مجزرة تلدو.. في ذكراها الثالثة

الكاتب : عبد الملك الصالح
التاريخ : ٢٥ ٢٠١٥ م

المشاهدات : 4201


مجزرة تلدو.. في ذكراها الثالثة

في مثل هذا اليوم قبل ثلاث سنوات مضت، وكان يوم الجمعة الخامس والعشرين من أيار لعام 2012م ذُبِحَت مدينة تلدو بالسكاكين.
خرج الناس من صلاة الجمعة وبدأ الحقد الصهيونصيري ينصبّ على المدينة؛ قذائف دبابات وشيلكا تمشط الحي الجنوبي من المدينة، لا تراعي بيوتاً ولا مساجد ولا مدنيين.

بدأ المقاتلون من أهل الحولة يتوافدون إلى المنطقة لأن القصف كان غريبًا ويخشى أن يحصل مكروه كبير.
استمر القصف بشكل غريب، وتقدم بعض المقاتلين إلى حاجز مفرزة الأمن العسكري وحاصروها فاشتد القصف، واقتحمت الدبابات الطريق الرئيسي وهي تقصف يمينًا ويسارًا.
جاءنا نبأ استشهاد طلال وليد بكور أولاً –رحمه الله وقبله في الشهداء-
وفي الرابعة والربع عصرًا نزلت قذيفة فحصدت أربعة أرواح طاهرة دفعة واحدة
أربعة شبان كانوا يجلسون في حارتنا أمام أحد البيوت.
هرعت أنا وأخي وشباب من الحارة فوجدنا الأشلاء متناثرة، ووجدت أحدهم بلا رأس بالمرة، ووجدت الشهيد السعيد عمار بن عبد الجواد عبارة وفيه رمق، كلمته فلم يرد علي، وكان يشهق، وأنا أتفقد جسمه فلم أجد فيه إلا جرحًا عظيما في أحد فخذيه، فتشت فلم أجد غيره.
لقنته الشهادة، وأنا أقول له: يا ولدي: قل لا إله إلا الله، يا عمار يا حبيبي قل لا إله إلا الله، فلم يستطع لسانه النطق بها، وبعد حين رأيت صورة له على الشبكة، ويده اليمنى الطاهرة في يدي وأنا أحمله، وسبابته تشير بشهادة التوحيد، علمت حينها أنني كنت في عالم وهو في عالم آخر، كنت أتحسر أن لم ينطق باللسان، وأما الجنان فكانت تفيض فيه لا إله إلا الله، وسبابته تشهد لقلبه، وعلمت وأنا أنظر إلى الصورة أننا مغيبون عن عالم الشهداء، وهم شهود في محراب القرب من الله العلي الكبير.
سارعنا بنقلهم إلى المشفى الميداني بسيارة الجار، والقذائف تنهال على رؤوس الناس، ونحن ندعو ربنا: اللهم سلم.
بعد اقتحام شبابنا للمفرزة وتحريرها نزل الشبيحة من فاحل والقبو والشنية وعرقايا وغيرها من قرى النصيرية بقيادة ضابط متقاعد من فاحل إلى الخاصرة الضعيفة لتلدو، إلى جهة سد تلدو، والجيش يغطي لهم برشاشات الشيلكا ليمنع الناس من الاقتراب إلى المنطقة.
نزل بضعة وثلاثون حاقدًا نصيريًا وبدؤوا باقتحام البيوت، يفتح أهل البيت الباب وهم يظنون أن الجيش يريد التفتيش عن المنشقين أو المتخلفين عن خدمة بشار، بينما الأمر على خلاف هذا، كانوا يطلقون النار على أهل البيت كلهم، ويبدؤون بالأطفال أمام أهلهم، يذبحون هذا بالسكين، ويطلقون النار في وجه هذا، حتى حصد حقدهم بضعة عشر ومئة نفسًا زكية بغير ذنب اقترفوه، وبغير جرم أتوه، غير أنهم ممن يقول لا إله إلا الله.
حدثتني امرأة نجت من المجزرة أن الكلاب النصيريين دخلوا بيت ابنها وفي البيت زوجة ابنها وابنتها وسبعة أطفال صغار، فأطلقوا النار على جميعهم -وكانت هي خلف باب جامدة لا تستطيع حراكًا- فذهبوا بأرواح ابنتها وكنتها وسبعة من أحفادها بدقيقة.
بدأت قوات الحقد النصيري مع أول الليل بإطلاق الصواريخ للمرة الأولى على المدينة، كان أمرًا جديدًا علينا، ولم يستطع الناس احتمال البقاء، لا سيما مع عدم وجود قوة كافية لحماية الأهالي من جيش نصيري غادر، فخرج كثير من الناس ليلتها من المدينة باتجاه بلدة طلف وبلدة البرج شرقي المدينة، وباتجاه الشمال إلى مدينة كفرلاها وقرية تلذهب، هرباً من الموت.
لم يبق في حارتنا إلا أنا وعائلتي، وأخي وعائلته، ووالداي وأختي وأولادها، ورجل مسن وامرأته العجوز، فبتنا بشر ليلة في غرفتين ونحن خمسة وثلاثون إنسانًا.
بدأ الناس ممن بقي في المدينة يجمعون جثث الأطفال والرجال والنساء ويذهبون بها إلى براد صناعي في مدينة كفرلاها، وفي اليوم التالي حفروا المقبرة الشهيرة، مقبرة شهداء تلدو، جنوبي جامع الحسين بن علي رضي الله عنه، ليشهد لنا الحسين رضي الله عنه أن من يدّعون حبه كذبًا وزورًا قد قتلوا الأطفال من أتباعه ومحبيه الحقيقيين.
بعد أيام من المجزرة زارت لجنة الأمم المتحدة مدينة تلدو واطلعت على مكاني ارتكاب المجزرة، في ديار آل عبد الرزاق على طريق السد، وفي ديار آل بكور على الطريق الرئيسي للمدينة.
وتبين لهم أن المجزرة لم يرتكبها الثوار، فهم لا يملكون القذائف ولا الصواريخ، ولا يمكن لأحد أن يذبح ابنه أو ابن أخيه في الدين ليتّهم عدوّه بفعل هذا.
الأمم الملحدة كاذبة في كل وعد، ناكثة لكل عهد، وهذا دأبهم دومًا، ولا ينبغي لمسلم أن يركن لمن لن يرضوا عنا حتى نتّبع ملتهم.
مجزرة الحولة ستبقى سبةً على مر الزمان، وعارًا  على كل من يدعي أنه إنسان ولم تحرك فيه كل ذرة باتجاه رفع الظلم العظيم عن أهل سوريا، وعن المسلمين في شرق الأرض وغربها.
مجزرة تلدو، وحق لها أن تسمى هكذا، أقول: إن المسؤولية عنها مشتركة بين بشار وجنده وأعوانه، وبين المتساهلين في حماية حدود المدينة، بل بعضهم وصله خبر أن النصيريين يعدون العدة للنزول على تلدو، لكنهم لم يحركوا ساكنًا، وقد يأتي يوم وأبوح فيه بكل ما لم يُقال حتى الآن.
وأدعو كل من عنده شهادة في هذا أن يوثقها وينشرها، ولا يخاف في الله لومة لائم، فالتاريخ يكتب، والرب يحاسب، ولا إله إلا الله.


المراقبون الدوليون في المسجد الذي صلي على الشهداء فيه
https://www.youtube.com/watch?v=iZlKiKYEPtk#t=10
شهادة إحدى الناجيات من مجزرة الحولة
https://www.youtube.com/watch?v=-pV3dLC5K3I
شهادة العميد المنشق زياد المدني على مجزرة الحولة
https://www.youtube.com/watch?v=PkB5K6Bq3jU
شهادة ناجية
https://www.youtube.com/watch?v=d7mV59pU0MY
أهالي تلدو يدفنون الشهداء
https://www.youtube.com/watch?v=qKLagHi552g

 

 

صور من المجزرة: 

 

 


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصادر: