المؤامرة على سوريا

الكاتب : علي عبود معدي
التاريخ : ٢٣ ٢٠١٢ م

المشاهدات : 10747


المؤامرة على سوريا

تعرضت سوريا لأخطار جمة لم تتعرض لها بلاد أخرى من البلدان العربية؛ إلا ما كان من الاحتلال الصهيوني لفلسطين. فهي أول دولة عربية رزئت بالانقلابات العسكرية التي ألحقت بها الدمار والبوار أشد مما فعله بها الاستعمار، فبعد انقلاب حسني الزعيم في 30/ مارس/ 1949م توالت الانقلابات، كلما جاءت أمة لعنت أختها.


وبسبب هذه الانقلابات والاستقطابات أصبح الجيش السوري من المصائب التي نكب بها الشعب السوري. يقول خليل مصطفى ضابط مخابرات الجولان قبل حرب 67: "إن الذي يميز محنة سوريا عن غيرها، ويجعل نكبتها أشد إيلاماً في النفوس، وأبلغ أثراً في قلوب المخلصين المتطلعين لمستقبل أفضل لهذه الأمة، هو أن نكبتها لم تكن بأيدي أعداء خارجيين، وإنما بأيدي أبنائها، وبصورة خاصة، بأيدي جيشها الذي اقتطعت لقمة العيش من قوت أطفالها وقدمت له في مدى عشرين عاماً ثلثي ميزانيتها، وعطلت أهم وأكثر مشاريعها الإنمائية والإنتاجية الحيوية، من أجل الوصول به إلى درجة من القوة والإعداد، يستطيع معها وفاء دينه نحوها أو على الأقل صون أرضها ومقدساتها.. لكن ذلك الجيش لم يكن باراً بالعهد، ولا وفياً للأمانة التي تصدى لها، فكان دوماً السباق إلى نكبتها، والعامل الأكبر في تشريد أبنائها، ومطاردة رجالها، وتدمير اقتصادها، وتعطيل طاقاتها ثم دوس مقدساتها وإهانة حرماتها، وأخيراً التخلي عن جزء من أرضها للعدو الطامع الغريب".[سقوط الجولان ص18]. وبالرغم من أن هذا الكلام قيل قبل أربعين عاماً إلا أنه يرسم صورة واضحة لما عليه الجيش السوري اليوم.
ولقد كان الانقلاب التاسع، في 23/ فبراير/ 1966م، الذي جاء بالثلاثي العلوي: صلاح جديد على رأس القيادة القطرية لحزب البعث، وحافظ أسد على رأس المؤسسة العسكرية، وإبراهيم ماخوس للخارجية. أس نكبة سوريا وأساس المؤامرة عليها، ولإخفاء حقيقة الانقلاب العلوي عين صلاح جديد الذي أصبح أقوى أركان النظام السوري بعد الانقلاب، نور الدين الأتاسي رئيساً للجمهورية، ويوسف زعين رئيساً للوزراء وهما من غير الطائفة العلوية، إدراكاً منه أن الوقت لم يحن بعد ليتولي رئاسة الجمهورية شخص من الأقلية العلوية. والذي نفذه حافظ الأسد فيما بعد استكمالاً لبقية خيوط المؤامرة عندما قرر أن ينفرد بالسلطة في سوريا وأخذ يعد العدة لذلك، وكان على يقين أنه لا يمكنه النجاح دون أن يكسب رضا إسرائيل والغرب ويفوز بثقتهم، وليس هناك أفضل من تقديم هضبة الجولان المنيعة عربوناً لذلك، من خلال حرب يظهر فيها تفوق إسرائيل المعلوم لدى الجميع وتدمر من خلاله الجبهتين المصرية والسورية.
وأخذ اللواء حافظ الأسد وزير الدفاع السوري يدق طبول الحرب، فأدلى بتصريح ناري لصحيفة "الثورة" السورية الرسمية في20/5/1967م قال فيه: "...إنه لا بدّ على الأقل من اتخاذ حد أدنى من الإجراءات الكفيلة بتنفيذ ضربة تأديبية لإسرائيل تردها إلى صوابها.. إن مثل هذه الإجراءات ستجعل إسرائيل تركع ذليلة مدحورة، وتعيش جواً من الرعب والخوف يمنعها من أن تفكر ثانية في العدوان".
وقال كاذباً: ".. إن سلاح الطيران السوري تطور تطوراً كبيراً بعد ثورة 23/ شباط/ 1966 من حيث الكمية والنوع والتدريب، وأصبحت لديه زيادة كبيرة في عدد الطائرات، وهي من أحدث الطائرات في العالم وأفضلها تسلحاً، كما ازداد عدد الطيارين وارتفع مستوى التدريب". وقال: "إن العملاء يركزون باستمرار على أن هناك عدداً كبيراً من الطيارين المسرحين، ولكن عدد الطيارين المؤهلين لخوض المعارك الجوية والذين هم خارج الخدمة، لا يتجاوز عدد أصابع اليد".
في حين إن مجموع الضباط الذين سرحوا من الجيش أكثر من ألفي ضابط، وسلاح الطيران بالذات قد سرح معظم ضباطه لأسباب طائفية وعشائرية.
وفي  23 /5 /1967م أدلى العقيد أحمد المير قائد الجبهة السورية بتصريح قال فيه: "إن الجبهة السورية أصبحت معبأة بشكل لم يسبق له مثيل من قبل". وأضاف: "إن العرب لم يهزموا في معركة 1948م على أيدي الإسرائيليين، بل من قِبل حكامنا الخونة!!، وهذه المرة لن نسمح لهم أن يفعلوا ذلك".
إلا إن تلك التصريحات لم تكن سوى إدعاءات باطلة يعلم المصرحون أكثر من غيرهم زيفها وبطلانها ولكنها حلقة مهمة من سلسلة المؤامرة. ينقل لنا د. سامي الجندي وزير الإعلام بعض ما دار في اجتماع لمجلس قيادة الثورة عقد قبيل تلك التصريحات، فيقول: "...سألنا أنفسنا هذا السؤال الدقيق: ماذا نفعل لو هاجمتنا إسرائيل؟ طلبنا أدق المعلومات السرية لنستطيع تقييم قوة العدو وقوتنا. وفوجئنا بالفرق الشاسع بين القوتين. وقدرنا أن الجيش السوري، رغم تسلحه الجيد، ليس في وضع يسمح له أن يصمد أكثر من ساعات أمام أي هجوم إسرائيلي". وقد أكد الزعيم السوداني محمد محجوب في كتابه (الديمقراطية في الميزان): أن العرب في مؤتمر الدار البيضاء كانوا متفقين على وجوب تجنب الحرب في ذلك الحين، وأبدى استغرابه من تمكن الحزبيون البعثيون من استدراج عبد الناصر ليقدم بصورة مرتجلة على سحب قوات الطوارئ الدولية من قطاع غزة وشرم الشيخ، ثم أضاف: "في رأيي أن ناصر كان حتى آخر لحظة، لا يعتقد أن الأمر سيؤدي إلى حرب فعلية". ووقعت المعركة كما أراد الأسد والبعثيون الذين تركوا عبد الناصر وحيداً يتلظى في أتون الحرب. ودكت الطائرات الإسرائيلية المطارات المصرية وقضت بشكل كامل على الطائرات المصرية الجاثمة على مدرجاتها، وطلبت القيادة الموحدة الإمدادات من السوريين -الذي كانوا سبب الحرب- فكان جوابهم أنهم بوغتوا بالأحداث، وطُلب منهم مرات متكررة لالتحاق طائرات الجيش السوري بطائرات الأردن فطلبوا إمهالهم ساعة فساعة، وقد أكد الملك حسين؛ أن تأخر الطيران السوري في التدخل فوت فرصة ذهبية كان يمكن أن تقلب الموقف لصالح العرب من خلال اعتراض القاذفات المعادية وهي في طريق عودتها إلى قواعدها بعد قصف القواعد المصرية وقد فرغت خزاناتها من الوقود وفقدت ذخيرتها ومفاجأتها حتى وهي جاثمة في مطاراتها تملأ خزاناتها استعداداً لشن هجمات جديدة، فلولا تأخر الطيران السوري لتبدلت نتائج المعركة وخط سيرها.
وفي الساعة 9. 30 يوم السبت10/ يونيو/ 1967م، أعلن وزير الدفاع حافظ أسد البلاغ العسكري (66) التالي: "إن القوات الإسرائيلية استولت على القنيطرة بعد قتال عنيف دار منذ الصباح الباكر في منطقة القنيطرة ضمن ظروف غير متكافئة، وكان العدو يغطي سماء المعركة بإمكانات لا تملكها غير دولة كبرى. وقد قذف العدو في المعركة بأعداد كبيرة من الدبابات واستولى على مدينة القنيطرة على الرغم من صمود جنودنا البواسل. إن الجيش لا يزال يخوض معركة قاسية للدفاع عن كل شبر من أرض الوطن كما أن وحدات لم تشترك في القتال بعد قد أخذت مراكزها". وكانت قد صدرت أوامر وزير الدفاع بالانسحاب، وكان ذلك قبل دخول الإسرائيليين إليها وفقا لجميع الروايات، ومنها ما رواه الدكتور عبد الرحمن الأكتع وزير الصحة السوري آنذاك: "كنت في جولة تفقدية في الجبهة وفي مدينة القنيطرة بالذات عند إذاعة بيان سقوط القنيطرة، وظننت أن خطأً قد حدث فاتصلت بوزير الدفاع حافظ أسد وأخبرته أن القنيطرة لم تسقط ولم يقترب منها جندي واحد من العدو وأنا أتحدث من القنيطرة، ودهشت حقاً حين راح وزير الدفاع يشتمني شتائم مقذعة ويهددني إن تحدثت بمثلها وتدخلت فيما لا يعنيني. فاعتذرت منه وعلمت أنها مؤامرة، وعدت إلى دمشق في اليوم الثاني وقدمت استقالتي". ويعلق د. سامي الجندي: "وتم إخلاء الجولان من السكان منذ 5 حزيران.. لماذا؟
لست بحاجة إلى القول بأن سقوط القنيطرة قبل أن يحصل؛ أمر يحار فيه كل تعليل نبنيه على حسن النية... وقال لي الدكتور ماخوس فيما بعد: إنها كانت خطة ماهرة لـ(إرعاب) العالم من أجل إنقاذ دمشق"!؟ (كسرة خبز ص17).
ووقعت الكارثة وضاع ما تبقى من فلسطين واحتلت إسرائيل أجزاءً من مصر وسوريا والأردن ولحق الخزي والعار بالثوريين العرب، فماذا كان رد فعل مسعري الحرب الفُرار؟ إنه يتجلى بوضوح في قول إبراهيم ماخوس وزير الخارجية السوري: "ليس مهماً أن نخسر المدن لأن العدو هدفه القضاء على الثورة"، وقال في مؤتمر الخرطوم متباهياً بانسحاب الجيش السوري من الجولان دون قتال: "أن من الضروري الحرص على الجيش وعدم إهلاكه بالقتال لأنه جيش عقائدي.." ثم أضاف، فظ الله فاه، بوقاحته المعهودة - معرضاً بالجيش المصري- جيشنا عقائدي.. "مو بياكل فول".
وقام حافظ الأسد بحركته التصحيحية في 13/ أكتوبر/ 1970م فقضى على الجناح المنافس باعتقال صلاح جديد ونور الدين الأتاسي ويوسف زعين. وتمكن ماخوس من الهرب إلى الجزائر حيث عمل طبيباً في أحد مستشفياتها. واستولى حافظ الأسد على كل شيء في سوريا، ليكون له الحكم فيها ولعقبه من بعده، ملكاً خاصاً. وسالت الدماء أنهاراً واكتظت أقبية السجون بكل من نبس ببنت شفة معترضاً أو محاولاً إيجاد طريق للإصلاح. ولم تطلق رصاصة واحدة نحو العدو الجاثم على أرض الجولان السليبة، لقد تمت الصفقة. وتحالف العروبيون السوريون مع الفرس ضد إخوانهم من العروبيين في العراق بعد أن ساهموا في نكبة العروبيين في بقية العالم العربي!!؟
إن ما يقترفه الأسد الصغير اليوم من جرائم مروعة بحق الشعب السوري الصابر المحتسب لأمر متوقع من عصابة طائفية استولت بالخيانة والتآمر على سوريا الأرض والإنسان وعدتها من ممتلكاتها الخاصة.

المصدر: موقع الجينيات

المصادر: