إسرائيل وخيار التصعيد في الجبهة الشمالية

الكاتب : عبد الناصر عيسى
التاريخ : ٤ ٢٠١٧ م

المشاهدات : 3385


إسرائيل وخيار التصعيد في الجبهة الشمالية

 

تنشغل إسرائيل اليوم، بكل مستوياتها السياسية والعسكرية والإعلامية، بما تعتبره تغيراً دراماتياً في الصورة الاستراتيجية في الشمال، بسبب "الخطر الإيراني" المتزايد في الجبهة الشمالية التي تشمل سورية ولبنان. والخطر هو تمكّن إيران، وحليفها الأبرز حزب الله اللبناني، من تدعيم نظام الأسد وهزيمة القوات المعارضة له، وبالتالي تعزيز نفوذها في سورية عموما، وجنوبها خصوصا، ما منحها أفضلية التواصل الجغرافي المستمر من طهران، ثم بغداد إلى دمشق وبيروت، وعلى مرمى حجر من الحدود مع شمال فلسطين المحتلة. تعتقد إسرائيل أن الوجود الروسي في سورية قد عقّد الصورة والموقف، وإمكانات تحرّكها لمواجهة الخطر الإيراني، حيث فرض قيودا على ما تسميه حقها في حرية التحرّك العسكري ضد خطر إيران وحلفائها. هذا ما أكّده مسؤولون ومراقبون عديدون، منهم نائب رئيس الموساد السابق، ران بن باراك، لإذاعة إسرائيل في 15-11-2017، والذي اعتبر أن الروس يشكلون كابحاً سلبياً يقيّد الخيارات الإسرائيلية. ولكن لا بد من التعاون والتنسيق معهم، وهذا ما يجري في الواقع. ومع الخطر الإيراني من جهة، والعقبة الروسية من جهة أخرى، أمام إسرائيل ثلاثة خيارات رئيسية:


المواجهة العسكرية الواسعة ضمن تحالف معادٍ لإيران. ضبط النفس وكظم الغيظ أمام التمكّن الإيراني في سورية، والعمل بحرية ضدها في لبنان. التركيز على الحلول الدبلوماسية من خلال استخدام تحالفها الوثيق مع الولايات المتحدة الأميركية، وعلاقاتها المحدودة والمنفتحة مع الروس. أما الخيار الأول، فإن إسرائيل تقوم بكل الإجراءات والاستعدادات لاستكماله ودعمه، وجعله متوفرا وقت الضرورة. ويبدو أنها لم تستكمل هذه الاستعدادات من الناحية الاستراتيجية. وقد ظهرت استعدادات إسرائيل في المناورة العسكرية الأكبر منذ العام 1998، والتي أجرتها في الشمال في أواسط سبتمبر/ أيلول الماضي 2017. وفي طلب وزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان، في 18-10-2017 زيادة ميزانية الجيش بمقدار 4.5 مليارات شيكل، كما سعت إسرائيل إلى الإبقاء على الأجواء القتالية، من خلال توجيه أكثر من مائة ضربة عسكرية لأهدافٍ تعتبرها قد تجاوزت الخطوط الحمراء في سورية خلال السنوات الأخيرة
وقد أكدت إسرائيل الرسمية، وفي مناسبات عديدة، أنها لا تريد توجيه ضربة عسكرية في الشمال، وأنها تستبعد الخيار العسكري في مواجهة الخطر الإيراني، مع أنها تتجهز لهذا الخيار. وكان من جديدها ما ذكره غادي ايزنكوت، ولأول مرة لصحيفة إيلاف، الإلكترونية العربية (16-11-2017 )، وقد سبقه لهذا الموقف معظم المحللين في إسرائيل، ومنهم عاموس هرئيل في هآرتس، قبل أيام، بأن إسرائيل رفضت طلبا سعوديا لتوجيه ضربة عسكرية لحزب الله في لبنان. ومن أهم الشخصيات المهمة والقليلة التى تدعو علنا إلى مواجهة إيران، حتى بثمن المواجهة العسكرية الواسعة، هو الجنرال ورئيس مجلس الأمن القومي السابق، عامي درور، ويعتبر شخصية يمينية معتدلة، وهو الذي يرى أن ثمن تمكّن إيران من سورية هو أعلى بكثير من ثمن مواجهتها عسكرياً. أما الخيار الثاني، والذي لم يتم التركيز عليه من الناحية الإعلامية في إسرائيل، ولكنه يبدو أكثر واقعية وملاءمة للمصالح الإسرائيلية. وقد لخصه الجنرال احتياط قائد المنطقة الشمالية سابقا، عمرام ليفين، للإذاعة الإسرائيلية، في 16-11-2017، بقوله إن من الضروري أن يتم ضبط النفس إزاء الخطر الإيراني في سورية، وإلا فإن ثمن المواجهة مع إيران في سورية كبير جداً.


مع توجيه الضغط باتجاه نقطة ضعف إيران في هذه المرحلة، وهو حزب الله في لبنان، وأكد أن هذا يتلاقى مع الرغبة السعودية، وذلك بتوجيه ضربة عسكرية قوية للحزب في لبنان، لا تستمر أكثر من عدة أيام. ومن المناسب القول إن خياراً كهذا يتطلب، وفق المحللين، تدميرا واسعا جداً للبنية التحتية في لبنان، وقد يؤدي إلى خسائر هائلة في الأرواح والممتلكات العامة والخاصة، وهو أمرٌ قد يلقى معارضةً دوليةً سريعةً تمنع من استكمال مهمة الدمار. وبالتالي فعالية هذا الخيار، كما أنه لا يمكن للجيش الإسرائيلي التحكّم في نهاية الحرب. أما الخيار الثالث فهو السياسة المعتمدة فعلياً من حكومة إسرائيل، حيث سعت إسرائيل، من خلال علاقاتها واتصالاتها مع أميركا وروسيا، لمواجهة خطر الوجود الإيراني في سورية من خلال طلب إبعاد القوات الإيرانية، أو المؤيدة لها مسافة 50-70 كم على الحدود مع الجولان السوري المحتل، إلا أن الاتفاق الروسي الأميركي الأردني قبل أيام (8-11-2017) لوقف إطلاق النار في جنوب سورية، لم يستجب للمطالب الإسرائيلية، حيث لم يحتو على جدول زمني لإنهاء وجود القوات الأجنبية على الأراضي السورية، كما أن التفاهمات السرية فيه أبعدت إيران عن حدود الجولان مسافة ما بين 5-20 كم فقط


وقد ظهرت في إسرائيل ثلاثة اتجاهات بشأن الموقف من الاتفاق. الأول: اعتبره فشلاً كبيراً للدبلوماسية الإسرائيلية. الثاني: حاول التقليل من أهمية الاتفاق وآثاره السلبية على الأهداف الإسرائيلية، وأكد أن الحل الدبلوماسي ما زال ممكناً، كما أشار إلى حاجة الروس في الجو للمليشيا الإيرانية على الأرض ماسة، لا يمكن الاستغناء عنها حالياً، لكنها حاجة مؤقتة، وتضعف، وتتحول إلى تنافس بين روسيا وإيران على موارد سورية بعد الاستقرار.

 الثالث: اعتبر الاتفاق إنجازاً، لكنه إنجاز محدود وليس كافياً، فقد أوجد منطقة فاصلة على الحدود، وإن كانت محدودة 5-20 كم، أو كما وصف الجنرال عمرال ليفين الاتفاق بأن فيه عيوب كثيرة، ولكنه في الاتجاه الصحيح. لا بد من الإشارة إلى أن الأجواء العامة في إسرائيل هي الشعور بالإخفاق الدبلوماسي لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي كان يزعم أن قدرته على إقناع الروس بمصالح إسرائيل كبيرة، إضافةً إلى خيبة الأمل من موقف الرئيس ترامب الذي لم يبذل جهوداً كافية، وفق الإسرائيليين، لتحسين شروط الاتفاق لصالح إسرائيل. وأخيراً، من المرجّح أن تستمر الاستعدادات والتحضيرات للخيار العسكري، مع التصريح والتلميح به باستمرار، من دون استخدامه إلا بشكل ضربات محدودة جداً، كما كان في السابق، وهو أمر ستضعف إمكانيته وفعاليته مع مضي الأيام واستقرار نظام الأسد، وذلك من أجل تدعيم التحرّكات الدبلوماسية الإسرائيلية الهادفة إلى الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، من خلال اتفاقيات وتفاهمات دولية محتملة.

المصادر:

العربي الجديد