الحسين لا يشرب الدم !

الكاتب : محمد العوضي
التاريخ : ٢٧ ٢٠١٣ م

المشاهدات : 7458


الحسين لا يشرب الدم !

تساءلت دومًا كما تساءل الكثيرون ولم تكن الإجابة سوى سياط من نارٍ تلهب ضمائرنا وخناجر مسمومة تُغرس في قلوبنا. هل ما يحصل اليوم من قتل بالجملة وتصفيات جماعية وتطهير عرقي وتمثيل بالجثث وحرق لها وتشريد الملايين لا تستثني شيخًا كبيرًا ولا طفلًا رضيعًا ولا امرأة مُستضعفة، هل ما يحصل اليوم من مذابح سيقرها سيد شباب أهل الجنة السبط الشهيد الحسين بن عليّ عليه السلام لو أنه كان بيننا؟!

 

فكيف ثم كيف يرضاها ويُقر بها ويعين عليها ويبررها من شعارهم نحن أتباع السبط الشهيد ومحبوه؟ على مدار الساعة وقلوب الإنسانية تتفطر وعيون كل حي تنهمر من تشبع أرض الشام بدماء الأبرياء. استوقفتني تصريحات عاقلة لم أسمع مثلها خلال سنوات طويلة، وبغض النظر عمّا إذا كان بعد هذه التصريحات تكتيكًا سياسيًا أو بهدف لفت الأنظار لتحقيق أجندة معينة لكنها أصابت جوهر الحقيقة، إنها تلك التصريحات التي كانت محمولةً بمشاعر الحزن والحسرة التي أطلقها بعض رجال الدين الشيعة ومنهم أمين حزب الله السابق الشيخ صبحي الطفيلي والمرجع السيد علي الأمين والسيد محمد حسن الأمين، وغيرهم، ولعل أقصر العبارات وأعمقها تلك التي نقلت على لسان السيد مقتدى الصدر حينما قال: «لو أن آل البيت بيننا الآن ورأونا نقتل إخواننا من أهل السنّة وننصر قاتلهم لتبرأوا منا».

حقاً للشعوب أن تتفاجأ وتُصدم لما حل بالشام وأهلها من خراب وقتل وتدمير وتشريد بيد النظام المجرم الذي عاث في البلاد فسادًا سنوات طوال وكان يتعامل مع الشعب المغلوب على أمره تمامًا مثلما كان يتعامل فرعون الذي قال: «أنا ربكم الأعلى» وعلى النقيض تماماً فهو يتعامل مع الكيان الصهيوني على أنه عبد مطيع لا يريد الخروج من عباءة الصهاينة ولا من نفوذهم وقوتهم ويخضع لاحتلالهم الأرض السورية عقودًا من الزمن، كما يرضى أن يستبيحوا أرض الشام وسماءها وبحرها. ومثار العجب يزداد حقَا ممن يفترض أن يكونوا نخباً ثقافية وعلمية وأكاديمية كيف يتساقطون في بئر الطائفية المقيتة ويبررون لهذا الطاغية إجرامه في حق شعب مسالم مسلم أعزل لا يملك سوى إيمانه بالله، الشعب الذي اضطر جبرَا لحمل السلاح بعد سبعة أشهر من المطالبات السلمية لوقف إجرام النظام الذي لم تبق حرمة إلا وانتهكها، ولم يلتفت أبدًا إلى الأصوات العاقلة التي كانت تدعوه دومًا إلى الاستماع لشعبه الذي كان يحبه ويرى فيه شابًا طموحًا متعلمًا مخلصًا لوطنه، لكنه، مع شديد الأسف، اختار طريق الإجرام في حق من أحسن به الظن والأمل لتتضح حقيقة الحقد الأعمى في نفسه ونفوس مؤيديه وأتباعه ومناصريه ضد الشام وأهلها، فسقط القناع من أول تجربة وظهرت همجية الرئيس الشاب الذي كان يغلف سوءاته بالدراسة في بلاد الحضارة والتمدن!! خلط الأوراق والعجب ممن يحاولون أن يحجبوا الحقيقة بأصابعهم ويتعاملوا بأسلوب التذاكي على الشعوب، ويستمروا في ممارسة الخداع والكذب ومحاولات «مكيجة» النظام وستر قبحه وبشاعة جرائمه دون رادع من خجل أو حياء أو إنسانية أو بقية ضمير، ويسعوا لخلط الأوراق بإشاعتهم أن النظام كان ومازال داعماً للمقاومة والممانعة وهو الذي جعل من أرض سورية مقرًا ومأوى للحركات الجهادية الفلسطينية ومنهم «حماس» وكأن الواجب علينا أن نسكت عن باطل هذا النظام المجرم الوحشي، ونشيح بوجوهنا عن صور القتل والذبح الطائفي للنساء والأطفال والرجال العُزََّل ونتغافل عن عشرات آلاف الأرواح التي أزهقت وملايين البشر الذين شردوا عن ديارهم بغير ذنب ارتكبوه، ما الفرق بين هذه النخب العنصرية الجاهلة وبين من يدافع عن إجرام يزيد في حق أهل بيت النبوة والصحابة وأبنائهم بحجة أنه قاد جيش فتح القسطنطينية الوارد في الحديث المشهور!!

كيف نرتضي لأنفسنا التبرير للمجرم إجرامه يقتل الأبرياء في سورية.. إن المجرم بشار الأسد هو «الإصدار الحديث» و«الطبعة الجديدة» من يزيد، لكن بآلته العسكرية وحقده الطائفي المقيت تفوق بامتياز على من سبقه بكثرة الضحايا الذين زادوا على (100) ألف أعزل، وأسس لدمار اجتماعي يصعب ترميمه، وأعدم النفوس قبل الأجساد وخلق حالة غير مسبوقة من الأحقاد والكراهية المقيتة بين أبناء الشعب السوري الحضاري الواحد ومكوناته المتعددة التي لم يعرف في إرثه الإنساني الأحقاد الطائفية كالتي أسسها نظام الأسد. ثم ما هي حجتنا أمام الله ومنظرنا أمام شعوب الأرض ونحن نرى الأطفال والنساء والشيوخ يذبحون من الوريد إلى الوريد بشهوة شاذة مجنونة انتقامية طائفية بغيضة أبطالها مجرمون يصرحون لوسائل الإعلام أنهم يقومون بهذه الأعمال والتطهير الوحشي حفاظًا على المراقد والقبور.. فأي غواية وأي خديعة وأي همجية وأي تيه يمارسه هؤلاء الأوباش. كان واضحًا جدًا خطاب أمين عام حزب الله حسن نصر الله الأخير فاقدًا للتوازن مشحونًا بالدعوة إلى التخندق الطائفي والتمترس خلف المذهبية المهلكة التي لا تقيم وزنًا لدم إنسان بريء أو عرضه ولم ينظر فيه نصر الله إلى قيم وأخلاق كما لم يلتفت إلى أحكام شرائع الله كلها التي تحرم الاعتداء على الآمنين فضلًا عن الأطفال والنساء والعجائز وإراقة دمائهم وإزهاق أرواحهم. ورغم علم الجميع باختلاط الأوراق السياسية الإقليمية والدولية وصراع المصالح وتعدد الجبهات فإن دماء المسلمين في سورية وغيرها - وكل المسالمين من البشر - حرام، وأعراضهم حرام وأموالهم حرام، فلا ينالكم وزر استباحتها تحت أي ذريعة يا من تساندون الظالم على ظلمه، ولنكن جميعًا من العقلاء الذين يرفعون راية الحق والإنصاف ويدافعون عنها، وحاشا لسيد شباب أهل الجنة وسبط رسول الله أبا عبد الله الحسين أن يرضى عن أولئك الذين يشربون الدم!!

 

المصريون

المصادر: