في تونس للصداقة معاني أخرى

الكاتب : شريف عبد العزيز الزهيري
التاريخ : ٢٦ ٢٠١٢ م

المشاهدات : 3111


في تونس للصداقة معاني أخرى

في لافتة معبرة رفعتها إحدى حرائر سوريا يوم الجمعة الماضية وفي نفس انعقاد مؤتمر أصدقاء سوريا في العاصمة التونسية، كتبت عليها "اقتلوني ولكن يرحل"، وهي بذلك قد اختصرت الثورة السورية ولخصت هدفها في مطلب واحد وهو رحيل النظام الأسدي المستبد الملطخة يداه بدماء عشرات الآلاف من السوريين الأبرياء المطالبين بالحرية والعدل، مهما كانت تكلفة وباهظة هذا الرحيل، وهذا يعني حقيقية واحدة؛ وهي أن أي حل دون ذلك الرحيل مرفوض جملة وتفصيلاً من الشعب السوري، وهذه الحقيقة يعلمها المجتمع الدولي جيدا ولكنه يتجاهلها ويتعامى عنها، في تواطؤ دولي وإقليمي مرير على ما يجري في سوريا.


عناوين براقة ومضامين فارغة:

لا ألفينّك بعد الموت تندبني *** وفي حياتي ما بلغتني زادي

هذا البيت المرير من عيون الشعر العربي، وهو ملخص مؤتمر أصدقاء سوريا الذي عقد بالعاصمة تونس يوم الجمعة 24 فبراير بحضور سبعين دولة عربية وأجنبية وبغياب متوقع من روسيا والصين ولبنان وبحضور المجلس الوطني السوري المعارض، لمناقشة سبل علاج المشكلة السورية المتفاقمة والتي وصلت لحد لا يتصوره عقل بسقوط قرابة المائة قتيل يومياً في سوريا، وذلك في أعقاب الفشل الدولي في استصدار قرار من الأمم المتحدة ومجلس الأمن بسبب الفيتو الروسي الصيني المزدوج.
المؤتمر الذي عقد ليوم واحد! تحت عنوان براق وآمال كبيرة من منسقيه، كان أشبه ما يكون بمعسكر تدريبي على فنون الخطابة والكلام المعسول الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، جاء خالياً من أي مضامين حتى ولو كانت شعارات جوفاء، حيث تكلم العديد من الزعماء والمسئولين عن الأزمة السورية توصيفاً وتنظيراً دون وضع أيه حلول عملية نحو الخروج من هذه الأزمة بحل يرضي الشعب السوري المطحون بين رحى النظام الأسدي المجنون والتواطؤ الغربي المرير، وبقراءة مقررات المؤتمر وتوصياته نجد أن أصدقاء سوريا قد برهنوا على أن للصداقة معاني أخرى غير تلك التي عرفها الناس وتربوا عليها، ونستطيع أن نخلص لعدة نتائج من هذا المؤتمر الفاشل الذي يضاف لسجل المحاولات الفاشلة –عمداً- نحو الأزمة السورية بعدة أمور منها:
1ـ أن العرب قد بان عجزهم الكامل نحو التعامل الجدي والواقعي مع هذه الأزمة السورية، وبان أيضاً تخبطهم الشديد في توصيف علاجها، ففي الوقت الذي تبارى فيه المتكلمون في رثاء شهداء سوريا ومصابيها ومعتقليها، والتعهد بتقديم الإمدادات والمساعدات الغذائية والدوائية للمحاصرين في سوريا، وتوجيه اللوم للنظام السوري ومطالبته الخجولة بالرحيل كما جاء على لسان الرئيس التونسي "المنصف المرزوقي" ووزير الخارجية القطري "حمد بن خليفة"، وهو أيضاً رئيس الدورة الحالية للجامعة العربية والذي ناشد واستعطف الطاغية بشار -على أساس أنه عنده قلب أو مشاعر مثل سائر البشر- بعبارات رقيقة لعله يرحل، إذ قال له: "من هنا أوجه رسالة للحكومة السورية وللرئيس بشار الأسد، هل تريدون حكم سورية فوق هذه الأشلاء والاستمرار في تدمير سورية من أجل التشبث بالحكم، لا بدّ أن تتخذ القيادة السورية قراراً شجاعاً وتحسم أمرها لصالح الشعب السوري"، رغم هذه المطالب بالرحيل إلا أنهم في نفس الوقت أكدوا على رفضهم القاطع لفكرة التدخل العسكري لنجدة أهل سوريا، رغم علمهم التام بأنه السبيل الوحيد لعلاج هذه الأزمة الإنسانية المتفاقمة، وكم كان "المنصف المرزوقي" متناقضاً فيما قاله حول رفضه للتدخل العسكري، إذ قال: "أن نكون أصدقاء حقيقيين لسورية يعني أن نحقن أكبر قدر من الدماء، وهذا لا يكون بالتصعيد العسكري سواء تعلق الأمر بتسليح جزء من السوريين ضد السوريين أو بتدخل عسكري من أي طرف". وهكذا بخبطة قول ساوى بين الجلاد والضحية، ساوى بين الشعب الأعزل المحاصر الذي يقتل منه كل يوم قرابة المائة وهم في البيوت والطرقات، وبين الطاغية بجيشه الجرار والمدعوم بمليشيات البلطجية والمسلح بالسلاح الروسي، ومن قبل ذلك العجز العربي والتواطؤ الغربي!، وهو نفس الأسلوب الذي كان يتعامل به الغرب بهيئاته ومؤسساته الدولية المسيسة مع القضية الفلسطينية ومساواته بين الضحايا الفلسطينيين والجناة الصهاينة، لذلك كم كان جريئاً وشجاعاً وواضحاً مندوب العربية السعودية ووزير الخارجية السعودي الأمير "سعود الفيصل"، عندما صرح بأن النظام السوري فقد شرعيته وأصبح أشبه بسلطة احتلال -عبارة موفقة ودقيقة للغاية-، وإن التركيز على المساعدات الإنسانية للسوريين لا يكفي، ثم تساءل هل من الإنسانية أن نكتفي بتقديم الطعام والدواء والكساء للسوريين ثم نتركهم لآلة لا ترحم؟ ثم توج كلماته بموقف عملي يحمد عليه، عندما انسحب من المؤتمر احتجاجاً على عدم فعاليات قراراته وتوجهاته وعدم جديته.
2ـ أن التواطؤ الغربي قد أصبح مفضوحاً ومكشوفاً لرجل الشارع العادي ناهيك عن الساسة والعقلاء، فالغرب يستطيع أن يضع روشتة علاج سريعة وعاجلة أن توافرت عنده النية لذلك، وأدناها أن يقوم بتسليح المعارضة السورية وخاصة جيش سوريا الحر الذي أثبت قدرته على توجيه ضربات مؤثرة للجيش السوري المتداعي، وهو بذلك ينأى بنفسه عن التورط في المستنقع السوري وتحمل تكلفة قد يراها باهظة لأزمة لا تستحق كل هذا العناء! ولكن الأحداث والوقائع أثبتت أن الرضا الغربي عموماً والأمريكي خصوصاً عما يقوم به جزار سوريا ومجرمها أكبر من أي محاولة عربية أو إقليمية أو حتى دولية لإنقاذ الشعب السوري، ففي الوقت الذي تتدفق المساعدات العسكرية والمالية السخية من إيران -المعاقبة دولياً- ويدخل خمس عشرة ألف من قوات الحرس الثوري إلى سوريا لذبح السوريين ومنع انهيار النظام الأسدي، ناهيك عن صنائع إيران في العراق ولبنان -جيش المهدي وحزب الله الشيعي-، والذين دخلت مليشياتهم بقوة على الساحة السورية منذ بداية الثورة، وتمخر سفنها الحربية الممرات البحرية الدولية التي لا بدّ لها من المرور على السواحل التي يسيطر عليها الكيان الصهيوني الغاصب الذي ملأ الدنيا ضجيجاً باستعداده لضرب إيران، تمر السفن بكل حرية وأمان لنقل السلاح إلى حاكم دمشق، وتقوم بالتشويش على اتصالات المعارضة وترصد تحركات الجيش الحر، كل ذلك يحدث تحت سمع وبصر الأقمار الصناعية المتطورة وطائرات الأواكس التي ترصد 400 هدف في الثانية الواحدة والمخابرات الأمريكية والانجليزية والفرنسية.. إلخ، ولا تحرك ساكناً ولا حتى تدين هذه الإمدادات الهائلة التي تمد شرايين نظام يتلذذ بذبح شعبه!، وبطريقة لا تكشف فقط عن تواطؤ الغرب على ذبح السوريين، ولكن عن كذب ونفاق الغرب خاصة أمريكا وإسرائيل فيما يتعلق بدولة الشر المجوسي؛ إيران، فما تهديدات أمريكا وأوروبا والصهاينة إلا مسرحية هزلية تكرر في كل عام مرة أو مرتين، لم تعد تنطلي إلا على البلهاء الذين ظنوا أن الغرب يوماً سيردع الإيرانيين عن عبثهم بأمن المنطقة، بل إن الأمر ربما يكون أخطر من ذلك إذا صحت الأنباء التي تسربت عن نية أمريكا على تطبيق النموذج الكوسوفي على سوريا، وهو ما سيؤدي حتماً لتمزيق سوريا إلى كيانات طائفية ودويلات صغيرة تفاقم معاناة العرب والمسلمين أكثر فأكثر.
3ـ أن السوريين بعد نتائج هذا المؤتمر الفاشل قد رسخت قناعاتهم بأنه لا ناصر لهم على الحقيقة إلا الله - عز وجل -، وهو ما يعتبر بحق بداية الطريق إلى النصر، حيث فرغت قلوبهم انقطعت آمالهم من سوى الله - تعالى -، فأهل سوريا قد خانتهم كل أنظمة الأرض تقريباً من عرب ومن عجم، ولم يبق لهم بعد الله - تعالى - سوى سواعدهم وعزائمهم، والذي يحتاجه الشعب السوري اليوم هو أيدلوجية جديدة يعيد بها شحن ثورته من جديد، ويصحح مسارها بعد أن كثر فيها الدغل والدخن ودب فيها الوهن، بحيث تنصهر ثورته وتسبك في إطار واحد لا يكون فيها مكان لطلاب الدنيا والباحثين عن المناصب ومتخاذلي أنصاف الحلول وتجار المعارضة وزبائن الفضائيات، عندها وعندها فقط نقول للسوريين: هنيئاً لكم الحرية ويحتفل الشرفاء في كل مكان بصلاة جمعة الحرية الأولى في الجامع الأموي تماماً مثلما احتفل صلاح الدين بفتح بيت المقدس بعد طهره من الصليبيين بخطبة الفتح في 4 شعبان سنة 583 هـ، ومن يدري لعلها تكون في 4 شعبان المقبل أو أقرب، ولا عزاء يومها لأصدقاء سوريا -أقصد بشار- من عرب ومن عجم.

المصدر: مفكرة الإسلام

المصادر: