مواجهة الأسد تفاوضياً

الكاتب : فاطمة ياسين
التاريخ : ٢٩ ٢٠١٧ م

المشاهدات : 2731


مواجهة الأسد تفاوضياً

أصبحت الحرب على "داعش" في مراحل متقدمة، فالتقارير تقول إن الوجود الجغرافي للتنظيم قد تقلص في سورية بمقدار 65%، لكن الهجمة المستعرة عليه لن تتوقف بالطبع، فالموسم هو موسم الحرب على الإرهاب، والجميع يريد أن يثبِّت رايته في هذا المضمار.. يخوض جيش النظام جزءاً من المعركة الآن، ويتغنى المرصد السوري لحقوق الإنسان بانتصاراته وحصاراته فيها، فيما يبدو أن النظام لا يقتحم إلا الفيافي الفارغة.. سيستمر تقلص التنظيم التراجيدي، وستلحق به هزيمة في نهاية المطاف.
ولكن أصبح مؤكدا أنه سيتحول إلى خلايا نائمة، أو نصف مستيقظة، مستعدة للانقضاض، أو ستترك له مساحاتٍ ضيقة نائية، يُصلِح بها من شأنه بالطريقة نفسها التي تركت لحركة طالبان وتنظيم القاعدة في أفغانستان. ومرحلة ما بعد "داعش" وقد تطول قليلاً إلى ما بعد التأكد من أن كل القوى الجديدة قد تمركزت فوق الأرض التي تحتلها بالقوة الكافية، هذه المرحلة التي يفترض خلوّها من أي جهة إرهابية، هي مرحلة مواجهة النظام تفاوضياً.
جرى تعويم النظام السوري عبر البوابة العسكرية، وأجبرت محاربة الإرهاب الجبهات المعتدلة على التوقف، وتم استعداء القوى المختلفة الموجودة في إدلب، وترك جيش النظام يحقق انتصاراتٍ في الصحراء، كما جرى "نصب" مجموعةٍ من الهدن المتفرقة، ليتسنى للنظام تحشيد قواته في مكانٍ محدّد والإيحاء بأنه ما زال قوياً وقادراً على الإمساك بزمام المواقف، كما تم التأكّد من قدراته الفذّة في مسألة تفتيت الجبهة المقابلة (المعارضة)، وهي لعبة بدأتها روسيا بابتكار مشهد تفاوضي موازٍ. وفي الحقيقة، كان تأسيساً لتفاوضٍ بديل، حين أعلنت عن مؤتمر أستانة، وأوحت بأن الحديث في تلك العاصمة الدافئة أكثر نجاعةً من الذهاب الروتيني إلى جنيف، على الرغم من أنها لم تتخل عن جنيف ولا مرة، ودأبت على حث النظام لتثبيت حضوره، وإن بوجه مراوغ أظهره بشار الجعفري في كل جولة، مع تضخيم إعلامي مستمر لما تنتجه العاصمة أستانة. وقد مهد هذا التشتت السياسي لإيجاد المنصّات المتعددة، لم تطلب الدول الداعمة للمنصات وجود قوى عسكرية على الأرض، بل أصرّت على تبني وجوه إعلامية أتبعتها بصفة "معارض"، وإن كان الوصف مسار خلافٍ مبدئي بين السوريين، وبنت لها منصّات خاصة بقوة الإعلام، فطفت على السطح أسماء لا تمتلك تاريخا معارضا، ولها حاضر ملتبس وقريب للنظام، لكن أصحابها شكلوا منصّاتٍ حية، بقوة الأمر الواقع.
يوحي المشهد الحالي الذي جرى تصميمه بدقة أن النظام ذو جبهة متماسكة وقوية، وقادر على افتتاح معارض دولية يقصدها مئات الآلاف، في مواجهة شظايا سياسية وعسكرية متصارعة ذات طبيعة أصولية، أو وصولية، همها التكالب على السلطة، وهو أمر عملت عليه بقصد، أو بدونه، قوى دولية، وأخرى كبيرة، واشتركت به بلدان عربية ذات تأثير مباشر.
تهمة الإرهاب التي ألبست إعلامياً، وبشكل عملي، لمجمل القوى العسكرية المعارضة الموجودة في الميدان أشعلت الحروب الجانبية الصغيرة بين الفصائل في الجنوب وفي دمشق وفي الشمال، حيث التجمع الأكبر للمعارضة المسلحة، فيما يجد الأكراد أنفسهم، وقد انشغل الجميع، جاهزين لإطلاق عملية انتخاب مجالس محلية على ثلاث مراحل، وتسمية مؤتمراتٍ بعد شهور من إقرار دستور خاص، ليحكم الفيدرالية التي أكد الأمر الواقع أنهم حصلوا عليها. ولم تجد الأصوات المعترضة، من النظام أو المعارضة، صدى عمليا لوقف الممارسات الكردية، خصوصاً أن الانتخابات المبنية على الدستور الكردي الجديد قد دعي إليها المجتمع الدولي مراقباً سير الانتخابات الكردية، ومتواطئاً مع مرحلة سورية جديدة، يقر فيها الأسد باقياً فترة زمنية مفتوحة، لكن المشهد الكامل لم يؤد بعد إلى انتصارٍ محسوم للأسد، وهو أمرٌ لا يزال بعيداً ومكروها، لكنه يعطي وقتا مستقطعا قد يكون كافياً للمعارضة، وخصوصا السياسة منها، للعمل على تبني خطاب حقيقي، يستوعب متغيرات الواقع، ومزاج محاربة الإرهاب السائد.

 

العربي الجديد

المصادر: