سوريا ... "خطوة في الظلام"

الكاتب : توماس ريكس
التاريخ : ١ ٢٠١١ م

المشاهدات : 7409


سوريا ...

ترجمة/ شيماء نعمان

بينما تدخل الاحتجاجات الشعبية في سوريا شهرها الثالث، لا تزال التحليلات السياسية تتضارب في نتائجها؛ فبعض الباحثين يرون أن الانتفاضة الجماهيرية الحالية في سوريا يمكن أن يهدئ منها التزام وسرعة نظام "بشار الأسد" في تطبيق الإصلاحات التي أعلن عنها، بينما يرى آخرون أن العد التنازلي قد بدأ، وأن النظام السوري باتت أيامه في السلطة معدودة.
وقد سلط الضوء على هذه الاختلافات الكاتب والصحافي الأمريكي البارز "توماس ريكس" من خلال صفحته الشهيرة (Best Defense) بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية. وكتب ريكس تحت عنوان: "الأماكن المظلمة في الشرق الأوسط، أو لماذا ليس هناك كثير يمكن فعله حيال سوريا"؟ ما يلي:
"منذ أيام كتب "جون ماكريري" عن سوريا قائلاً: إن عدد المدن وحجم التجمهرات آخذ في التضاؤل. فلا زالت حملات القمع تبدو هي الرابحة. وليس هناك ثورة في سوريا". وهو الرأي الذي أيده "جريجوري ماكجوان" -عضو مؤسسة مركز الأمن الأمريكي الجديد-. ويقدم هاهنا شرحًا لأسبابه:
"لم يكن هناك وقت أفضل من صباح يوم خطاب أوباما للشرق الأوسط لتستضيف مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD) حدثها الهام بعنوان: (الاضطرابات في سوريا: كيف سيكون رد الولايات المتحدة)؟ ونعرض هنا أهم التفاصيل:
لقد أعد جون هانا -وهو زميل بارز لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومستشار سابق لشئون الأمن القومي لنائب لرئيس ديك تشيني- على عجالة الخلفية الإستراتيجية؛ سوريا هي العمود الفقري للصراع الأمريكي –الإيراني- الذي أصبح يشكل رؤيتنا إزاء الشرق الأوسط. فنظرية هانا التي تتمركز حول إيران مضت بلا منازع، وجعلتني أتمنى لو كنت أحضرت معي صندوقًا مكتظًا بتقرير مارك لينش -أستاذ السياسة الخارجية الأمريكية في جامعة جورج واشنطن- الجديد بشأن إيران.
المثير للدهشة، أن الشعور السائد كان هو أننا بصدد الأيام الأخيرة من حكم الرئيس السوري بشار الأسد. فقد قال توني بدران -وهو زميل باحث بارز بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات-: لقد انتهت حقبة الأسد؛ بات الأمر واضحًا.
وكان المعتقد أنه، مع انهيار كل الشرعية الأخلاقية للنظام من خلال ممارساته الدموية ضد شعبه، فإن الديكتاتور لم يبق له إلا قليل من الشركاء في سوريا، وتقريبًا لا أحد في الخارج فيما عدا إيران. ووفقًا لما أكده بدران، فإن الجيش السوري وقوات الأمن يحتلون الآن بلدهم. لقد نشر الأسد القناصة فوق أسطح المنازل في كافة أنحاء سوريا، كما أصدر أوامراً لقواته بمواجهة الاحتجاجات باستخدام الذخيرة الحية، وحصار المدن بالدبابات والقصف، والاستعانة بـ عصابات من العلويين لتنفيذ أوامره، وهذا على سبيل المثال لا الحصر لتكتيكاته المتبعة.
وبتشابه كبير مع نظام معمر القذافي، فقد انطلق نظام الأسد من باب إلى باب واختفى الكثيرون من رموز المعارضة. وبدا أن الفريق فد وافق بالإجماع على أن مثل هذه الفظائع قد انتزعت ما يكفي من مصداقية الأسد لدرجة تجعله لم يعد قادرًا على الاحتفاظ بسيطرته على البلاد".
سيناريوهات متوقعة:
وجاء اعتراض وجيه على تلك الرؤية من قبل الباحث "جوناثان سباير" -وهو زميل بحثي بارز في مركز الأبحاث العالمية للشئون الدولية "جلوريا"-. فقد عرض ما رأيت أنه تقييم أكثر واقعية للموقف، حيث وصف ثلاثة سيناريوهات محتملة يمكن لها أن تنتزع الأسد بقوة بعيدًا عن السلطة.
الأول: هو أن حدوث تمزق بين صفوف قوات الأمن السورية يمكن إلى حد ما أن يفرز ما يكفي من المنشقين للقيام بعملية انقلاب. إلا أنه مع عدم وجود دليل كبير على وجود منشقين حتى الآن- وهو ما يرجع جزئيًا إلى التصرف السابق للأسد، الذي أصدر أوامره بقتل هؤلاء الجنود الذين رفضوا إطلاق النار على المتظاهرين- فليس هناك تقريبًا أي أمل في هذا الاحتمال.
أما السيناريو الآخر: يمكن أن يكون تشكيل معارضة شرعية ومتماسكة ذات وزن يكفي لتحدي النظام الحاكم. غير أن استخدام القوة الوحشية والاعتقالات المنظمة ضد كل من يتم اعتباره معاديًا للنظام قد ألقت بمعظم الشخصيات التي في استطاعتها تشكيل مثل هذا التحرك وبعائلاتهم في سجون غامضة بأنحاء البلاد. وحتى الآن، ليس هناك دليل كبير على وجود معارضة منظمة -وهي ديناميكية- من غير المرجح أن تتغير.
لذا فإنني أعتقد أن ما بقي لنا بالنسبة لسوريا هو ما وصفه "جون هانا" بقوله: "خطوة كبيرة في الظلام". إن الولايات المتحدة في استطاعتها القيام بما هو أكثر من الوقوف بالخلف والمراقبة. وعلى العكس من التقدم الإنساني الإيجابي والمفعم بالأمل الذي شهدناه في مصر وتونس؛ حيث كانت الجهات الفاعلة والمؤسسات مهيأة للشراكة معها، فإن لا شيء يمكن للغرب الإمساك به في سوريا. فهي مكان مظلم يقوده شخص خبيث قادر على بث ما يكفي من الخوف بين أبناء شعبه حتى أننا -على الأرجح- سيتعين علينا أن نتعايش مع الوضع المأساوي الراهن!

 

المصدر: موقع مفكرة الإسلام

المصادر: