الثورة السورية بين العقل والعاطفة

الكاتب : أرفلون نت
التاريخ : ٢٧ ٢٠١١ م

المشاهدات : 7294


الثورة السورية بين العقل والعاطفة

يخرج علينا بين الحين والآخر، بعض من (المثقفين)، ليتهموا (الشعوب) العربية بالرعونة، والانسياق خلف العاطفة، ومجانبة العقل، وأن ما تطلق عليه هذه الشعوب (ثورات) لتشكل مجمل ما يسمى بالربيع العربي، هو في حقيقة الأمر (مؤامرات)، وفي أحسن الأحوال (حالة من التغرير)، وأن مآل هذا الربيع هو إلى شتاء، ويستشهدون بالحالة الليبية للحديث عن الدمار الذي ستعيشه الدولة كأنه كانت توجد في ليبيا دولة، وبالحالة التونسية والمصرية للقول بالتخلف العربي الذي أوصل الإسلاميين للحكم، وكأن مصر وتونس كانتا مرتعاً للتقدم والعدالة.
وكان الافتراق الذي يتحدثون عنه بين العقل والعاطفة، فيعتبرون العقل القوة الدافعة للحكم المنطقي، في حين أن العاطفة هي السيل الذي يجرف العقل ليلقيه بعيداً عن المنطق، وكانت الأحكام العامة الأشد التي تلقنها النخبة وتتحفنا بها وسائل الإعلام؛ بأننا شعوب عاطفية تسوقها مشاعرها ولا تدرك أين تقع مصالحها.
وكانت الفكرة التي تريد (النخبة) بكل أشكالها أن تزرعها هي أن الوعي عند الشعوب، يعيش حالةً من القصور تجعل من إدراك هذه الشعوب (طفولياً، أو بدائياً، ومتخلفاً)، مما يعطي هذه (النخبة) الحق بامتلاك زمام الأمور لإرشاد الخراف الضالة، العاجزة عن الحكم الصحيح والفاقدة للتأهيل اللازم لتولي شأنها.
إن التفجر العاطفي الذي شهدناه على مدى السنة الماضية في سوريا، هو ذروة المحاكمة المنطقية للأمور، وإن الثورة التي نشاهدها اليوم في سوريا هي التجلي العاطفي الأشد، المعّبر عن الفهم العقلي العميق لمنطق الأمور وحقائقها المجردة. وكان أبلغ تجلً لهذا الفهم هو في إعادة التقييم لبعض المسلمات عبر إسقاطها على الواقع، وإعادة التقييم لبعض الشخصيات من منطلق المواقف التي تتخذها وليس من منطلق اللسان الذي تتكلم به.
فقد أصبح الشيخ العرعور الذي هو سلفي للنخاع أكثر ليبراليةً من أدونيس الذي يوصف بأنه ليبرالي، من منطلق مناصرته لحرية الشعب السوري.
وأصبح السيد برهان غليون (المفكر الماركسي) أكثر توحيداً من الشيخ البوطي المتكلم في شؤون العقيدة، من منطلق الفهم لله -عزّ وجل- بأنه الحق.
وأصبح السيد سمير جعجع من رؤوس الممانعة والمقاومة عوضاً عن السيد حسن نصر الله من منطلق وقوفه إلى جانب المظلوم.
وأصبحت إيران ممثلة بنظام الملالي هي العدو الرئيسي لسوريا في هذه المرحلة عوضاً عن إسرائيل من منطلق الدعم الواضح والصريح، فالناس تقتل بالأسلحة الإيرانية والتشويش بمعدات إيرانية، والتمويل يتم بالنفط الإيراني، وذلك على الرغم من الدعم الذي يتلقاه النظام من إسرائيل، وعلى الرغم من (العداء) المعلن والصريح بين إيران وإسرائيل!!
وأصبحت المساجد هي الأكثر (تقدميةً)؛ فمنها تنطلق إرادة التغيير، وأصبحت الأحزاب (التقدمية) هي التمثيل الحي (للرجعية)، فهي التي تقتل للحفاظ على الموروث الذي أوصلنا إلى هذه النقطة.
إن إعادة التعريف للمصطلحات والتقييم المستمر للمفاهيم هو الذي يجعل الفكرة مرتبطة بالواقع، وإنه الذي يجعل منطق الشك في المجهول يقيناً بالرغبة  في زوال الحاضر، وهو الذي يرى بين ركام الجثث بذرة الحياة، إنه الذي يوجد من كل هذا الخوف شجاعة المواجهة، فمن بين سحب اليأس ينبثق شعاع الأمل.
بوركتم وطبتم عسى أن يجعلكم الله من الصالحين، ويورثكم الأرض، إنه عزيز حكيم.

المصادر: