحة روسية بضرورة العمل على قمع الثوار وإراقة دماء أكبر عدد من الضحايا وفي أسرع وقت ممكن، لكون موسكو لن تستطيع تكرار ما أقدمت عليه من استخدام الفيتو مجددًا في مجلس الأمن لمنع إدانته أو قطع الطريق على المساعي المحمومة لتدويل القضية، ولكن غاب عن موسكو ودمشق أن الشعب السوري التواق للحرية لم يعد يكترث بالفيتو الروسي الصيني، ولا بإجرام الأسد، بل غدا أكثر حرصًا على تقديم الغالي والنفيس للخلاص من هذا الحكم، والذي لن يقبل السوريون استمرار ه لبلادهم بأي شكل من الأشكال.
رد الصاع:
ولا يدرك النظام العلوي أن الدعم الروسي بقدر ما شكل نوعًا من الحماية لنظامه من الإدانة الدولية، وقدم له الضوء الأخضر ليسير على جثث السوريين، فإنه سيشكل خطرًا داهمًا على هذا النظام في المستقبل المنظور، فهذا الفيتو شكل استفزازًا للقوى الكبرى، خصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، لكونهما اعتبرا الأمر لطمة من موسكو وبكين لا يمكن تمريرها، مما سيدفعهما لمحاولة رد الصاع صاعين للأسد وحليفيْه الرئيسين، وتبني زمام المبادرة مجددًا، وتوصيل رسالة مفادها أن الدعم المقدم لسفاح حمص لن يوفر للأسد أبدًا طوق نجاة من المحاسبة الدولية على جرائم نظامه.
وربما ستأخذ هذه المحاسبة أشكالًا عدة، منها السياسي ومنها والدبلوماسي، وصولًا إلى الشق العسكري، وهي خطوات بدأت القوى الكبرى في تنفيذها على الأرض، فالدعوة لتشكيل مجموعة أصدقاء سوريا وتدشين أولى فعالياتها في تونس، ستصعد من الضغوط على النظام السوري، فربما تقدم على خطوة دراماتيكية بالاعتراف بالمجلس الوطني السوري، وهي خطوة ستزلزل الأسد الابن، وستنزع عنه أية شرعية، بل ستحول الأسد من اللاعب الوحيد في الساحة السورية إلى مجرد متنازع على السيطرة على الأوضاع، بل إن الأمر قد يتجاوز ذلك إلى تقديم دعم عسكري للجيش السوري الحر، وهو ما قد يخلط الأوراق داخل الساحة السورية، ويقرب من سقوط النظام.
خطوات دراماتيكية:
ولا يتوقف الأمر عن هذا الحد، فقد يصل الاستفزاز الروسي الصيني بالمجتمع الدولي لإقرار عدد من المقترحات الدراماتيكية، فقد طالب وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه بإنشاء ممرات آمنة لحماية المدنيين السوريين من عصف قوات الأسد، وهو مقترح، رغم أن ظاهره حماية المدنيين إلا أنه يحمل في طياته أمورًا لا تسر النظام العلوي كثيرًا، فربما يقدم إشارة على اقتراب السيناريو الليبي من سوريا، وإن كان بشكل أقل حدة، عبر فرض حظر جوي على سوريا يمنع تسرب الدعم العسكري القادم من روسيا والصين، فضلًا عن لبنان وإيران، ويفتح الباب على مصراعيه أمام سيناريو ذي إبعاد معقدة، قد تحسم الصراع بشكل أسرع من المتوقع.
ولا شك أن الضغوط تصاعدت ضد النظام السوري مع الموقف المتشدد الذي تبنته دول الخليج العربي منه، لاسيما مع وضعها شروطًا على الحكومة العراقية الالتزام بها إذا أرادت تأمين حضور هذه البلدان القمة العربية المقرر استضافتها في العاصمة بغداد الشهر المقبل، حيث طالبت بلدان الخليج نوري المالكي بعدم توجيه دعوة لبشار الأسد لحضور القمة، وهي المطالب التي قد تجد آذانًا صاغية لدى بغداد، في ظل حرصها على تأمين جميع سبل النجاح للقمة، باعتبارها أداة لإسباغ المشروعية في نهجها الطائفي في إدارة عراق ما بعد الاحتلال.
انتخابات رئاسية:
يزيد من الصعوبات والضغوط على النظام أن صمود الشعب السوري واستمرار جذوة الثورة مشتعلة يفاقم من وضعية النظام، لاسيما مع اقتراب انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة وفرنسا، وحاجة كل من باراك أوباما ونيكولا ساركوزي لإنجاز كبير قد يرجح كفتهم في المعركة الصعبة التي يخوضونها، بالتالي فليس أمامهما من خيار غير التصعيد ضد نظام بشار حتى لو استدعى ذلك التدخل العسكري، بعيدًا عن يافطة مجلس الأمن إذا ما استمرت موسكو في استخدام الفيتو لحماية حليفها.
وفي هذا السياق اعتبرت خطوة اللجوء للجمعية العامة للأمم المتحدة، وانتزاع موافقتها على مشروع القرار العربي بخصوص سوريا الذي أخفقت هذه الدول في تمريره داخل مجلس الأمن.. اعتبرت جزءًا من حملة الضغوط المستمرة على الأسد، فمشروع القرار الذي يتحدث عن وقف العنف والدخول في حوار وطني وصولًا لدعوة بشار للتنحي ومغادرة السلطة ما هو إلا مقدمة لتدويل الأزمة السورية، بعد إخفاق الجامعة العربية في توفير حل إقليمي للأزمة، فضلًا عن رفض الأسد بشكل حاسم مسألة نشر قوات دولية لحماية المدنيين، مما يجعل البلاد مقدمة على خيارات مرة، قد يكون من بينها احتمال اشتعال حرب أهلية، وبروز خيار التقسيم إذا استمر الأسد على مكابرته وعناده.
ومما يجعل خيار التدخل الدولي متاحًا، وإن حاول البعض النأي بهذا التدخل عن السيناريو الليبي، أن أغلب بلدان جامعة الدول العربية لم تعد تقبل باستمرار الأسد، جملة وتفصيلاً، ولا تثق في أي وعود يقطعها على نفسه، ومنها مثلًا الدعوة لاستفتاء عام على الدستور الجديد في السادس والعشرين من الشهر الحالي، وهي دعوة قوبلت باستهزاء وسخرية من كل عواصم القرار الدولي، وذلك واجهت الدعوة للمعارضة للدخول في حوار يقوده نائب رئيس الوزراء فاروق الشرع نفس هذا المصير، حيث لم تعد المعارضة تقبل بمثل هذه الحلول الجزئية.
تدخل إيراني:
ولكن ورغم الحديث عن اقتراب نذر الحديث عن تدخل دولي وعسكري ضد نظام الأسد إلا أن الأمر قد لا يبدو سهلًا، فالمخاوف من اشتعال حرب إقليمية كبرى يبدو واضحًا، بل قد يؤخر قضية التدويل لأجل غير مسمى، في ضوء دخول بارجتين عسكريتين إيرانيتين للمياه الإقليمية السورية، في إعلان واضح وصريح على رفض إيران للمساس بالنظام السوري، وهو مسعى دعمته إيران عبر الانتشار المكثف لفيلق القدس في الأراضي السورية لقمع الثورة، وتورط عناصر حزب الله في الحرب على ثوار حمص وحماة، وهو نهج يوضح أن النظام السوري قد ألقى بكل ثقله لدحر الثورة.
من المهم الإشارة أيضًا إلى أن قرب سوريا من الكيان الصهيوني، والمخاوف من احتمال أن تتضرر إسرائيل بأي شكل من الأشكال من اندلاع صراع عسكري في المنطقة، ودخول إيران على خط الأزمة، قد يوفر طوق نجاة للنظام السوري، وقد يتيح الاستمرار في السلطة لفترة تطول أو تقصر، إلا أنه لا يمنح أي فرصة للاستمرار في السلطة بشكل يؤيد -كما يحلم ويردد- وجود مؤامرة لتقسيم البلاد، أو مزاعمه بمواجهة عصابات مسلحة داخل المدن السورية.
الدائرة تضيق:
لذا؛ فمن البديهي الإشارة إلى أن الدائرة بدأت تضيق بشدة على النظام السوري في ضوء المساعي الحثيثة من قبل الدبلوماسية الفرنسية للعودة مجددًا إلى مجلس الأمن لانتزاع قرار بإدانة الأسد، وتكثيفها الضغوط على الدب الروسي للتراجع ولو قليلًا عن دعم بشار، وهو أمر قد لا يكتب له النجاح حاليًا، إلا أن التجارب التاريخية الخاصة بروسيا داخل مجلس الأمن تشير إلى عدم قدرتها على التمسك بمواقفها حتى النهاية، بل وبإمكانية التراجع عن هذه المواقف، إذا قدم لها الغرب ما يسيل به لعابها، أو يضمن الحفاظ على مصالحها.
وإلى أن يتم ذلك فليس أمام الشعب السوري إلا مواجهة إجرام الآلة الأمنية لنظام الأسد بمزيد من الصمود، لكون هذا الصمود يتزامن مع تصاعد الضغوط الدولية، التي بدأت مع سيل من الاقتراحات الدولية الخاصة بفرض حظر جوي ومناطق آمنة للمدنيين ونشر قوات عربية ودولية داخل المدن السورية، وهي خطوات ستكتب في حالة تنفيذها على الأرض شهادة وفاة بشار وأركان نظامه، إن عاجلًا أو آجلًا.

المصدر: الإسلام اليوم 

المصادر: