زيارتي لعمان

الكاتب : أبو منيب
التاريخ : ٢٤ ٢٠١٣ م

المشاهدات : 9455


زيارتي لعمان

زيارتي لعمان من 19 كانون الثاني لغاية 24 ك2 2013
قدمت عمان مساء يوم الجمعة 18 كانون الثاني حاملا معي بعض المساعدات  مالية وعينية من أهل الخير جزاهم الله كل خير.
رأيت أن أكتب لكم ما شهدته أثناء زيارتي لبعض مخيمات اللاجئين السوريين  (وكم أكره استعمال هذا التعبير)، آه مما رأيت وشاهدت، وآه أشد من هول  موقفنا يوم الحساب، يوم السؤال... يوم لا تنفع الأعذار.

 


أكتب ما أكتب علّي أستطيع نقل بعض أجزاء الصورة لكم وعلّكم تنشرون  ما أكتبه في محيطكم ليصل إلى قلوب تحتاج لبعض النور فيكسر الظلام المخيم  على كثير منها – عافانا الله وإياكم من ظلمة القلوب والقبور – ولعل ما  أكتبه يشجعكم أهل الخير لمد يد العون لإخواننا فيكثر العطاء ويزيد الأجر  بإذن الله.
وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا
السبت: 19 كانون الثاني 2013 ذهبت مع أخي اليوم لزيارة المستشفى  الإسلامي وهو أحد المستشفيات التي يعالج فيها جرحى المجاهدين السوريين.
زرنا حوالي 30 جريحا (إما مجاهدا ومقاتلا أصيب في الميدان أو جريحا مدني  بالقصف أو القنص).
وقد سلمنا من الأموال التي قدمتموها وتبرعتم بها ما بين 20 إلى 50 دينار  لكل مصاب، إلا أخ واحد أعطيناه مبلغا ما يكفيه لأجور غسل كليته لمدة  أسبوعين (يلزمه غسيل كلى لثلاث مرات أسبوعيا كل مرة بحوالي 75 دينار  وقد وعدنا بعض الأخوة الأفاضل من مساعدتنا للحصول علة أسعار أفضل). 

حصرنا التوزيع لهؤلاء على 50 دينار بحد أقصى إذ أخبرنا بعض الأخوة الذين  يعملون بهذا المجال التطوعي أن هؤلاء المرضى يتلقون مساعدات تكفي  معيشتهم من الجمعيات ولكن سيكون وقع المبلغ بأيديهم بمثابة هدية لهم  ولأولادهم.
وهذا ملخص ما شاهدت:
1-  أبو محمد، من بصر الحرير، أصابت قذيفة دبابة رجله ويده، فكادت أن  تبتر رجله لو لا فضل الله ورعايته.
يروي قصته أنه لما أصيب في المعركة، لم يجدوا من يعالجه إلا طبيب أسنان  فعمل ما بوسعه، ثم غاب هو عن الوعي ليفيق ويرى نفسه ممدا في هذا  المستشفى.
وبجانبه ابن عمه الذي أصيب برأسه وجسمه في نفس المعركة.
الشاهد أن كلاهما ينتظران الفرصة التي يتمكن فيها الواحد منهما من الاعتماد  على نفسه في وطعامه وخروجه ومشيه (ولو بعرجته أو على عكازته) ليرجع  ويقاتل ويجاهد، إذ أن سورية بحاجة إليه وإلى أمثاله كما يقول.
يقسم لي ويصرخ قائلا: "والله" ويشدد أن والله بكسر الهاء، والله والله والله  إننا كنا نشهد الملائكة تقاتل معنا، والله أنه وبعد قذيفة المدفع رأينا دخانها  يتشكل بصورة لفظ الجلالة وتارة بصورة اسم "محمد" صلى الله عليه وسلم.
2- محمد، شاب في سن السابعة عشر، من داريا. مصاب في رجله  برصاصات عدة.
أخبرني والفرحة تنبع من عينيه أنه سيتماثل للشفاء قريبا بإذن الله وسيعود فورا  لسورية ليقاتل المجرم الباغي الظالم فيقتله أو يُقتل دون ذلك.
سألته، الست صغيرا يا بني على ذلك، أخبرني وهو يحاول أن يحافظ على  احترامه لسني، "عمو نحنا رجال يا عمو والولد منا عمرو 10 سنين بميت  واحد (100 واحد)" وكأنه أراد أن يقول بمائة من أمثالي
3- شاب آخر من داريا عمره 25 عام، ما أجمل محياه، دخلنا عليه وهو  يحمل كتاب الله بجهد ليقرأه ويتلو آياته.
أصيب في ظهره فشلّت رجلاه فلا إحساس بهما ولا يقدر على تحريكهما أو  أصابع رجليه.
فقد أطباء المستشفى الأمل في شفائه (إلا أن يشاء الله). سيحاول بعض أهل  الخير جمع ما يكفي لمحاولة علاجه في أوروبة.
4- سامي، ذو 10 سنوات على ما أظن، أصابه قناص في يده.
وهذه صورته. لم أستطع محادثته إذ أصيب بحالة نفسية أثرت على قدراته  الكلامية
5-  وهذا طفل آخر من درعا عمره لا يتجاوز ست سنوات، أصيب سليم  برجله جراء قصف وبرميل متفجرات منذ أربعة أشهر.
أخبرني والده أن أطباء المستشفى أخبروه أن لا أمل بشفاء ابنه وأنهم سيبتورن  ساقه للمحافظة على حياته.
فاستشار والده طبيبا من خارج المستشفى الذي أخبره أن أطباء المستشفى  اختاروا الطريق السهل والأقل كلفة، وأن هناك أمل كبير في معالجة ساق ابنه  والحيلولة دون بترها ولكن العملية مكلفة (حوالي 10 آلالف دينار).
اتفقت مع أخي على استشارة طبيب أو أكثر بمعرفتنا لهذه الحالة وإن أخبرنا  بإمكانية علاجه دون البتر أن نتكفل بتكاليف العلاج مما تبرعتم به مشكورين.
ضحك الطفل سليم لما سألته ماذا تريد أن تفعل بعد شفائه بإذن الله، فأجابني  أنه يريد أن يكون مجاهدا مثل أبيه، وأضاف وهو يضحك "أنا مابي شي يا  عمو، شوف رجلي منيحة بس كام يوم وبطلع بركض عليها
6- ورأينا طفلة أخرى أصيبت عيناها من شدة وميض القذائف، لا أدري ما  حالتها تماما ولكن يبدو أنها فقدت البصر في إحداها، وما تزال تلعب وتجري  في أروقة المستشفى مع إبراهيم وتسابقه وهو على الكرسي المتحرك.
7- ولا أنسى الطفل أسعد أيضا، ورأيته يتألم والممرضة تحقن يده بالمحلول  الدوائي فيعتصر من الألم ولا يهدأ إلا بعد أن يعطيه عمه مسدسا بلاستيكيا  فيطلقه على صورة قاتل أبيه رسمها بيده غير المصابة، ولكم أن تخمنوا من المجرم  بالصورة.
8- واختم بمصاب مدني – أبي محمد – وزوجته المرافقة.
أبو محمد درعاوي ومن عائلة معروفة طلب التحفظ على اسمه. أصابه قناص  وهو والحمد لله يتماثل للشفاء.
مد أخي يده ليصافحه مودعا وفيه يده ورقة نقدية من 20 دينار. رفض  أخذها ودمعت عيناه، اخبرنا أنه كان ميسور الحال وكان يتصدق من حر  ماله للمجاهدين بالملايين، فأصابه ما أصابه واضطر للفرار مع زوجته.
لم تتحمل نفسه الأبية أنه صار في موضع من يأخذ بعد أن كان يعطي،  فبكى، وما أصعب بكاء الرجل المقهور خاصة إن كان شيخا، نظرت إلى  زوجته علها تأخذ المال فرأينا من عينيها دموعا أكثر مما في عيني زوجها.  خرجنا وأعطينا المبلغ للمرض في حال أن استطاع أن يقنع أبا محمد به لاحقا،  وإلا فليعطه لأي محتاج.
9-مع أن المرضى يشكرون معاملة الممرضين والقائمين عليهم الحسنة والطيبة  لهم، إلا أنني سمعت شكاوى يكاد يجمع عليها الجميع، وتتلخص هذه  الشكاوى في التالي:
أ‌. أنهم يخرجونهم قبل نهاية علاجهم. واقسم لي أحدهم أنه رأى جريحا  يخرجونه وهو ما زال بحالة تستدعي دخوله للطوارئ ناهيك عن إخراجه من  المستشفى
ب‌. شح الضمادات واللفائف الطبية مما يجعل المرضى والجرحى يحافظون  على كل ضمادة او لاصق فيتبادلونها فيما بينهم.
كما زرت مع أخي الليلة مخيم الحسين في عمان الذي يلتجئ فيه عدد لا بأس  فيه من السوريين مؤقتا ريثما يتم ترتيب أمورهم (وغالبا ما يستمرون بالإقامة  فيه لعدم توفر البديل).
أنشئ هذا المخيم لإيواء اللاجئين الفلسطينيين ولهذا رأيت كثيرا من صور  الأخوة المتجسدة في عطاء الأخ لأخيه ومشاطرته لقمته ولو كانت لا تكفيه  هو وعائلته لسد رمق من يعيل.
المهم لم أكن أتخيل أن يعيش بشر في مثل هذه الظروف في زمننا الحالي،  فأخبرني أخي أن هذا يعد 5 نجوم نسبة لما سنراه في مناطق أخرى.
فدخلنا مثلا غرفة لا تتجاوز 3 x 3 يقطنها - ينام ويأكل ويجلس – فيها 6  أشخاص: الأرملة وولديها ورضيعها واختها ووليدها – وفي الغرفة مدفأة  "سولار" يستخدمونها للتدفئة إذ لا وسيلة تدفئة في هذه الغرفة غيرها وأنفاس  الموجودين فيها، كما يستخدمونها "لتحميص" الخبز وغلي الماء للشاي، وهذا  طعامهم مع بعض قطع الجبنة أو الزعتر أو ما شابهه، هذا طعامهم ليل نهار، إلا  ما قد يقدمه لهم جيرانهم الفلسطينيين - ولا أدري أين يقضون حاجتهم.  وزعنا من صدقاتكم (جزاكم الله خيرا علن كل قرش قدمتموه) لبعض  الأرامل هناك ممن استشهد أزواجهن أو اعتقلوا ولا خبر عنهم، ما يكفهن  ومن يعلن لمدة شهر بإذن الله.
الأحد: 20 كانون الثاني ذهبت مع أخي وابن عمي وفاعل خير يدعى الحاج  أبو عبد الرحمن لزيارة مخيما بالمزار (الكرك) والتي تبعد حوالي ساعتين من  عمان.
منطقة باردة جدا كانت منذ اسبوع مغطاة تماما بالثلوج وما زالت آثارها  واضحة.
يقطن في المزار حوالي 500 عائلة سورية أغلبهم أرامل شهداء أو معتقلين.  اتفقنا مع جمعية محلية على توزيع تبرعات على 50 عائلة فقط على أن يقوم  أخي أو ابن عمي بزيارتهم بعد أسبوعين ليقدما مساعدات لـ 50 آخرين،  وهكذا دواليك...
وجدنا هناك عائلات تقطن غرفا لا نرضى أن يسكنها حيوانات أليفة نربيها،  فلا سقف يقي، ولا جدار متماسك، ولا أرض مستوية....
تجسد لي مثل "من يحيى من قلة الموت"، أطفال كثير من رضّع يعيشون في هذا  البرد القارس بلا موقد أو مدفأة يتقون بها هذا البرد ولا حتى غطاء كاف  لجميع من بالغرفة، فإن احتمت الأم بالغطاء لتقي رضيعها البرد، طكطكت  أسنان أخته الصغيرة من شدة البرد والزمهرير.
وددت لو تسمعون الدعاء الذي كانوا يدعون لكم به، دعاء من قلوب طاهرة  منكسرة في ظهر الغيب...
أكثر ما يدمي القلب وأصعب المواقف كانت حينما انتهينا من توزيع المبالغ  على العائلات المتفق عليها، كيف لنا أن ننظر بأعين الأطفال والأرامل اللاتي  لم يكن لهما نصيب اليوم من التوزيع ولكنهم أتوا على أمل "لعل وعسى" لا  أرانا الله مواقف مثيلة فينا وفي أحبتنا والمسلمي.
ثم عدنا بأدراجنا إلى الرصيفة قرب عمان حيث مخيم قديم اسمه مخيم "شنللر"،  وهو مخيم لاجئين فلسطينيين مثله مثل مخيم الحسين الذي زرناه بالأمس.  وزعنا تبرعات على 30 عائلة من أصل 200 عائلة سورية هناك، وسيقوم  أخي أو ابن عمي بزيارتهم الأسبوع القادم بإذن الله لتقديم مزيدا من  المساعدات.
الاثنين 21 كانون الثاني ذهبت اليوم مع والد الطفل سليم واستشرنا أحد  الأطباء أخصائيي الأوعية الدموية. أخبرنا الطبيب (جزاه الله خيرا إذ لم يرض  أن يتقاضى أجره لما علم بملابساتها) أن الأوعية الدموية سليمة بإذن الله  والدورة جيدة ولكنا تأخرنا باتخاذ قرار العملية، إذ لو بادرنا فيها فور إصابته  لكان أمل ترميمها أفضل ونسبة نجاحها أقوى، ولكنه ما زال يظن أنه  بالإمكان تجنب بتر رجل الولد.
أشار علينا أن نأخذ رأي أطباء مختصين بالترميم والتجميل. وهذا ما سنفعله  في الأيام القادمة بإذن الله.
جاء أخي خبر مساء اليوم عن وجود أخت لنا – أرملة شهيد – وصلت إلى  عمان مع أولادها التسعة وتحتاج للمساعدة والإعانة.
ذهبت مع أخي لزيارتها وكان معنا الوالدة حفظها الله وزوجة أخي إذ لا  يمكن مقابلتها ليلا هكذا من دون نساء معنا. فتح لنا الباب شاب في أواخر  العشرينات فاستغربنا، المهم دخل النساء إلى غرفة وأغلقن عليهن الباب  وجلسنا معه ومع ولد عمره 13 عاما في مدخل المنزل. وبدأ محمد برواية  قصته لنا.
محمد مجاهد مع الجيش الحر، قصف منزله في درعا بقذيفة أصابت رجلي  زوجته ولكنها لم تصب ابنه الذي كان في المنزل بأذى ولله الحمد.
حدث هذا منذ حوالي 5 شهور. اضطر لمغادرة سورية لعلاج زوجته  وأدخلها المستشفى الإسلامى ثم مستشفى آخر أجروا فيها عدة عمليات  لزوجته (وهو يشكر الطبيب ويدعو له إذ رفض أخذ أجور العمليات منه).
وعمل وما زال يعمل ويكسب قوته ولله الحمد دزن أن يمد يده وهو يتكفل  بعلاج زوجته.
أخبرني أن لولا مسؤولية زوجته وأنه يرى أن جهاده في رعايتها، لرجع إلى  سورية ليجاهد في سبيل الله.
وأخبرنا أن الأمور كانت على ما يرام ليوم أمس إذ هربت أخت زوجته  وأطفالها التسعة من درعا إلى عمان نجاة بحياتها وحياة أولادها الذين استشهد  أبوهم تحت وطأة التعذيب في المعتقل – بالمناسبة رفضوا تسليمهم جثة الشهيد  إلا بعد أن باعت ما اضطرت لبيعه لتحصيل ثمن يرضي القتلة المجرمين للإفراج  عن الجثة الطاهرة.
وصلوا عمان وها هم الآن معه فأصبحوا ثلاثة عشر شخصا في منزل من  غرفتين.
وفي أثناء الحديث معه، فتحت زوجة أخي وأمي باب الغرفة وأخبرانا أنهما  يريدان الذهاب، فودعنا محمد وخرجنا.
سألتهما عن سبب خروجهما المفاجئ هكذا، فأخبراني أنه بينما كانت  الأخت الكبيرة (الأرملة) تروي لهما قصة هروبها وأولادها وعن الإصابة التي  أصابتها، كشفت عن رجلها لتريهما إصابتها، في لهول ما رأيا...
ولكم أن تتخيلوا كيف تبدو رجلي امرأة سقطت في غرفتها قذيفة دبابة...  تكفلنا مما تبرعتم به، بإعالة ومصاريف هذه الأرملة وأطفالها لمدة أربعة شهور  بإذن الله، عسى أن تأتي تبرعات أكثر مستقبلا فيستطيع أخي متابعة كفالتها.  الثلاثاء 22 كانون الثاني تلقينا اليوم خبرا مفرحا والحمدلله.
دلّنا أحد الأفاضل – جزاه الله خيرا وبارك فيه - على طبيب مختص بالترميم  والتجميل من أجل حالة الطفل سليم.
ذهبنا لزيارته وبيدنا التقارير وصور الأشعة القديمة المأخوذة من شهر تقريبا  وكذلك صورا فوتوغرافية لرجل الطفل مأخوذة منذ شهرين تقريبا.
وبكشفه على الساق، أخبرنا الطبيب أن حالتها في تحسن والحمد لله وأنه  يمكنه بعد شهر تقريبا من إجراء هذه العملية دون الحاجة لبتر ساق الولد.
ليتكم رأيتم نظرات الأب يا أخوتي، ليتكم سمعتم دعاءه الخالص لكم ...
هل تتخيلون دعاء والدة هذا الطفل لكم؟؟؟
جزاكم الله خيرا وأسدل عليكم ستره.
الأربعاء 23 كانون الثاني ذهبنا اليوم لزيارة مخيم الزعتري الذي أضحى  مشهورا عالميا.
سمعت كما سمع الكثيرون عن هذا المخيم ومعاناة سكانه.
زرنا هناك وحدة طبية وتعرفنا على القائمين عليها واستمعنا لملاحظاتهم، وبعد  ذلك تجولنا في المخيم ثم عدنا أدراجنا.
هذه بعض النقاط التي أود مشاركتكم فيها فيما لاحظته أو سمعته أو شاهدته  هناك:
يستوعب المخيم حوالي 40،000 شخص. يقطنه حتى الأمس 74،000  شخص ولا أدري حقا إن زاد العدد اليوم أم لا.
ولا أبالغ في قولي هذا إذ زاد عدد المقيمين فيه حوالي 10,000 شخص  خلال الأيام الثلاثة الماضية

يتكون معظم المخيم من خيم قماش، عدا الجزء الأخير منه إذ يتكون من  "كرفانات" وهي مهيئة بشكل أفضل من الخيام خاصة في أيام الشتاء والثلج  والمطر. يتم حاليا توسعة لمرحلة ثانية
لا يسمح للمقيمين فيه مغادرته.
لذا تراهم متسكعين في أزقته لا فائدة منهم ولهم سوى التدخين (لم أر سوى  تدخين سجائر أو أرجيلة حاليا، الله يستر مما قد يدخنونه مستقبلا).
ولا يخفى على أحد نتائج البطالة الاجتماعية خاصة أن كثيرون منهم –  ذكورا وإناثا – نا زالوا في شبابهم وأوج رجولتهم أو أنوثتهن.
هناك "بسطات" أو متاجر صغيرة تحوي الكثير من مستلزمات الحياة ومن "غير  مستلزماتها".
أدهشني كثرة "بسطات" بيع السجائر فلا نكاد نمشي بضعة أمتار إلا لقينا  بسطة سجائر، وأحيانا تجد في محيط قطره متران اثنان حوالي 10 بسطات  كهذه.
يبيعون فيه ملابس وخضار وجوالات وأحذية إلخ.
كما وجدت أماكن تعرض دجاجا مثلجا (من غير تعبئة، ويكون الدجاج  معرضا للهواء الطلق والله أعلم منذ متى وهو بهذه الحالة) .
يتاجرون بما يفيض عن حوائجهم من معونات، فمن يستلم مثلا 3 بطانيات  يبيع واحدة أو اثنتين، وهكذا دواليك، وكذا الحال بالنسبة للملابس والأحذية  وغيرها، حتة الدواء لم ينج من ذلك.
جربنا أن نقوم بـ "حسبة عرب". لدينا حوالي 75 ألف شخص، لو افترضنا  أن 10 آلاف منهم يقطنون قاطرات، يبقى 65 ألفا أي حوالي 13 ألف  عائلة، ولو افترضنا أن قيمة الكرفان الواحدة حوالي 1500 دينار، أي يلزم  حوالي مليوني دينار أردني، وهو مبلغ ليس بالكثير لا على المنظمات الدولية  ولا على الدول.
فلم لا يفعلون ذلك. طرح هذا التساؤل أحد المسؤولين بالمركز الطبي الذي  زرناه (وطلب التحفظ على اسمه) وأخبرنا أن لا أحد يريد "حل" أزمة  الزعتري إذ أن المستفيدين من وضعه الحالي كثيرون وهم في مناصب مهمة  إضافة إلى العمق السياسي له.
كما أخبرنا هذا المسؤول أنه يأتيهم ما بين 500 إلى 800 حالة يوميا  يعالجون فيها أطفالا ونساء ورجالا، ويرسلون الحالات الجراحية المستعصية إلى  خارج المخيم.
لذا، فإنه يلزمهم أدوية بما يقدر بحوالي 30،000 دينار شهريا. تتعهد  المنظمات الإنسانية والهلال الأحمر بها، ولكن غالبا ما تتأخر هذه المساعدات  عليهم بسبب البيروقراطية أو أمور أخرى غير مقدور عليها.
وقد ارتأيت أن أقدم لهم – من مساعداتكم جزاكم الله خيرا – مبلغ 1500  دينار كانوا بحاجة إليها حاليا لشراء أدوية تنقصهم.
تعرفنا على بعض أرامل الشهداء وأعطيناهم مبالغ تكفيهم لأسبوعين.
ذهبنا بعد أن غادرنا المخيم إلى مدينة المفرق القريبة، حيث زرنا "أم وداد"  وهي ناشطة سورية ترعى شؤون أرامل الشهداء، كانت قد زودت أحد  الأخوة بقائمة باسماء الأرامل ومستوى احتياجاتهن، فقدمنا لـ 30 أرملة  شهيد ما يكفيهن لشهر تقريبا.
هذا ما مجمل ما تصرفت فيه بالأموال التي جادت بها نفوسكم الزكية،
جزاكم الله خيرا وأسدل عليكم ستره وجعله في موازين أعمالكم وحسناتكم.
لم تتح لي الفرصة بتوزيع الملابس بعد، ولكن الوالدة حفظها الله صنفتهم  وسيقوم أخي بإذن الله بتوزيعها على مستحقيها في الأيام المقبلة.
سأغادر عمان غدا بإذن الله، ولكن ما رأيته من ألم ومعاناة، وما شهدته من  بؤس وشقاء في هذه الأيام القلائل جعلني أنوي العزم لمعاودة الكرة في أقرب  فرصة تتاح إن شاء الله، وسأعاود حينها طلب تبرعات منكم.

جزاكم الله خيرا وبارك لكم فيما أعطاكم وستر عليكم وزادكم من فضله  وأغدق عليكم من خزائن ملكه.

 

 

ملاحظة: تحفظت على اسمي كي لا يحول أحد بيني وبين إعادة كرة ما فعلت.  كما استخدمت لجميع من أوردت أسماءهم أخرى مستعارة لأسباب  تقدرونها.
كتبت ما كتبت أعلاه وبعثته إلى من جادت به نفسه ممن أعرفهم، ثم قرأته  زوجتي وأشارت إلي أن أعممه فأعدت صياغته ليناسب هذا المقام.

المصادر: