أطباء سوريا.. هدف في مرمى نيران الثورة والحكومة

الكاتب : الشرق الأوسط
التاريخ : ٢٥ ٢٠١٣ م

المشاهدات : 7331


أطباء سوريا.. هدف في مرمى نيران الثورة والحكومة

تقرير دولي يوثق انتهاكات من الطرفين.. ونقص الجراحين دفع خبازين وميكانيكيين إلى إجراء عمليات جراحية:
 بعد ستة أشهر من اعتقال الاستخبارات للدكتور نور مكتبي من عيادته في حلب، استدعت مشرحة المستشفى الجامعي عائلته لتسلم جثمانه.
منذ الوهلة الأولى، اعتقد إخوته الثلاثة أن في الأمر خطأ ما، فعندما شاهدوا أخاهم آخر مرة في مايو (أيار) 2012، كان متخصص الصدر البالغ من العمر 47 عاما، يزن 200 رطل.

 


لكن جثة الرجل المتوفى كانت مثخنة بالجراح وتعاني من الهزال الشديد فكان وزنه أقل من 100 رطل، كتلة من العظام التي يغطيها اللحم، بحسب ما ذكره أخوه وضاح.
لكن بعد الفحص الدقيق، وجد الإخوة اسم مكتبي مكتوبا بحروف صغيرة أسفل إحدى أقدامه.
كان ذلك مؤلما لكنه بات مصيرا مألوفا للأطباء والعاملين في مجال الرعاية الصحية السوريين الذين تشتبه الحكومة في علاجهم للجرحى من الثوار، فقد لقي أكثر من 100 طبيب حتفهم واختفى المئات في السجون التابعة للحكومة خلال العامين الماضيين، بحسب منظمات معارضة وأطباء، حيث ترى حكومة الأسد في علاج المصابين من الثوار «مكافئا لحمل السلاح»، بحسب وضاح مكتبي، الذي يعمل صيدليا.

تعاني المدن المنكوبة مثل حلب وأجزاء واسعة من ريفها نقصا حادا في أعداد الأطباء والإمدادات الطبية، حيث تمثل الهجمات الحكومية على الأطباء عاملا مهما في دفع الأطباء إلى الهرب.
ونتيجة لهذا النقص، يمارس جميع الأفراد من ذوي الخبرة الجراحية المحدودة السابقة مثل أطباء أسنان وطلبة الطب وممرضات، ناهيك عن ميكانيكيي السيارات والخبازين، أنواعا محدودة من الجراحة.
تحدث العديد من المتطوعين غير المدربين عن إجراء عمليات لاستخراج الرصاص من الذراع أو الرجل، لكنهم لا يستطيعون إجراء الجراحات في المناطق الأكثر تعقيدا مثل الصدر أو الحلق.
واتهم التقرير الذي رفعته لجنة التحقيق الدولية المستقلة حول سوريا إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في مارس (آذار)، كلا الجانبين باستهداف عمال الرعاية الطبية كجزء من استراتيجيتهم العسكرية.
وقال التقرير: «يتم استهداف عمال الرعاية الصحية عمدا ويعاملون من كلا جانبي الصراع كعسكريين».
ويوثق التقرير، الذي يمتد على 10 صفحات، سلسلة من الانتهاكات التي تمارسها كل القوات الحكومية والثوار مثل رفض تقديم العلاج على أساس طائفي، وتعرض المستشفيات والمستوصفات لهجمات، واقتصار تقديم الدعم الطبي من الحكومة والثوار في المنشآت الطبية التابعة لهما على مؤيديهم فقط، وإجبار الحكومة الأطباء والممرضات على تسلم جثث مقاتلي المعارضة المعدمين وتسجيلها كمرضى قضوا نحبهم أثناء العلاج.
وتقول رزان زيتونة، مؤسس مركز توثيق الانتهاكات، منظمة حقوق الإنسان السورية، عبر «سكايب» من دمشق: «يتم استهداف الأطباء والمستشفيات الميدانية بشكل منهجي، ككل الناشطين الثوريين. واستهداف الأطباء والمخابز وعمال الإغاثة ليس سوى وسيلة لقمع الثوار وعائلاتهم».
كما وثقت منظمة أطباء بلا حدود أيضا كيف دمر كلا الجانبين الرعاية الصحية في الدولة المنكوبة. وقالت المنظمة في تقريرها الذي صدر الشهر الجاري: «تحول تقديم الرعاية الصحية إلى عمل من أعمال المقاومة وجريمة وتحولت المنشآت الطبية إلى أهداف عسكرية».
وأشار تقرير «أطباء بلاد حدود» إلى أن بعض المراكز الطبية التي أقيمت لعلاج مقاتلي الجيش السوري الحر تستثني المدنيين، وهو ما يزيد من فرص قصف الحكومة لهم، وأشار التقرير أيضا إلى أن كلا الجانبين يقومان بنهب المستشفيات.
ويشير الدكتور وجيه جمعة، جراح ومدير سابق للجمعية الطبية في حلب، إلى أن 6 من بين 12 مستشفى كبيرا في حلب أغلقت أبوابها، وتشير تقديراته إلى وجود 35 طبيبا فقط يعمل على خطوط المواجهة أو بالقرب منها، لكن آخرين يقدرون الأعداد بنحو 100 طبيب، رغم وصول عدد الأطباء قبيل اشتعال الثورة في المدينة إلى نحو 2.000 طبيب.
وتفتقد المدينة إلى الكثير من الأطباء المتخصصين مثل جراحي الحوادث والأوعية الدموية والتخدير، إضافة إلى تعطل الكثير من أدوات التشخيص المهمة مثل أجهزة التصوير بالأشعة المقطعية.
ويوضح الدكتور جمعة أن إصابات المعارك عادة ما يتم علاجها في 72 مستشفى ميدانيا في شمال سوريا. لكن بعض الأفراد المصابين بأمراض مزمنة مثل السرطان أو الأمراض المتفشية الجديدة مثل السل يواجهون مخاطر أكثر سوءا.. فنادرا ما يجد هؤلاء المرضى الدواء، وإذا ما وجدوه فعادة ما يواجهون بأسعار باهظة، فيصل سعر قنينة الأنسولين لـ30 دولارا، في المدينة التي كانت في السابق موطنا لصناعة دوائية ضخمة، لكن المصانع أوقفت إنتاجها.
وباستثناء المساعدات تبدو الصورة قاتمة. فيقول كريستوفر ستوكس، المدير العام لفرع منظمة أطباء بلا حدود في بلجيكا: «المستوى الأساسي من الرعاية الصحية لم يعد متوفرا في مناطق واسعة من سوريا».

كان إعدام العاملين في مجال الرعاية الصحية قد تزايد مع ازدياد حركة المظاهرات السلمية التي بدأت في مارس (آذار) 2011، والتي بدأت في التحول تدريجيا إلى حرب أهلية، بحسب أطباء وناشطين حقوقيين.
وقد جمع مركز توثيق الانتهاكات في دمشق قائمة بأسماء الضحايا من كل التوجهات.
تضم القائمة 120 طبيبا و65 من عمال الرعاية الصحية و50 ممرضة جميعهم قتلوا، و469 طبيبا لا يزالون في السجون، كما تم استهداف بعض الضحايا بالقتل من خلال القناصة أو أثناء قصف المنشآت الطبية.
كان من الصعوبة بمكان الحصول على رد من الحكومة على مثل هذه الاتهامات، لكن ردها الذي يتكرر دائما على أسئلة مشابهة هو أنها تقاتل متمردين إرهابيين يتلقون تمويلا أجنبيا.
هناك العديد من الأطباء الذين اعتقلوا لفترات طويلة لكنهم أفرج عنهم في النهاية وقالوا إنهم واجهوا اتهامات متكررة بمساعدة الإرهابيين.
فيروي الدكتور ياسر درويش، طبيب مسالك بولية، من حلب، أنه قبل إطلاق سراحه في يناير (كانون الثاني) 2012، بعد ستة أشهر قضاها في السجن، تم اقتياده إلى مكتب جميل حسن، مدير الاستخبارات الجوية، فرع الاستخبارات الأكثر رهبة في سوريا. وقد ساعدت الاحتجاجات المتكررة من محافظ حلب والكثير من الأطباء على تحريرهم قبل اشتعال الانتفاضة هناك.
وقال درويش، الذي يزور المدينة الواقعة جنوب تركيا لجمع الإمدادات للمستشفى الميداني الذي يديره في حلب: «قال لنا إن الثورة كلها مخطط إرهابي».
وتحدث درويش عن فترة السجن الطويلة التي شملت التعذيب، تلك التجربة التي تكررت في روايات العديد من الأطباء الذين التقيناهم للإعداد لهذا التقرير. وأشار إلى أنه يقوم بتهريب الأدوية إلى المستشفيات الميدانية ويعالج بعض المرضى هناك إلى أن جرى اعتقاله في يوليو (تموز) 2011.
وتعرض على مدى ستة أشهر للضرب على القدمين والظهر والصعق بالكهرباء حيث كان المحققون يصرون على ضرورة اعترافه بعلاج الثوار.
وقال درويش إن أسوأ أيام التعذيب كانت أثناء وجوده في أفرع التحقيق الرئيسة التابعة للقوات الجوية في دمشق، في قاعدة المزة الجوية.
وقال، معترفا بمساعدته المظاهرات السلمية المنظمة: «اعترفت ربما بـ15 إلى 20 في المائة من الاتهامات التي لم يكن هناك أي دليل عليها».
عادة ما كان يزج بدرويش في زنزانات مزدحمة للغاية، حتى أن السجناء كانوا يقومون بتقسيم الزنزانات بينهم، فيروي أن السجناء كانوا يخصصون بلاطة سيراميك بطول 16 × 16 بوصة لكل ثلاثة أفراد ومساحة للنوم بالتناوب، وكان الجميع يعانون من القمل.

 

 

-----------------------

من غازي عنتاب. نيل ماكفاركوهار وهالة الدروبي

المصادر: