عتّال في سوق الثورة

الكاتب : أنس الدغيم
التاريخ : ٢٢ ٢٠١٦ م

المشاهدات : 2887


 عتّال في سوق الثورة

أنا مواطنٌ عاديّ

لا أعمل في السياسة و لا في العسكرة
و سيرتي الذاتيّة فقيرةٌ جداً بسطورها
ليس فيها أكثر من اسمي و اسم أبي و أمّي و تاريخ الميلاد
و لذلك فإنّني لا أعمل في واحدة من المنظّمات المنتشرة على امتداد سوريا
و التي تطلب للوظيفة أوّل ما تطلب … سيرتك الذاتيّة.

أعملُ عتّالاً في سوق الخضرة
يوميّتي حتّى السّاعة الرابعة مساءً و حتّى الآن 400 ليرة سوريّة على الرغم من تدهور العملة،
و عندما أسمع صوت #المرصد على قبضة #معلّمي اللاسلكية مبشراً بتحرير بلدة أو حاجز
أعتذر من المعلّم عن متابعة العمل و أرجع إلى البيت حاملاً أفخر أنواع التفّاح و الـ ( يوسف أفندي ) و قائلاً في نفسي: (طالعت اليوميّة).
كلّما سمعت #نحنحةَ مؤذّن مسجد حارتنا على مكبّر الصوت أضع يدي على قلبي و أقول ( اللهمّ اجعله خيراً )
و تقول لي أمّ سالم : ما بك يا رجل، أولادنا مثل أولاد الناس، و ليسوا لوحدهم على الجبهات
أقول لها : يا أمّ سالم، إنني أرفع رأسي بكلّ شهيد في هذا البلد و لكنّني أبكي لفقده و لبكاء أمّه،
و أشعر بأنّ رقماً جميلاً قد نقص من رصيد عمري.
في سوق الخضرة
أسمع كلّ يومٍ أكثر من عشرة أسماء لفصائل و حركات و كتائب
و لكنّها لا تنزل أبداً في حسابات الذاكرة عندي
ما يهمّني فقط هو التحرير و التقدّم على الجبهات.
و لا يؤلمني أكثر من أن يُقال : اقتتل الفصيل الفلانيّ مع الفصيل الفلانيّ
و أشعر بأنّ ورقةً بيضاء قد نقصت من دفتر الثورة و رصيدها.
و تمرّ أمام عيني في كلّ يومٍ عشرات الرّايات
منها ما أستطيع قراءة ما كُتب عليه و منها ما لا أستطيع.
كلّها عندي #علم_الثورة الذي كانت تطرّزه أمّ سالم لشباب الحارة قبل مظاهرة يوم الجمعة القادم.
لم أستطع مغادرة بيتي و حارتي التي لم تنمْ ليلةً بغير برميلٍ أو قذيفةٍ أو صاروخ
لأنّ الخيمةَ تكرّس عندي شعورَ الحياة البديلة و العادات البديلة و الوطن البديل.
و تُعجبني حارتي التي لا تربطها أيّ علاقة صداقةٍ مع الأنقاض
فبعد كلّ غارةٍ نجتمع نحن أبناء الحارة لرفع أنقاض الأبنية أو الجدران المنهارة
بالتعاون مع المجلس المحليّ في البلدة و الذي لا يدّخر أعضاؤه جهداً في تقديم يد العون في هذا المجال و في غيره، فرسوم النظافة منّا و منه العمل.
و كلُّنا في الحارة راضون بما يقوم به المعلّمون من تعليمٍ لأبنائنا و ما يتّخذونه من إجراءات السلامة اللّازمة و المعمول بها قدر الإمكان، فلا يجمعون العدد الكبير من الطّلّاب في مكان واحد، و عادة ما يكون المكان هو في الطابق تحت الأرضيّ ( القبو )
و الذي كان أكثر تعاوناً معنا هو ( أبو عبدو ) قائد كتيبة ….
و الذي نقل مقرَّه العسكريّ من بين الدُّور و الأبنية إلى خارج منطقة العمران فورَ أن طلبنا منه ذلك
حتّى لا نترك ذريعةً لعدوٍّ يقول : أنا أقصف الإرهابيّين.
لقد كنّا حريصين كلّ الحرص على أن يوكلَ العملُ الأمنيُّ لمخفر البلدة و الحارة و كان ذلك
فلا مكان للّثام في الحارة و لا للمجاهيل الذين يأتون ليلاً لغاية.
نبتعد عن الصلاة في المساجد ذات المآذن أو القباب الظاهرة
و لا نتبرّع بالدّم في غير بنك الدّم أو المستشفيات القريبة.
أوصي أولادي المجاهدين الثلاثة كلّ يوم:
لا توجّهوا سلاحكم إلى غير صدر عدوّكم
و أطيعوا قائدكم ما أطاع الله فيكم، فإذا طُلِبَ منكم القتال لمصلحة دنيا أو لغاية فصيلٍ فلا تقاتلوا.
و أقول لهم : لا تقاتلوا من أجل المعابر، بل من أجل الشعب المحاصَر.
و لا تقطعوا طريقاً فإنّ الله يرى.
و لا تسرقوا مالاً فإنّ الجهاد أسمى.
أنا أبو سالم
عتّالٌ في سوق الثورة.

المصادر: