الرابطة الطبيّة: صَرْحٌ ثوري عظيم

الكاتب : مجاهد مأمون ديرانية
التاريخ : ٢٢ ٢٠١٢ م

المشاهدات : 2807


الرابطة الطبيّة: صَرْحٌ ثوري عظيم

رسائل الثورة السورية المباركة (84): الرابطة الطبيّة: صَرْحٌ ثوري عظيم

ليس من عادتي أن أمدح شخصاً أو جماعة، فإن هذه المقالات ما أُنشِئَت إلا للثورة ولا يحقّ لي أن أثني فيها على أحد بعينه، لكني سأخالف القاعدة في هذه المقالة فأخصصها لتعريف القراء بصرح ثوري عظيم، هو الرابطة الطبية، بشقَّيها: "الرابطة الطبية للمغتربين السوريين" التي تتحرك في الغربة والشتات، وامتدادها الذي يضم "اتحاد الأطباء الأحرار" وغيره من الهيئات الطبية العاملة داخل سوريا المحتلّة، لأن هذه الرابطة هي -فيما أرى- أفضل وأكمل نموذج من نماذج العمل الجماعي الثوري السوري، وقد بلغَت مبلغاً كبيراً من التنظيم فصارت تضم جيشاً من الأطباء ينتشرون في عدد من القارات، في الأردن ودول الخليج وسواها من الدول العربية، وفي تركيا وبعض دول أوروبا وأمريكا الشمالية، ولا أعرف عملاً من أعمال الثورة اجتمع أصحابُه في كيان واحد ونَجَوا من علّة التحزب والتعدد والاختلاف إلا العمل الطبي ممثلاً بهذه الرابطة.
* * *


منذ البداية كشف النظام المجرم عن خطة من أخبث الخطط وأكثرها شراً، فهو لم يحرص فقط على استهداف ثوار الحرية مُوقعاً فيهم جرحى وشهداء، بل حرص أيضاً -وبشراسة أشدّ- على حرمان الجرحى والمصابين من العلاج، إمّا لتكون جراحهم طريقاً إلى الموت، أو لتكون باباً من أبواب العذاب.
تلك الخطة نقلت -تلقائياً- الجهازَ الطبي المستقل والمحايد إلى صف الأعداء، فبما أن الأطباء -وسائر الطاقم الطبي من مسعفين وممرضين- تأبى عليهم ضمائرهم الحرة -فضلاً عن مهنتهم النبيلة- إلا أن يبذلوا غاية الجهد في الإسعاف والعلاج، وبما أن إسعافَ مصابي الثورة وعلاجَهم جريمةٌ في عرف النظام المجرم، فقد صار الأطباء والممرضون والمسعفون الأحرار مجرمين! ولم يكن غريباً أن يصيبهم من القمع والتنكيل الكثير، حتى قارب عدد شهدائهم الأربعين وزاد عدد معتقليهم على المئتين، وما زال النظام المجرم يصعّد هجمته الشرسة على أولئك الأحرار حتى بلغ عدد من اعتُقل منهم في الأسبوع الأخير وحدَه سبعة عشر طبيباً، بالإضافة إلى بعض الشهداء، عليهم رحمة الله.
لقد صارت مهنة الطب في سوريا باباً من أبواب الشهادة، فما أكثر الذي استشهدوا من الأطباء والمسعفين، منهم من عرفناهم بأسمائهم، كطبيب حماة الشهيد إبراهيم ناهل عثمان، وممرضة الضُمَير الشهيدة مها حسن عرفات، ومنهم من لم نعرف، كالأبطال الثلاثة الذين استُشهدوا هذا الأسبوع وهم ينقلون الدواء. أولئك الأبطال، ناقلو الدواء، جنودٌ مغمورون في جيش الثورة، لو لم نعرفهم فإن الله يعرفهم، أسأله -عزّ وتبارك- أن يحفظهم من كل سوء وأن يجزل لهم الثواب.
* * *
إن الطب هو أكثر المهن استهلاكاً لأصحابها، لأن الطبيب يتعامل مع أحياء لا مع جوامد، فهو مضطر إلى متابعة حالة المريض باستمرار والاستجابة لنداء الطوارئ في أي وقت من ليل أو نهار، ومع ذلك فقد رأيت من أطبّاء "الرابطة" الذين أعرفهم نشاطاً وهمّة يثيران الإعجاب، فإنهم في عمل دائم وحركة متصلة منذ شهور طوال، لا يتعبون ولا يَفتُرون، لا يكاد الواحد منهم يَؤوب من سفر حتى يعود إلى سفر، يجهّزون المشافي ويؤمّنون المعدات ويوفّرون الأدوية ويعالجون المرضى والمصابين في دول الجوار، كل ذلك تطوعاً واحتساباً، وفوقه زيادة، فإنهم قد ألزموا أنفسهم بتخصيص جزء من مواردهم المالية لهذا العمل الإنساني النبيل.
إنهم من جنود الثورة الأخفياء، بل إنهم من أكثر جنود الثورة فائدة للثورة؛ لن تعرفوهم بأسمائهم لتشكروهم فادعوا لهم بظهر الغيب، ولئن لم تعرفوهم فإن الله يعرفهم وهو أعلم بأعمالهم، ولا تضيع عند الله ذرة فما فوقها من عمل صادق مخلص؛ يوم الجزاء يجدون أعمالهم في الميزان -إن شاء الله-. ولقد بلغت الحماسة وبلغ الإخلاص بأحدهم أنه استقلّ ذلك الجهد الخيّر -على عظمته وكبير نفعه للثورة- وأبى إلا أن يكرّس نفسه لعلاج الجرحى في الميدان، قال: أريد أن أذهب ولا أعود… وهو اليوم في حمص يداوي الجرحى تحت القصف، الله يعلم أيعود حياً أم يُستشهد في جملة الشهداء.
* * *
على أن من واجبنا أن لا نترك أولئك المحاربين الأبطال وحدهم، فماذا نستطيع أن نفعل لمساعدتهم؟ أحسب أننا نستطيع أن نفعل الكثير، ولا سيما أبناء الغربة والشتات الذين حُرموا من المشاركة المباشرة في الثورة على الأرض، فليشاركوا في هذا العمل الإغاثي الجليل، وهذه بعض أبواب المساعدة الممكنة:
(1) إن القطاع الطبي من أكثر القطاعات جوهريةً وأهمية في قدرة الثورة على الاستمرار والبقاء، وهو قطاع مستهلِك، ففي غياب الرعاية الطبية الرسمية -حيث تحولت المشافي إلى معتقلات ومسالخ- صارت المشافي الميدانية ضرورة من ضرورات الحياة. وقد علم العدو أهميتها ودورها في مدّ الثورة بأسباب الصبر والبقاء فجعلها في رأس أهداف حملاته الباغية، وما نزال نسمع عن تدمير مشافٍ ميدانية في حمص وحماة وإدلب ودرعا وريف دمشق، وكل واحد منها يحتاج إلى إعادة بناء، وهو يكلّف نحواً من أربعين ألف دولار. فضلاً عن الأدوية والمستلزمات الطبية -الشاش والأربطة وخيوط الجراحة وأكياس الدم وما في حكمها-، وهي تستهلك الكثير من المال بسبب الحجم الهائل للإصابات في المناطق المنكوبة.
إذن؛ فإن المال هو أول ما يستطيع أي واحد منا أن يساهم به، يستوي في ذلك السوري وغير السوري، وللرابطة حساب رسمي مسجّل في فرنسا يستطيع من شاء التحويل إليه ولا بأس عليه، لأنه عمل إغاثي طبي مشروع –برأيهم- لا ينكره أحد. هذا هو اسم الحساب ورقمه:
AMDES
IBAN FR76-3000-3037-2000-0505-9225-626

(2) ربما يكون قد اقترب اليوم الذي تُعلَن فيه حالة الإغاثة الطبية الكارثية لإسعاف مصابي الثورة السورية في مخيمات طبية إسعافية في المناطق الحدودية العازلة، وعندها يستطيع من شاء من الأطباء -من السوريين ومن غير السوريين- أن يتبرع بوقته فيشارك بنفسه في تلك المخيمات.
وقد علمت أن الرابطة تسعى الآن للحصول على الإذن من بعض دول الجوار، بحيث يستطيع الأطباء السوريون تقديم خدمتهم إلى اللاجئين وإجراء العمليات للمصابين والجرحى منهم، ويبدو أن الإذن وشيك أو أنه قد صدر فعلاً في تركيا والأردن كما سمعت، وإذن فإن الباب صار مفتوحاً -أو يوشك- لمن أراد من الأطباء أن يتبرع ببعض وقته، أسبوع أو أسبوعين، حيث يمكنه أن يساهم في علاج مصابي الثورة الذين نُقلوا إلى تلك البلدان، ولعل أشد الحاجة وأمسّها هي إلى الجراحين، ولا سيما جرّاحي العظام والأعصاب. من شاء المساهمة فليتواصل مع الرابطة على موقعها الرسمي أو صفحتها الفسبوكية.
(3) الكتّاب والإعلاميون يستطيعون تقديم المساعدة بنشر أخبار الرابطة في بلدانهم باللغات المختلفة، وسوف يساهمون في تحريك الرأي العام -ولا سيما في البلدان الغربية- بالتركيز على أخبار الانتهاكات والجرائم التي يرتكبها النظام بحق المشافي والمرضى والأطباء على السواء. إن التركيز المتكرر على تلك الجرائم مفيد جداً لأن المستقرّ في ضمائر الغربيين هو احترام المهنة ومراعاة آدابها وقواعدها وتحييد الكوادر الطبية ومنشآتها في زمن الحروب، وهذه النظرة الخاصة عندهم هي التي سهّلت إنشاء منظمات طبية عالمية بدأت في الغرب وانتشرت في بقية دول العالم، كالصليب الأحمر ومنظمة أطباء بلا حدود.
قرأت فيما قرأت عن الحرب العالمية الثانية أن طبرق كانت تقع على خط الصراع فاصلةً بين منطقة النفوذ البريطاني شرقها والنفوذ الألماني غربها، وبسبب موقعها ذاك فقد تعاقب عليها الطرفان مرات عديدة، فكانت كلها ساحة حرب إلا المستشفى الذي أنشأه البريطانيون، فقد استمر يتابع عمله طول الوقت غيرَ عابئ بالحرب التي تجري خارجه ومن حوله. ذات مرة وفي جولة من جولات الغلبة الألمانية دخل الجنرال رومل إلى المستشفى البريطاني الذي كان يستقبل ويعالج جرحى الطرفين، قال الراوي: خيّم الصمت على الجميع حينما ظهر بالباب الجنرال الشهير المرهوب، وراح يحدّق إلى أسرّة الجرحى، ثم دنا من جندي ألماني جريح وسأله سؤالاً مقتضباً وأصغى إلى ردّه بانتباه، ثم راح يمشي بين صفوف الأسرّة ويسأل غيره من الجرحى الألمان، وأخيراً أومأ إلى الضابط البريطاني وقال: "يخبرني رجالي أن علاجهم لا يختلف عن علاج جرحاكم البريطانيين، وأن الأدوية آخذة بالنفاد. سآمر بإرسال كل ما تحتاجون إليه من الأدوية ولوازم العلاج، فاستمروا في عملكم ولن يزعجكم أحد". وتم ما وعد به، وبقي المستشفى سالماً لم يمسّه أحد، يقدم خدماته للطرفين في النصر والهزيمة على السواء.
رويت هذه القصة لأؤكد المنزلة العالية التي يحظى بها الجهاز الطبي في العالم الغربي وما تعارف عليه القوم هناك من تحييد العاملين في هذا القطاع في أزمنة الحرب، وهذه النقطة تصلح قاعدة لحملة عالمية -متعددة اللغات- من شأنها أن تقدّم للثورة خدمة عامة وتزيد وضع النظام سوءاً في الإعلام الغربي، وتقدم خدمة خاصة لضحايا النظام من الأطباء المعتقَلين، حيث تدعم حملات دولية -في أوروبا وأمريكا وحتى في روسيا نفسها- للضغط على النظام ضغطاً مركّزاً في سبيل إطلاق سراح الأطباء وضمان سلامتهم من أي اعتقال لاحق.
* * *
يا أيها الناس، يا أهل الخير، يا عرب، يا مسلمون:
ادعموا هذه الرابطة بما تستطيعون، ادعموها اليوم قبل الغد، بل ادعموها اليوم وغداً وغداة الغد، فإن التبرع -ولو بالقليل- قد يكون فيصلاً بين الحياة والموت بالنسبة لإخوانكم من أهل سوريا المنكوبين. يا من حُرم المشاركةَ في الثورة على أرض الثورة، ها هي الفرصة تدق بابك لتكون من أهل الثورة ومن جُند الثورة، فلا تضيّعها، أكرِمْ بها من فرصة وأعظِمْ بثوابها من ثواب.

المصدر: الزلزال السوري

المصادر: