مقارنة بالكويت وليبيا.. فرضية التدخل في سوريا

الكاتب : أمير سعيد
التاريخ : ٢٥ ٢٠١٢ م

المشاهدات : 10422


مقارنة بالكويت وليبيا.. فرضية التدخل في سوريا

أعفى الجيش السوري الحر كثيراً من المدافعين عن الثورة السورية من حرج الحديث دفاعاً عن مبررات طلب "الحماية الدولية" بإطلاقه مصطلح "جيش الاحتلال" على الجيش الأسدي الموالي لنظامه؛ حيث وضع النقاط فوق الحروف في نقاش طلب الحماية، معيداً التذكير بأن من يذبح السوريين اليوم ليس إلا قوة حماية دولية للكيان الصهيوني، وهي لا تعدو إلا أن تكون قوة احتلال، لكنها تحمل - أحياناً - أسماءً عربية وأهواء لا تمت للعروبة ولا هوية السوريين بمثقال ذرة من خردل.
في الكويت، في زمن الغزو العراقي، كانت مبررات استقدام جيوش أجنبية لها بريق لدى كثيرين، برغم معارضة قوية بدت من نخبة وأهل رأي وعلماء، وكان الوضع جد مختلف عن الحالة السورية، إذ لم تطلب القوى الثورية بتنوعها السياسي والعسكري في سوريا بقوات "تحرير" أجنبية، ولا استقدام جيوش، ولا حتى ضربات جوية نوعية وإستراتيجية، بل طلبت محض حماية دولية وحظراً، كما أن قوات صدام لم تكن تماثل أبداً عصابات بشار برغم كل تجاوزات قوات الرئيس العراقي الراحل، وكان الخلاف بالأساس اقتصادياً بين البلدين؛ فيما يتعلق الأمر في سوريا بوأد الحرية ومنع شعب حر من الحصول على استقلاله عن التبعية لطهران أو الخضوع لرغبات تل أبيب.
وفي الحالة العراقية، وقف العالم كله ضد صدام حسين بينما تواطأ بشكل مريب مع نظام بشار الدموي، وظل إحجام الدول الغربية عن التدخل لمنع قتل المدنيين ووقف الإبادة وكل الجرائم المرتكبة بحق الإنسانية دليلاً دامغاً على طهر هذه الثورة واستقلال قرارها الوطني عن كل تأثير خارجي بدا أكثر "تفهماً" لجرائم بشار وميليشياته الطائفية، ولا يجذبنا الحديث نحو مسألة النفط، فسوريا أكثر أهمية بكثير بالنسبة لأمن الكيان الصهيوني من دولة الكويت، وإذا كان الأمريكيون قد غزو العراق من أجل أمن "إسرائيل" والنفط؛ فإنهم أبدوا مرونة فيما بعد في قضية النفط، فيما رفضوا الخروج من العراق إلا بعد الاطمئنان الكامل على تغيير عقيدة الجيش العراقي وضعف تسليحه وبناه المفكك وولائه لطهران.
وأمن "إسرائيل"، دعونا نكن واضحين في ذلك، صار مهدداً الآن، ليس بهذه الثورة السلمية العظيمة وحدها، وإنما لاحتمال خروج الانشقاق الحاصل في الجيش السوري عن السيطرة.. لنتذكر أن ما تم في ليبيا قد أخذ أطواراً متعاقبة فيما يخص العمل العسكري، أهمها وأوسطها زمنياً الدعم الذي تلقاه القذافي للزحف على بنغازي والاقتراب لحد التهديد بارتكاب مجزرة مروعة في المدينة الثانية في البلاد من حيث تعداد السكان، ثم جاء قرار التدخل العسكري في تلك النقطة الحرجة/ الأوفر حظاً في التأثير على الثوار العسكريين، وأخذ ضمانات مفصلية لدرجة الابتزاز من المجلس الانتقالي، ومثل هذا ربما سينسحب على الحالة السورية؛ حيث ترتفع درجة الحديث عن اقتراب التدخل الخارجي كلما علت وتيرة النجاح النسبي للجيش السوري الحر، والأخطر زيادة معدل الانشقاقات للحد الذي قد يصل فجأة بها إلى درجة الانهيار المفاجئ للنظام العسكري الذي يديره المتعهدون بـأمن "إسرائيل" في دمشق.
والغرب ومراقبوه العرب لا يزعجهم كثيراً تأكد الهواجس لدى الشعوب العربية من موقفهم وانكشاف علاقتهم الوثيقة بالنظام السوري وتمسكهم به إلى درجة تفوق بكثير تمسكهم بـ"الكنز الإستراتيجي الإسرائيلي" حسني مبارك، أو رجل واشنطن في الحكم التونسي بن علي، ولا القذافي/حارس أوروبا من الهجرة غير الشرعية، وغيرهم، ولا يقلقهم وجود عشرات الآلاف في سجون بشار ولا مذابحه اليومية ولا مقابره الجماعية.. الخ، إنما يتحسب كثيراً لخروج الأمور عن سيطرته، والخلوص إلى نهاية حزينة لـ"إسرائيل"، تجعل "المتطرفين" على بعد أمتار من حدود فلسطين المغتصبة، وتؤسس لعقيدة جديدة للجيش السوري الجديد (الحر) الذي سيخلف جيشاً انتشر في لبنان، وانسحب في الجولان لتحقيق نظرية الأمن "الصهيونية"..
لذا، ورغم كل التباطؤ في مسألة التدخل الدولي؛ فإن درجة قناعة كثيرين -وأنا منهم- أن مساندة القوى الثورية سواء على الصعيد السياسي أو العسكري ستحصل، لكن حالما يتمكن الجيش السوري الحر من تجاوز العراقيل الحربية واللوجستية ومحاولات شقه وتهميشه، ويقوي بنيته القتالية ويجعل من نفسه نظيراً كفؤًا لعدو يستمد قوته الإضافية من دعم لا محدود من طهران وموسكو.. وهو يمضي حثيثاً وبسرعة متنامية في هذا الاتجاه، ويوشك حقيقة أن يفعل.
حينئذ، وفي الأحداث الأخيرة فيما يتعلق بقراري واشنطن بشأن إغلاق سفارتها في دمشق، وقرار باريس بخصوص قواتها العاملة في أفغانستان، والتصريحات الأخيرة من عواصم غربية وعربية عدة، وأنقرة، إشارات واضحة على أن التخوفات من خروج الأمور عن السيطرة حال انهار الجيش الأسدي، قد بلغت حداً كبيراً، ذاك أن من يرقب الخط البياني لفعالية الجيش السوري الحر يدرك بلا عناء أنه يجسد حالة تختلف عن حالات المقاومة العراقية والأفغانية وغيرها، وأنه وضع قاطرته على سكتها الصحيحة، وتوشك أن تبلغ محطتها الأخيرة.

المصدر: موقع المسلم

المصادر: