أحرار الشام وجيش الفتح ومنظمة العفو الدولية

الكاتب : مجاهد مأمون ديرانية
التاريخ : ١٩ ٢٠١٦ م

المشاهدات : 2502


أحرار الشام وجيش الفتح ومنظمة العفو الدولية

-1-

أصدرت منظمة العفو الدولية (أمنستي) قبل أسبوعين تقريراً بعنوان "حالات الخطف والتعذيب والقتل تحت حكم الجماعات المسلحة في حلب وإدلب"، وتضمن التقرير اتهاماً صريحاً لبعض الفصائل بارتكاب انتهاكات ترقى إلى مستوى جرائم حرب. وقد علّق مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة العفو الدولية، فيليب لوثر، على تقرير المنظمة قائلاً: "إن للجماعات المسلحة في حلب وإدلب اليوم مطلق الحرية في خرق القانون الإنساني الدولي وارتكاب جرائم حرب مع إفلاتها من العقاب، وقد استطعنا -في تطور يبعث على الصدمة- أن نوثّق استخدام بعض تلك الجماعات نفس أساليب التعذيب التي دأبت الحكومة السورية على استخدامها".

-2-

مهما يكن رأينا في تقرير "أمنستي" الأخير فإن علينا الاعتراف بأنها واحدة من أكثر المنظمات الدولية حياداً واستقلالاً ودفاعاً عن المستضعَفين، وأن تقاريرها تنتشر في كل أنحاء العالم ولها تأثير كبير على المستويين الشعبي والحكومي، وهي حليف إستراتيجي لأحرار العالم، بما فيهم أحرار سوريا الذين يرون فيها صوتاً عالياً يمثلهم في الإعلام الغربي ويدافع عن حقوقهم في المحافل الدولية.

منذ بداية الثورة السورية نشرت "أمنستي" -بعدة لغات- أكثر من 600 تقرير وبحث وخبر وحملة من أجل سوريا، غطّت أهم جرائم الحرب والانتهاكات التي ارتكبها النظام وروسيا والمليشيات الطائفية وداعش، وعلى رأسها المجازر والقصف والاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري، بالإضافة إلى انتهاكات حقوق اللاجئين في دول الجوار، لا سيما في لبنان. وقد نشرت قبل الثورة مئات المواد المشابهة، ومنها حملتها في أيلول 2010 لإطلاق طل الملوحي، فكّ الله أسرها وأسر كل أسيراتنا وأسْرانا في سجون النظام.

-3-

تقرير أمنستي أزعج حركة أحرار الشام فردت عليه ببيان طويل. قبل التعليق على التقرير والبيان علينا أن نسأل: هل حصلت انتهاكات حقيقية في إدلب بعد التحرير؟ يمكننا أن نلجأ إلى الخيار الأسهل، وهو الإنكار، ولكنه ليس الموقف الذي يُنتظَر صدورُه عن ثوار أحرار شرفاء صادقين. إن الأمانة تقتضي الاعتراف بأن جيش الفتح ارتكب انتهاكات، وأن بعض الأرواح أُزهِقت بغير حق، وأن بعض الممتلكات -بما فيها بعض الكنائس- تعرضت للسطو والتخريب.

لن أجازف بتأكيد كل ما ورد في التقرير بتفصيلاته الكاملة، لكني أستطيع تأكيد اعتقال بعض الناشطين الثوريين والحقوقيين والإعلاميين، وقتل اثنين من نصارى المدينة على الأقل وتخريب كنيسة واحدة على الأقل وتحطيم الرموز الدينية فيها، وهي حوادث تكفي -من ناحية قانونية وإنسانية- لتوجيه الاتهام إلى "جيش الفتح" المسؤول عن إدارة وحماية المدينة وسكانها.

-4-

حرص بيان حركة أحرار الشام على الإشارة إلى جيش الفتح بوصفه الصحيح ستّ مرات: "غرفة عمليات جيش الفتح"، في محاولة جادّة لنفي الارتباط العضوي بين مكوّنات ذلك الكيان الذي يسمى عادة بالاسم المختصر "جيش الفتح". ويا له من اختصار مضلّل عندما يُحذَف الشطر الأول من هذا التعبير الطويل، فتوصَف القوةُ المسيطرة على إدلب بوصفٍ يوحي بأنها جيش واحد ذو قيادة واحدة، وهو وَهْمٌ وقع فيه كثير من متابعي الثورة السورية -من السوريين ومن غير السوريين- بحيث صار الفصل بين مكوّناته المختلفة في أذهان الناس أقربَ إلى الاستحالة في كثير من الأحيان.

لم يبتعد توضيح الحركة عن الحقيقة، فإن المناطق المحررة لا تخضع لأي سلطة ثورية موحدة، بل إنها صارت دُوَيلات مستقلة  "لكل منها سياسته الأمنية ومراكز الاعتقال الخاصة به". هذا التوصيف الكارثي الذي ورد في بيان حركة أحرار الشام يصف حالة شائعة في المناطق المحررة، وقد أسهبتُ في وصفها في مقالة "الفصائلية من تحرير سوريا إلى صوملة سوريا"، فمن شاء فليرجع إلى تلك المقالة للاطلاع على التفاصيل.

-5-

لا بد من الإشادة بموقف حركة أحرار الشام الإيجابي من تقرير أمنستي واستعدادها للتحقيق في الاتهامات التي وردت في التقرير، وقد صدقَت الحركة حينما قالت في بيانها إنها تبذل جهوداً كبيرة لحماية الأقليات في المناطق المحررة. وكما أكدتُ آنفاً وقوع بعض الانتهاكات التي تعرضت لها الأقلية المسيحية في إدلب فإن من واجبي أن أوضح أن حركة أحرار الشام كانت سبباً مباشراً في محاصرة تلك الانتهاكات والحدّ منها، وأن الحركة وقفت موقفاً حازماً في أكثر من مناسبة من الفصيل الداعشي الذي لم يَسْلم منه المسلمون قبل غيرهم، "جند الأقصى"، وأن موقفها الحازم نجّى كثيراً من الأبرياء من مصير مجهول.

ما سبق يُسجَّل لحركة أحرار الشام وتستحق عليه الثناء والتقدير، ولا بد أيضاً من الاعتراف بما أكدته الحركة بشأن الاستقلال الإداري لمكوّنات جيش الفتح، لكن هذا كله لا يشفع للحركة من الناحية القانونية ولا يعفيها من المسؤولية الجنائية عن الانتهاكات التي يرتكبها أيُّ مكوِّن من مكونات "جيش الفتح"، لأنه أقرب إلى الشركة التضامنية التي يتحمل كل الشركاء فيها مسؤولية الخسارة، فإذا ارتكب أي فصيل ضمن جيش الفتح أي انتهاكات فلا بد أن تتحمل فصائلُ الجيش كلها المسؤوليةَ الكاملة عن تلك الانتهاكات.

-6-

هنا نصل إلى كلمة الختام في هذا التعقيب الطويل على تقرير أمنستي وبيان أحرار الشام: إن تحميل فصائل جيش الفتح مسؤولية الانتهاكات التي ترتكبها جبهة النصرة وجند الأقصى أمر حتمي طالما بقي هذا التحالف على صورته الراهنة، وهو غرمٌ لا غُنْمَ يكافئه ويوازيه، لذلك قالها حكماء الثورة مراراً: "الحل بحل جيش الفتح". هل من أمل في أن يسمع قادةُ الأحرار هذه النصيحة الصادقة ويطبّقوها قبل فوات الأوان؟

لقد أُنشِئت غرفة عمليات جيش الفتح من أجل مهمة محددة، وقد تمّت المهمة بنجاح فلم يبقَ لبقاء هذا التحالف مبرر. لقد آن الأوان ليدرك قادة أحرار الشام أن في ارتباطهم بأي فرع من فروع القاعدة في تشكيل عسكري أو إداري دائم خطراً كبيراً على الحركة هم في غنىً عنه. لقد بذلت القاعدة جهدها على مر السنين لصناعة الأعداء وحرصت على الدخول في حالة حرب دائمة مع أكثر دول الأرض، وهي حرب لا يمكن أن تُستثنَى منها فروع القاعدة في سوريا، ولن ينجو مِن نارها مَن يرتبط بها ويستظلّ بمظلتها من الفصائل والجماعات.

*   *   *

بدا واضحاً أن تقرير منظمة العفو الدولية أزعج حركة أحرار الشام، وإنما هو القطرة التي تسبق الغيث، وقد ظهرت بوادرُ الغيث سُحُباً تتلبّد في الأفق منذ بعض الوقت، وما هي بعلامات عارض ممطر بل هي علامات عاصفة هوجاء.

فإنْ كانت الحركة مستعدة للغرق فلتبقَ حيث هي، وإن شاءت النجاة فإن أولى خطوات النجاة هي حل غرفة العمليات التي تحمل اسم جيش الفتح، والامتناع عن الدخول في تحالفات دائمة مع جميع فروع القاعدة في سوريا، والمفاصلة الفكرية مع القاعدة وجبهة النصرة، مفاصلةً منهجيةً لا تمنع من استمرار التعاون الميداني بين الحركة والنصرة كما لا تمنع كل أنواع التعاون مع جميع القوى الثورية في الميدان.

 

 

الزلزال السوري

المصادر: