السياسة الخارجية التركية ما بعد الانقلاب الفاشل

الكاتب : علي حسين باكير
التاريخ : ٢١ ٢٠١٦ م

المشاهدات : 3106


السياسة الخارجية التركية ما بعد الانقلاب الفاشل

تطرح الآن في العديد من الأوساط تساؤلات حول طبيعة التحولات التي سيتركها الانقلاب الفاشل على السياسية الخارجية التركية، لا سيما أنّه وقع في وقت حسّاس للغاية كانت تركيا تتّجه فيه نحو إعادة تطبيع علاقاتها مع روسيا وإسرائيل، وسط حديث عن إمكانيّة أنّ تؤدي هذه التطورات الإيجابية إلى إعطاء زخم للسياسة الخارجية للانفتاح على مقاربات مختلفة ربما للعلاقة مع دول أخرى كمصر والعراق، أو أن تؤدي ربما إلى تحييد الملفات الإقليمية عن كونها ورقة في صراع ثنائي على النفوذ مع الدول الأخرى، بحيث يؤدي ذلك إلى حل الخلافات العالقة بشأن مواضيع حسّاسة كالأزمة السورية أو مكافحة الإرهاب.

لا شك في أنّه لا يمكن لدولة مثل تركيا أن تتجاهل متطلبات السياسية الخارجية، لا سيما في هذه المرحلة، ولكنّ ما حصل ليس بالأمر الهيّن حتى يتوقع البعض أن يعود التركيز بشكل سريع على أولويات السياسية الخارجية، إذ إنّ الجانب المحلي، لا سيما الشقين الأمني والقضائي، سيحظى بأولوية لدى صانع القرار التركي وأجهزة الدولة في المرحلة الحالية، فمن دون حسم الموقف داخلياً لا يمكن أن تكون هناك سياسة خارجية فاعلة.

تقاطع الأولويات:

ولكن في المقابل، يمكننا أن نشير إلى وجود تقاطع بين الأولوية الداخلية حالياً وبين متطلبات السياسية الخارجية على المستوى التكتيكي لناحيتين على الأقل.

الأولى ترتبط بالشق الخارجي للتطورات على الصعيد الداخلي، لا سيما في ما يتعلّق بما تعتبره الحكومة تورطاً لجماعة فتح الله غولن في التدبير للانقلاب الفاشل، وفي ما يتعلّق بردود الأفعال الصادرة عن مختلف الدول، والثانية في ما يتعلّق بمصير إعادة تطبيع العلاقات مع روسيا وإسرائيل، وإمكانية الانفتاح على مبادرات خارجية أخرى إقليمياً ودولياً.

وفي ما يتعلّق بجماعة غولن، بدأت المفاعيل الخارجية في البروز بشكل سريع، لا سيما مع مطالبة السلطات التركية للولايات المتّحدة بتسليم غولن المقيم في الولايات المتّحدة منذ عام 1999، خصوصاً أنّ هناك اتفاقية ثنائيّة بين البلدين تسمح بتسليم المجرمين، وتحاول الإدارة الأميركية حتى الآن تأخير هذا الموضوع من خلال طلب أدّلة حول مسؤولية غولن في العملية الانقلابيّة الفاشلة.

صحيح أنّ الولايات المتّحدة حليف استراتيجي لتركيا، ولكن هذا لا يعني تجاهل التناقض الحاد الذي تسببت به الإدارة الأميركية في الأجندات والأولويات والمصالح بين الجانبين، لا سيما على الصعيد الإقليمي في ما يتعلّق بالوضع السوري والعلاقة مع العراق ومكافحة الإرهاب ودعم حزب الاتحاد الديموقراطي الكردستاني بقيادة صالح مسلّم الذي تعتبره أنقرة فرعاً سورياً لحزب العمّال الكردستاني المصنّف إرهابياً.

لا شك في أنّ موضوع غولن سيكون ملف خلاف إضافياً في العلاقة مع إدارة أوباما، ناهيك عن التساؤلات المطروحة لدى الجانب التركي عن حقيقة وجود دور خارجي، سواء للولايات المتّحدة أو لغيرها من القوى، في دعم الانقلاب أو السكوت عنه على الأقل.

الاتحاد الأوروبي:
من ناحية أخرى، فإن التعليقات الاستعلائيّة المتواصلة، أيضاً، من قبل بعض الدول الأوروبية قد تخلق مادة جديدة للنزاع بين السلطات التركيّة وهذه الدول، لا سيما فرنسا وألمانيا، خصوصاً أنّ هناك تجربة سابقة في سكوت الاتحاد الأوروبي عن الانتهاكات الخطيرة والجرائم الكبيرة التي ارتكبت وترتكب بحق الإنسانية في العديد من الدول الإقليمية المجاورة لتركيا، وكذلك على دور الجيش والمؤسسات الأمنية في السياسة، وهو الأمر الذي من المفترض، وفق معايير الاتحاد الأوروبي وقيمه، أن يكون مداناً، وأن يتم العمل على منعه من قبل المجتمع الدولي.

وعلى الرغم من أنّ أولوية الحكومة التركيّة ستكون الوضع الداخلي، فإنّنا نتوقّع أن يتم استئناف نشاط السياسة الخارجية سريعاً، لا سيما في ما يرتبط بتطبيع العلاقات مع روسيا وإسرائيل، خصوصاً إذا كانت العلاقة مع الإدارة الأميركية وبعض الدول الأوروبية مرشّحة للتراجع، أو أن تشهد توتراً إضافياً على اعتبار أنّ الحكومة التركية ستكون بحاجة إلى تعويض ذلك بفتح قنوات تواصل وتعاون جديدة مع من يستطيع أن يعوّض الهوّة الحاصلة في العلاقة مع واشنطن والاتحاد الأوروبي.

وفي هذا السياق، فمن المتوقّع أن يكون هناك لقاء مباشر لأوّل مرّة بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين الشهر المقبل، لتسريع خطوات التطبيع بين البلدين، على أمل أن يؤدي التقارب الثنائي إلى إزالة أسباب التوتر في مناقشة القضايا ذات الطابع الإقليمي وفي طليعتها الملف السوري.

وفي المقابل، فقد يتراجع الحديث عن الانخراط التركي في محادثات مع بعض الدول الإقليمية، لا سيما تلك التي كانت لها مواقف سلبية جداً سياسياً وإعلامياً، حيث عبّرت بشكل مباشر وغير مباشر عن دعمها للانقلاب، معتقدة أنّ الأمر انتهى مبكّراً لمصلحته.

أما في ما يتعلّق بالموقف التركي من القضايا الملتهبة والمفتوحة على المستوى الإقليمي، فإن الموقف الأساسي والمبدئي منها لن يتغيّر بتقديري، ولكن ستكون هناك تساؤلات عن مدى قدرة تركيا في التأثير على مجريات الأحداث فيها مجدداً، وقد يتراجع هذا التأثير أو يتقدّم ليس تبعاً للموقف التركي فقط وإنما تبعاً لطبيعة المواقف والتحالفات الإقليمية والدولية، لا سيما موقف الولايات المتّحدة وروسيا.

 

 

القبس الكويتية

المصادر: