لبنان.. هذا التحريض العنصري ضد السوريين

الكاتب : سعد كيوان
التاريخ : ٢٣ ٢٠١٧ م

المشاهدات : 2396


لبنان.. هذا التحريض العنصري ضد السوريين

استوت الطبخة، وبدأت التعبئة السياسية والإعلامية والشحن الطائفي، والتخويف من النازح واللاجئ، وشد وتر العصبية اللبنانية، تفرز نتائجها. العنوان المعلن لهذه الحملة هو الدفاع عن الجيش اللبناني "سياج الوطن وحامي أمنه وحدوده من الإرهابيين". علما أن لا أحد تعرّض للجيش بكلمة. أما المبطن والمضمر فخطير وخبيث وسلطوي واستبدادي وفتنوي، ناهيك عن رائحة العنصرية التي بدأت تفوح.
بدأت الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي تنافس مزايدة في التهليل للجيش والإشادة به، وشتم النازحين السوريين، خصوصا في أوساط المراهقين والجهلة، بدأت تنتقل إلى وسائل الإعلام وتتوسع، ثم تليها التعبئة في الشارع وعلى اللوحات الإعلانية. وها هي تدخل كل بيت، متخطيةً كل الخلافات السياسية والانتماءات الطائفية والمذهبية. الجيش لا يُنتقد ولا يُمسّ، ولا يمكن إبداء أي ملاحظةٍ تجاه ما يقوم به. ولا يجب حتى أن يُؤتى على ذكره على أي شفة أو لسان، غير التبجيل والحمد، كما في ظل الأنظمة العسكرية. أنه يقاتل ويستبسل في مواجهة الإرهاب وتنظيماته، مثل "داعش" وجبهة النصرة المتغلغلة بين النازحين، بحسب أصحاب الحملة. حتى عندما يخطئ، وجلّ من لا يخطئ، وإذا حصل وأن أخطأ في التعاطي مع بعض من تم اعتقالهم خلال عمليات مواجهة على الحدود الشرقية اللبنانية - السورية، وأدّى هذا الخطأ إلى وقوع أربع ضحايا، فمن غير المسموح أن يحتج أحدٌ، أو أن يطالب بإجراء تحقيقٍ لكشف حقيقة ما حصل، حفاظا على حقوق الموقوف، حتى تثبت إدانته، أو بهدف معرفة حقيقة ظروف من قضى، وحفاظا، في الوقت عينه، على دور الجيش وسمعته وحصانته.

ولأن أحدا تجرّأ، وهو طرفٌ لبناني بطبيعة الحال، ودعا إلى اعتصام رمزي سلمي مرخص،  تضامنا مع الموقوفين والضحايا، ومطالبا بكشف حقيقة ما حصل مع هؤلاء الأشخاص، بغض النظر عن جنسيتهم وانتماءاتهم، ارتفعت أصواتٌ تهدّد بالثبور وعظائم الأمور. واشرأبت أعناق وأبواق مأجورة ومسعورة مطلقةً حملة شعواء على النازحين السوريين، "المعتدين على أمننا" و"المتنكّرين لحسن الضيافة"، و"ناهبي خيراتنا ولقمة عيش أبنائنا" و.. و.. وحولت البروباغندا الاعتصام إلى تظاهرة معادية للجيش اللبناني. وأعلن "سعاة الخير"، من حاقدين وبقايا أجهزة، عن تظاهرة مضادة، تضامنا مع الجيش في المكان نفسه. ووسط هذا المناخ المسموم، اندفع متهورون ليلا إلى مطاردة بعض النازحين، والاعتداء عليهم بوحشية. عندها، سارعت وزارة الداخلية إلى التحرّك لضبط الأمور، قبل حصول ما لا تُحمد عقباه. وقد دفعت الوقاحة بالسفير السوري في بيروت إلى حد إصدار بيانٍ يدين فيه "المعاملة السيئة التي يتعرّض لها السوريون من البعض" في لبنان؟!
الخطوة الأولى إذا إيجاد مناخٍ معاد للنازحين السوريين الذين هم بمعظمهم من معارضي النظام، ولجأوا إلى لبنان هربا من القتل ببراميل الأسد المتفجرة. ثم تسويق فكرة أن مخيمات النزوح أصبحت مخترقة من إرهابيي "داعش" وجبهة النصرة الذين يتلطون بالنازحين، للاعتداء على الجيش كما يروّج حزب الله منذ فترة. وبالتالي، تأليب الجيش ضد النازحين، ووضعهم في مواجهةٍ معه، بالتزامن مع إحداث مناخٍ تعبويٍّ من الحقد والكراهية والعنصرية تجاه السوريين، واللعب على خلفية مخزون الذاكرة، الحديثة في مطلق الأحوال، عبر الخلط بين الشعب السوري وممارسات النظام السوري وأجهزته التي حكمت لبنان ثلاثين سنة.

الخطوة الثانية هي إيهام النازحين السوريين، في المقابل، بأنهم باتوا غير آمنين، وغير مرغوب فيهم في لبنان، وإن العودة إلى سورية هي الخيار الأسلم لهم. ولكن، إلى أين؟ يحاول هنا حزب الله الضغط على الحكومة اللبنانية، لإجبارها على فتح حوار مع بشار، والاعتراف بشرعيته، والتنسيق معه بشأن عودة النازحين التي يضمنها هو إلى "المناطق الآمنة" التي يسيطر عليها. وطبعا نريد أن نقتنع أنها مزحة، ولو سمجة، إلا أن هذه المناورة لم تنطل على رئيس الحكومة وحلفائه من غير "الممانعين".
الخطوة الثالثة والأهم تمرير تحت دخان هذا الغطاء الكثيف والخبيث المشحون بالسموم العنصرية "معركة تحرير جرود عرسال" اللبنانية من إرهابيي "النصرة" التي مهد لها حزب الله منذ أسابيع، وأطلقها فجر الجمعة 21 يوليو/ تموز الجاري. وهي معركةٌ قرّرها وافتعلها حزب الله بمفرده، ووضع الجيش اللبناني أمام الأمر الواقع، بعد أن تم توريطه في معارك تطهير تمهيدية، اصطدم خلالها بوفاة أربعةٍ بظروف غامضة من بين الذين تم توقيفهم خلال المداهمات. وقد مهّدت هذه الواقعة الطريق أمام حملة التعبئة والتجييش مع الجيش، وضد النازحين. وقد مهد الطيران الحربي الأسدي لهذه المعركة منذ أكثر من أسبوع بغاراتٍ على جرود عرسال داخل الأراضي اللبنانية، فيما بدت الحكومة اللبنانية مربكةً، تلتزم الصمت حيال انتهاك طيران بشار السيادة اللبنانية. أما جماعة "الممانعة" فيبرّرون هذا الانتهاك بأنه يعود إلى عدم ترسيم الحدود بين البلدين، علما أن من رفض كل محاولات الترسيم هو النظام السوري، سواء بالمباشر أو عبر الأمم المتحدة.

تم التحضير لمعركة عرسال بإتقان، وعلى أكثر من مستوى، أوله إحراج الجيش وإجباره على اللحاق بما يقرّره حزب الله، بسبب غياب أي قرار رسمي حكومي. وثانيا، عبر إيجاد مناخ لبناني حاضن ومعاد للنازحين. وثالثا، مواكبة من وسائل إعلام "الممانعة" التي راحت تروّج المعركة، وتتكلم عن تفاصيلها وإحداثياتها قبل حصولها. وواضح أن الهدف الجوهري للمعركة أن منطقة عرسال (نحو 50 ألف نسمة من السنّة) تشكل عقبة كأداء في طريق تحرير الشريط الساحلي (دويلة الأسد المزعومة؟) من دمشق نحو حمص واللاذقية.
وللمفارقة، رسمت صحيفة الأخبار اللبنانية صورة عن مجريات المعركة في عددها الصادر صباحا بالتزامن مع بدء الهجوم، واعتبرت بوضوح، ومن دون أي إحراج، أنها معركة يخوضها حزب الله والجيش السوري. وقدمت للتقرير جازمةً أن المعركة "ستنتهي قريباً بتحرير ما يزيد على 300 كلم مربّع من سيطرة الإرهابيين على يد المقاومة والجيش السوري، ليتسلّم الجيش اللبناني لاحقاً الحدود اللبنانية ــ السورية "خالية من الإرهاب".

العربي الجديد

المصادر: