سوريون ولسنا منصّات

الكاتب : رضوان زيادة
التاريخ : ٢ ٢٠١٧ م

المشاهدات : 2084


سوريون ولسنا منصّات

كان وقع الصدمة على السوريين كبيراً عندما طلب منهم الحضور إلى مؤتمر الرياض 2 بوصفهم "منصاتٍ"، تتبع دولا إقليمية أو صديقة، فالهدف من المؤتمر توحيد المعارضة السورية، بهدف ضمان توحيد قوى الثورة السورية لتحقيق الانتقال السياسي، من نظام دكتاتوري عائلي أمعن في القتل إلى نظامٍ يعبر عن السوريين ويستحقهم، يؤمن بقوتهم وقدرتهم على تحقيق الاستقرار السياسيوبناء النظام الديمقراطي وتحقيق النمو الاقتصادي، لكن ما جرى هو العكس. خضع الذين قبلوا المشاركة في المؤتمر إلى مبدأ محاصصة "المنصّات"، بما تحمله من إهانة لوطنيتهم وقواهم وقدراتهم العقلية في إدارة الانتقال السياسي من دون وصي أو وكيل.

وقد طوى المؤتمر صفحة مؤلمة في تاريخ المعارضة السورية، بنسبتها إلى منصّاتٍ، وليس إلى السوريين، بوصفهم رجالاً ونساء يؤمنون بالتغيير، ويسعون إلى خروج سورية من محنتها العظيمة اليوم، وبدل أن تكون الأولوية لمشاركة السوريين في الداخل، ممثلين عن المجالس المحلية، أو في الخارج ممثلين عن اللاجئين المنتشرين في العالم، مثّلت السوريين "منصاتٌ" تتبع لدول لم تكن يوماً داعمة للثورة السورية أو الانتقال السياسي، فما المعنى إذا من إدخالهم إلى صفوف الثورة وقواها.
عبّر مؤتمر الرياض عن أزمة عميقة في المعارضة السورية التي استمرأت تقديم التنازلات،  بغرض تحقيق محاصصةٍ أبعد ما تكون عن تحقيق أهداف الثورة وتطلعاتها. وأدخلت منصات لم تحمل يوماً روح الثورة أو حلمها، بل كانت دوماً تحتفظ بعدائها للثورة وحلمها في بناء سورية ديمقراطية لكل السوريين، فلم يكن هناك أي مبرّر أو معنى لإدخال هذه الشخصيات إلى وفد يدّعي أنه يمثل الثورة، وجد السوريون في ذلك إمعاناً في إذلالهم، ومنعم من الحق في إدارة شؤونهم. ولذلك تبدو اليوم الحاجة ملحةً لتوحيد قوى الثورة السورية على أسس وطنية وديمقراطية جديدة تمنع الانتهازيين والوصوليين من الحديث باسم الثورة التي لم يؤمنوا يوماً بها أو سعوا إلى تحقيق أهدافها.
وعلى ذلك، سنقوم بالإعداد لمؤتمر وطني جامع، يهدف إلى توحيد قوى الثورة السورية مجتمعةً، لأن هذا العمل مستمر ودائم، تحتاجه سورية اليوم، وسوف تحتاجه أكثر وأكثر في المستقبل، لضمان الأجندة الوطنية، ولضمان تحقيق الانتقال السياسي لنظام ديمقراطي حقيقي، يعبر عن كل السوريين. وهنا أربع نقاط رئيسية تعد بمثابة الأجندة للمؤتمر المقبل
أولا، الحديث عن الواقعية السياسية لا يعني بأي حال القبول ببشار الأسد، فالثورة السورية انطلقت على الرغم من إدراكها تاريخ النظام السوري الطويل في القتل والتهجير. ولذلك، يجب ألا يتم التنازل أبداً عن ضمان تحقيق الانتقال السياسي الكامل، والذي يجب أن يبدأ بحق السوريين في اختيار نظامهم السياسي الجديد، عبر الانتخابات الحرة والنزيهة، يشارك فيها كل اللاجئين السوريين أينما كانوا، وضمان دستور ديمقراطي. وكل السوريين مدركون أن العقبة الرئيسية أمام تحقيق ذلك وجود دكتاتور مريض، يضحّي بكل السوريين من أجل شخصه ورغباته، مهما كانت تكلفة ذلك على سورية وطنا، وعلى السوريين شعبا.
ثانيا، حتى لو افترضنا أن نظام الأسد ينتصر على الأرض عسكرياً، فالحاجة إلى قوة سياسية موحدة من المعارضة تبقى أولوية لمحاصرته دوليا بكل الوسائل، والعمل بكل الطرق القانونية والسياسية الدولية من أجل جلبه للعدالة الدولية، ومحاسبته على الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري. وبالتالي، فالعمل على توحيد جهود المعارضة عمل نبيل ودائم، لأنه الطريق الوحيد لضمان تحقيق الثورة السورية أهدافها.
ثالثاً، بعد سبع سنوات من الثورة، تشكلت عدة مؤسسات للمعارضة السورية من المجل  الوطني و"الائتلاف" وحتى الهيئة العليا للمفاوضات، ويعود جزء كبير من عدم قدرتها على التأثير والتمثيل إلى سياسة القتل الجماعي المستمر التي قتلت أكثر من نصف مليون سوري، وشرّدت أكثر من تسعة ملايين آخرين، ما يجعل مسألة إدارة الأزمة الإنسانية فوق قدرات أية مؤسسة، دولية كانت أم وطنية. ولكن، في الوقت نفسه، تتحمل المعارضة السورية خطأ إغلاقها التمثيل الدينامي للسوريين، ما أبعد الوطنيين شيئاً فشيئاً، وفتح الباب للوصوليين أكثر فأكثر لادّعاء تمثيل المعارضة والحديث باسمها. ولذلك تبدو اليوم الحاجة ملحةً لإعادة كل الأصوات التي آمنت يوماً بالثورة، وبحلمها في بناء نظام جديد للانخراط في جهد توحيد قوى الثورة على أسس جديدة ومختلفة، وبدون إملاءات إقليمية أو دولية، لكي تبقى صوتا للثورة.
أخيراً، ندرك تعددية الأصوات داخل قوى الثورة، وهو من مصادر قوتها، فقد كانت حرية التعبير دوما أحد أهداف الثورة. وبالتالي، يجب أن تفسح المبادرة الجديدة الرأي للتعددية. لكن مع الإيمان أن هناك حداً أدنى من المبادئ التي لا يمكن للثورة ولقواها التنازل عنها، وهو ما من شأنه أن ينعكس في طريقة تنظيم المؤتمر المقبل. وفي الوقت نفسه، تدرك قوى الثورة أن هناك قوى إقليمية ودولية كثيرة ساعدت الثورة وناصرتها في مرحلة من المراحل، لكن هذا لا يبرّر لقوى الثورة أن تخضع لأجندتها، أو سياستها، فالتحولات الإقليمية والدولية تتغير باستمرار. ولذلك، من مصلحة قوى الثورة أن تحافظ على استقلالها وسيادتها، نابعة من إيمانها بأهداف الثورة وبوصلتها.

المصادر: