عن مساوئ النظام البرلماني في سوريا ما بعد الأسد

الكاتب : علي حسين باكير
التاريخ : ٢٨ ٢٠١٦ م

المشاهدات : 3934


عن مساوئ النظام البرلماني في سوريا ما بعد الأسد

قد يعتقد البعض أنّه من المبكّر مناقشة شكل النظام السياسي ما بعد الأسد في وقتٍ لا يزال فيه الملف السوري يتفاعل سلبيّا وسط فوضى عارمة من التكتيكات الإقليمية والدولية، وتنازع نفوذ وتضارب مصالح، وانغماس عدد كبير من الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين.

لكن الحقيقة تقول إنّه ليس من المبكّر على الإطلاق مناقشة شكل النظام السياسي الذي يطمح إليه السوريون في سوريا ما بعد الأسد، وقد قامت بعض الجهات السورية بالفعل بطرح رؤيتها على الأطراف الدوليّة، فضلاً عن أنّه إذا كنّا سننتظر "الوقت المناسب" لمناقشة هذا الأمر فقد لا نناقشه على الإطلاق.

لقد عانى السوريون لعقود طويلة من نظام الأسد الطائفي شكلاً ومضمونا، وقد انتهى الأمر بانفجار الشعب في العام 2011 ومن الطبيعي والحال هذه أن يكون هناك ردّة فعل معاكسة إزاء ما يأنفه الناس نتيجة الظلم والسياسة الطائفية للأسد وحلفائه والإجرام الذي ارتكبوه بحق الشعب.

إختيار البعض للنظام البرلماني قد يكون في جزءٍ منه تعبيراً عن ردّة الفعل تلك، وككل شكل من أشكال النظم السياسية هناك حسنات وسيئات للنظام البرلماني، لكنّ أيّاً كان شكل النظام الذي سيختاره السوريون في مرحلة ما بعد الأسد يجب أن يكونوا حذرين جداً من خياراتهم لأنّها ستحدد مستقبلهم ومستقبل بلادهم.

باعتقادي الشخصي فإن اقتراح نظام برلماني لما بعد الأسد مباشرةً سيكون له مساوئ كثيرة خاصّة في الوقت الذي ستكون فيه البلاد غير متماسكة جغرافيا، والأقليات الطائفية والقوميّة والدينيّة مشدودة، والأكثرية ممزّقة الانتماءات بين القومي والديني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، والسلاح منتشر بين الميليشيات ذات الولاء الخارجي الإقليمي والدولي، وهناك تجمّعات سياسيّة يتمّ تشكيلها الآن لتكون موالية لإيران وأخرى لروسيا ليس ضمن الأقلّيات فقط وإنما في قلب الأكثريّة.

صحيح أنّ النظام البرلماني يساعد على تمثيل أفضل لمكونات الشعب السوري ويشرك – من حيث المبدأ- الجميع بشكل فعّال من في العملية السياسية وإتخاذ القرار عبر البرلمان والحكومة وأجهزة الدولة لكن في المقابل يكفي في النظام البرلماني أن تؤمّن ثلث معطّل حتى تشل النظام السياسي والدولة بأكملها، او أن تغيب أغلبية واضحة عن البرلمان فينشأ لدينا سلطة ضعيفة أو نظام محاصصة، أو أن يتم تعطيل الحكومة من داخلها وسط إعتراض وزراء على سياسة الوزير الأول، وفي الظروف التي شرحناها أعلاه لن يكون من الصعب حصول مصل هذه الأمور، بل من المرجّح أن تكون الغالبة.

أضف إلى ذلك أنّ النظام البرلماني في الظروف المذكورة أعلاه يشجّع على الإنقسام والمحاصصة الطائفية لأنّه سيكون محفّزا على الصراع على الصلاحيات وتنازع السلطات المتداخلة غير المفصولة بوضوح، كما أنّ غياب الأرضيّة الصالحة لحياة حزبية صحيحة لاسيما في السنوات الأولى في مرحلة ما بعد الأسد قد يؤدي إلى غياب أغلبيّة حزبيّة واضحة لاسيما إذا فشلت الأغلبية العدديّة في تمثيل نفسها عبر عدد محدود من الأحزاب الكبرى وتناثرت أصواتها بين عدد هائل من الأحزاب في مقابل تماسك مفترض لممثلي الأقليّات.

هذا الوضع قد يشكّل أرضاً خصبة لحفظ مصالح لاعبين اقليميين ودوليين بعينهم على حساب الدولة السورية والشعب السوري والمصالح السوري، مما من شأنه أن يبقي الدولة السورية ما بعد الأسد ضعيفة ومترهّلة ومدمّرة. لا شك أنّ اختزال المحاسن أو المساوئ بما تمّ ذكره قد يعتبره البعض تسطيحاً لكن لسنا بصدد تقديم دراسة وإنما وجهة نظر مقتضبة خاصّة أن لدينا تجارب ماثلة للعيان كتجربة لبنان على سبيل المثال حيث شلّت أقلّية تابعة لحزب الله في الحكومة عمل الحكومة والرئاسة والدولة لسنوات طويلة في الوقت الذي كان فيه الحزب بأسلحته ومقاتليه الحاكم الحقيقي للبنان بعيداً عن المعادلة السياسية.

لا يعني ذلك أنّ النظام البرلماني سيء بالمطلق إنما يتعلّق الأمر بالظروف التي يتم طرحه خلالها وكذلك بوضع الأغلبيّة. من المفارقات في هذا المجال أنّ هناك جهات داخليّة واقليمية تفضّل النظام الرئاسي بشرط أن تكون قادرة على أن يكون رجلها هو الرئيس، ولا تتفاجأوا إذا ما علمتم أنّ دولاً مثل إيران قد تفضّل نظاماً رئاسيا إذا ما ضمنت وجود من يخدم أجندتها في هذا المنصب سيما وأنّ هناك دولاً سيكون لها مصلحة في وجود مثل هذا الشخص كروسيا وحتى أمريكا.

من المهم جداً فتح المجال واسعا خلال المرحلة الحالية أمام مناقشة مثل هذه الأمور، ومن الأهم أن يختار السوريون بدقّة ما يريدونه لأنّ ما يختارونه الآن سيحدد على الأرجح مستقبلهم ومستقبل بلادهم لعقود طويلة.

 

 

عربى 21

المصادر: