فرصة أخيرة أمام المعارضة السورية للتعامل مع المجتمع الدولي

الكاتب : سميرة المسالمة
التاريخ : ١٠ ٢٠١٧ م

المشاهدات : 2236


فرصة أخيرة أمام المعارضة السورية للتعامل مع المجتمع الدولي

 

تتزاحم الطلبات في أذهان السوريين، وهم يلملمون كل أمانيهم ليضعوها على ورقة بيضاء، تمثل ما بقي لهم ليتمسكوا به، بعد أن اجتاحت قوافل الموت بلدهم بشراً ومدناً، وبعد أن أصبحت تضحياتهم خارج عدّاد الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، الذي أثقله أن يتابع عمله في تعداد الضحايا بعد الضحية (400000)، وكأنها تقول لا يمكن ضمائرنا الصامتة عن أكبر مآسي هذا القرن، بعد الحرب العالمية الثانية، أن تقبل بحقيقة أكبر من هذه الجريمة، من دون أن يبذل هذا المجتمع الدولي أي قدر من الفعل الجاد لوقفها، بدل تعطيل عداده، والتزام الصمت أمام موت السوريين بعد ذلك بالعشرات والمئات، أرواحاً وعمراناً حاضراً وماضياً ومستقبلاً.

 

على ذلك، ينتظر السوريون من المؤتمرين خلال اجتماعهم المنتظر في الرياض أن يتحملوا مسؤولياتهم، تجاه ما تبقى لهم من فرصة - تبدو الأخيرة - للمعارضة في تعامل المجتمع الدولي معها كطرف مقابل للنظام الحاكم اليوم، على رغم أن ما ترك لهما (أي النظام والمعارضة) تقريره هو المساحة المتعلقة بصوغ آليات العيش المشترك لإنتاج نظام سياسي ينهي عهد الاستبداد ويؤسس لسورية موحدة، بناء على وحدة السوريين كمواطنين أحرار ومتساوين، وعلى رغبتهم المشتركة في استعادة سورية إلى عموم الشعب، ليكون هو المرجعية في اختيار نموذج الحكم الذي يرتضيه لمستقبله، ومن هنا تكمن أهمية أن يدرك المجتمعون أنهم معنيون بوضع الخيارات المفتوحة أمام كل المواطنين السوريين، من دون تحفظ على مصطلح، أو تعنت من طرف في مواجهة الآخر، تحت غطاء ديموقراطية الاقتراع، التي تعني غلبة الأكثرية على الأقلية، لأن هذه لن تنتج بالمحصلة الدولة الوطنية الديموقراطية لمواطنين أحرار متساوين في الحقوق الفردية والجمعية، التي تشكل مصلحة مشتركة لكل السوريين.

 

لذلك، فإن العبور إلى موقع المسؤولية اليوم في التعامل مع الجزء المتاح للسوريين في تقرير مصير نظامهم السياسي الجديد، يستلزم القطيعة مع الأفكار المسبقة حول النظم السياسية، ومنها ما يتعلق بالفيديرالية، أقصد الفيديرالية الجغرافية، التي لا تتناقض مع الدولة الموحدة والقوية، والتي يمكنها أن تواجه المشاريع الانفصالية والتقسيمية برؤية وطنية، تقوم على أساس المصلحة العليا للسوريين، وتنمية مناطقهم سياسياً واقتصادياً ومجتمعياً، وهذا أيضاً لا يتنافى مع وجود تقسيمات إدارية تتعامل مع وحدات حكم لامركزي في الوقت ذاته، أو البحث في خيارات الحكم اللامركزي الذي يضمن عدم العودة إلى استبداد السلطة الجديدة، ونمو أذرعها المالية أو إقطاعياتها الاقتصادية على حساب التنمية المستدامة في كل المناطق السورية. وفي الوقت ذاته، يمكن الحديث صراحة عن شكل الحكم، وفتح الخيار أمام مناقشة توزيع الصلاحيات التي استحوذ عليها رئيس الدولة لعقود طويلة في ظل النظام الرئاسي، ما يفرض استعادة قيم الجمهورية وأسسها، ودولة المؤسسات والقانون، التي تقوم على مبدأي السيادة للشعب وفصل السلطات، مما يكفل إضفاء المرونة على النظام السياسي، وتمكين أوسع ممثلين عن الشعب في تقرير أمور البلد وإدارة دفته. ولعل كل ذلك يتطلب أولاً الجلوس إلى طاولة الاجتماعات من دون أحكام مسبقة على المصطلحات، وبعيداً من الأجندات غير السورية التي ترى في حقوق أي طرف انتقاصاً لحقوقها أو تهديداً لوجودها، كما يتطلب التخلص من تبعيات أيديولوجيات لم يعد لها مكان في واقع سياسي عالمي جديد.

 

إن إطلاق أي مشروع للحل السياسي اليوم لا بد أن يعتمد أساساً على ما هو متاح دولياً من قرارات (بيان جنيف -1 لعام 2012، والقرار 2254)، وهي التي تنص صراحة على ما يريده السوريون من وقف للأعمال القتالية واستعادة مدنية مدنهم بخروج المظاهر المسلحة منها، وتحريرها من الوجود الأجنبي بكل جنسياته وتبعياته، أي من الجنود غير السوريين، ومن المسلحين بأجندات غير سورية، ليتمكن السوريون من متابعة حربهم على الإرهاب وما خلفه من أفكار كانت عاملاً مساعداً للنظام في إنجاح خطته وتحويل الصراع السياسي إلى صراع مسلح وطائفي في بعض جبهاته، مما أضر بثورة السوريين التي نادت بالحرية والمواطنة والحياة الكريمة المتساوية للجميع.

لا يختلف المدعوون إلى حضور هذا الملتقى الوطني على أنه آن الوقت لترك خلافاتهم، وحتى أجنداتهم الضيقة لمصلحة الحل السياسي، والخروج ببرنامج عمل موحد، يتفاوض عليه وفد واحد، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته بوضع نهاية لملف المعتقلين والمغيبين والمختفين قسراً، وكذلك إجبار النظام على فك الحصار عن المناطق، وإلغاء كل نتائج عمليات التهجير والتغيير الديموغرافي التي مارسها النظام مستعيناً بالدولة الطائفية إيران، ليتمكن المهجرون والمشردون من العودة إلى مدنهم ومناطقهم وبيوتهم والتعويض على من فقدها.

 

ما يأمله السوريون اليوم هو أن يتذكر المجتمعون أنهم لا يمثلون كل الشعب وليسوا وكلاء عنه، ولكنهم يعبرون عن رغبة معظم الشعب السوري الذي نادى بوحدته قبل أن ينادي بوحدة جغرافيته، مما يؤكد فطنة الشعب لما قد يهدده، أكثر من فطنة السياسيين الذين تمحوروا حول أيديولوجيات أو توظيفات بعيدة من إجماعات السوريين ومصالحهم، ويجعلهم نواة وحدة سورية وأساسها، مع تنوعهم واختلاف مكوناتهم الطائفية والإثنية التي ينتمون إليها، لأنهم بالمحصلة ووفق إدراكهم لمسؤولياتهم كمواطنين متساوين، يشكلون الهوية الوطنية الواحدة، بعيداً من الحالة القسرية التي يمكن أن تعرضها للكسر والتمزق.

 

وعلى كل الحاضرين أن يتذكروا أنهم اليوم معنيون بما يحدث في ريف دمشق وغوطتها التي يموت أهلها جوعاً، على رغم اتفاق خفض التصعيد والوعود بإدخال المساعدات، وفي دير الزور التي تم تحريرها من «داعش» وأهلها في آن معاً على يد النظام السوري وحليفتيه إيران وروسيا، وفي الرقة التي تتألم تمزيقاً، ودمشق وحوران والقنيطرة التي تنخر فيها إيران لتضرب أهلها ببعضهم، وفي إدلب التي تتنقل بين ظلم وآخر، وفي حلب المكلومة، وحمص التي تواجه عواصف الحقد الطائفي، وفي كل بقعة عرفت معنى الفقد والفقدان، من حماة إلى طرطوس والسويداء، وصولاً إلى الحسكة والقامشلي حتى أطراف اللاذقية، كما انهم معنيون بملايين المشردين وأكثر من مليون معوق، والنازحين، والآباء والأمهات يدثرون وجوههم خشية أن تكون هذه التضحيات قد ذهبت مهب الريح بسبب خلافاتهم وارتهاناتهم. كل ذلك يجب أن يحض المؤتمرين على التئام شملهم ليشكلوا النواة الصلبة لجدار يحاصر موتنا، ويفتح الطريق إلى الحياة، الحياة التي تعني الحرية.

المصادر:

صحيفة الحياة