واجب الإسلاميين في ثورة سورية

الكاتب : نبيل شبيب
التاريخ : ٩ ٢٠١٢ م

المشاهدات : 3545


واجب الإسلاميين في ثورة سورية

الاستمرار على التقصير انحراف عن طريق الثورة
معذرة ليس سهلاً حديث "التنظير" أثناء لهيب الثورة، ولكنّ الإسلام الذي ننطلق منه ونتحدّث عنه، يعلّمنا الجمع بين الجانب التنظيري (الفكري.. التوجيهي) والجانب العملي، وفق القاعدة التي ثبّتها طوال فترتي مكّة والمدينة في ساعة الولادة الأولى للدعوة وفي ساعة تشييد أسس المجتمع والدولة والحضارة، مع كل ما كان في الأولى من مشاهد حصار وعداء وتعذيب وفي الثانية من حروب وانتصارات وهزائم، فمعذرة للقارئ أن تسبق بعض الإيضاحات التنظيرية ذكر بعض واجبات الإسلاميين في خاتمة المقالة.

 


* كلمات إلى الإسلاميين
درءاً لاحتمال فهم الفقرات التالية أو تأويلها على غير مبتغى كاتبها، يحسن أولاً تأكيد بعض المنطلقات والثوابت ذات العلاقة بها:
1- تشمل كلمة "الإسلاميين" كلّ من يبذل جهداً خاصاً من أجل تمكين النهج الإسلامي كلياً أو جزئياً من سريان مفعوله في المجتمع والدولة.
2- النهج الإسلامي من وراء هذه السطور هو تخصيص العقيدة والعبادات للمسلم وشمول رعاية الحقوق والواجبات ومقتضيات الحكم القويم بناء على الإرث المعرفي الحضاري الإسلامي بما يتجاوز المسلمين إلى عامّة البشر.
3- ليس الأمر المطروح هنا هو "خيار الإسلاميين" فلا خيار أمامهم بين العمل للثورة الشعبية في سورية أو عدم العمل لها، بل إنّ الامتناع عن ذلك بأيّ ذريعة هو من قبيل ارتكاب الإثم، ويسري ذلك على الانحراف عن العمل "القويم" للثورة وفق ما توجبه المعايير القويمة، والتقصير في أداء الواجب دون عذر مشروع.
4- تخصيص الكلام بالإسلاميين لا ينفي ولا يستهين بدور سواهم فكلّ مواطن سوري يحمل واجب العمل من أجل الوطن ومن أجل سائر المواطنين الشركاء في الوطن الواحد.
* وحدة الإسلاميين
أوّل الأسئلة المطروحة بإلحاح: ألا ينبغي للإسلاميين أن يكونوا يداً واحدةً، تنظيماً واحداً، جماعةً واحدةً، للتمكّن من أداء الواجب؟..
1- لا يخفى أن كلمة "الوحدة" حيثما وردت ومشتقاتها في القرآن الكريم والحديث الصحيح، وردت بشأن وحدة الأمة، وحدة العقيدة، بما يميّز العلاقات العامة بين المسلمين وكأنها بين أعضاء جسد واحد رغم اختلاف الأعضاء ووظائفها عن بعضها بعضاً، أمّا بصدد أداء مهمّة بعينها، كالتفقه في الدين، أو القتال، فتذكر النصوص الحديث عن طائفة، نفر، فريق، بما يكفي لأداء الدور المطلوب، وليس عن الأمّة بأجمعها.
2- إنّ ميادين المهام المتعدّدة، المطلوبة إسلامياً، يمكن أن يجمع الواحد منها المسلم وغير المسلم في المجتمع الواحد والدولة الواحدة، بدءاً بالمجالات المعيشية كالصحة والتطبيب، انتهاء بشؤون الدولة كما كان في عقد المدينة أو العهد النبوي لنصارى نجران.
3- تعدّد التنظيمات والجماعات الإسلامية أمر واقع ولا يوجد ما يحرّمه، والمفروض استيعاب ذلك على أنّه من باب التخصّص في المهامّ، وتنوّع الاجتهادات بصدد السبل للنهوض بها، ولا يُسقط عن أحد واجب التنسيق والتعاون على البر والتقوى.
4- لا يوجد في ضوابط هذا التعاون والتنسيق صغير وكبير، وإلا تحوّلت "العلاقة" إلى تطويع الأصغر للأكبر أو هيمنة الأكبر على الأصغر، بل من الضوابط المفروضة التعامل المشترك على أساس حجم المسؤولية الواقعة على عاتق الأكبر عدداً وإمكانات.
* منظومة القيم
السؤال الثاني في هذه الوقفة السريعة: ما الذي ينبغي أن يميّز الإسلاميين ودورهم، في الثورة وسواها، ولا سيما على صعيد ممارسة السياسة والحكم؟..
1- تحت عناوين من قبيل "الواقعية" و"البراغماتية" و"المصالح المادية" انزلقت ممارسات السياسة في عالمنا المعاصر إلى تغييب العنصر الأخلاقي والقيمي في الحياة البشرية، وما لم يظهر الإسلاميون في موقع استعادة هذا العنصر في السياسات التي يطرحونها ويمارسونها، ليس تجاه بعضهم بعضاً بل في واقع البشرية عموماً، فإنّ الشرخ سيكبر بينهم وبين الإسلام الذي يحملون عنوانه وهو المتميّز "منهجياً" و"حضارياً" بارتباط جميع تعاليمه وأحكامه بمنظومة القيم والأخلاق فيه.
2- إنّ التعالي على "الآخر" بدعوى مراعاة منظومة القيم هذه هو في حدّ ذاته خرق مباشر للالتزام بها وممارستها، فلا ينبغي اعتبار التميّز بها من باب المواجهة، بل من باب الدعوة والانطلاق من القواسم المشتركة في القيم والأخلاق، القائمة بين البشر جميعاً، والتي يحمل المسلم وغير المسلم مسؤولية الرجوع إليها.
3- إنّ الانزلاق إلى تطبيق قاعدة "المعاملة بالمثل" تطبيقاً منحرفاً، أي الردّ مثلاً على الإجرام بإجرام مثله، يمكن أن يؤدّي إلى تحوّل المسلم - وليس الإسلامي فقط - إلى "نظير" الطرف الذي ينتهك القيم والأخلاق والحقوق والحريات، والذي يحمل النهج الإسلامي مهمّة مواجهته بكل وسيلة مشروعة للقضاء على الانتهاكات، دون التخلّي عن ضوابط منظومة القيم والأخلاق الذاتية.
4- ليس التطبيق في هذا الميدان سهلاً كالكلام عنه - ولهذا حُفّت الجنّة بالمكاره - ولكن يرتبط بالتطبيق أنّ النهج الإسلامي لا ينفصل في منطلقاته عن العقيدة وإن كان تطبيقه يشمل جنس البشر دون تمييز، وهذا ما يجعله واجباً جسيماً يتجاوز آفاق الدنيا إلى الآخرة، وهو ما نستوعبه من أن يكون سيّدَ الشهداء بعد حمزة رضي الله عنه، رجلٌ قام إلى حاكم جائر فأمره ونهاه فقتله.
* واجبات مبدئية
السؤال الثالث والحاسم: ما هي واجبات الإسلاميين في الثورة الشعبية في سورية، لا سيما في المرحلة الحاسمة الحالية:
1- أوّل الواجبات تثبيت أنّ الثورة الشعبية الجارية شاملة بأهدافها الجليلة الشعب كلّه دون استثناء، وإن قصّر فريق عن المشاركة الفعّالة فيها، ولا ينفي ذلك أن المشاركة في محاولات قمعها الهمجية البائسة توجب العقوبة على المشارك أيّاً كان، فلا حصانة لمجرم.
2- وثاني الواجبات تثبيت أنّ الثورة المشروعة الجارية هي ضدّ الاستبداد ولا تحقّق ذلك بحال من الأحوال إذا نشأت ثغرات -مهما كان شأنها- لترسيخ بدايات استبداد جديد، تحت أي عنوان وباسم أيّ اتجاه.
3- وثالث الواجبات تثبيت أنّ الثورة الوطنية الجارية هي في وقت واحد للتخلّص من الاستبداد المحلي والحيلولة دون تسلّل هيمنة دولية ظاهرة أو خفية، سياسية أو أمنية أو فكرية أو اقتصادية، وقد كانت الهيمنة الأجنبية وما زالت وستبقى هي "أصل البلاء" فهي مصدر صناعة الاستبداد المحلي وحضانته ودعمه.
4- ورابع هذه الواجبات تثبيت أنّ الثورة التاريخية الجارية هي ثورة حضارية بمجراها ومرساها، مهما بلغت همجية من انطلقت الثورة لتقضي على همجيتهم الدموية التي يمارسونها منذ عشرات السنين، وهذا ما يحمّل الإسلاميين تخصيصاً واجباً كبيراً للحيلولة دون الفصل بين مسار الثورة وما يواجهه من عداء ظاهر وخفيّ، وبالتالي الثبات على الهدف الحضاري للثورة على صعيد الإنسان الفرد والوطن المشترك وعلى صعيد العلاقات البشرية القويمة.
وبقدر ما تمثل الواجبات الأربعة المذكورة عناوين عريضة، يمكن أن تنبثق عن كل منها قائمة طويلة من الواجبات العملية في التعامل اليومي مع مجرى الثورة ومع من يسعى للسير به في هذا الاتجاه أو ذاك، من قوى محلية أو خارجية، ويكفي هنا ذكر بعض الأمثلة على ذلك:
1- يوجد من مارس ويمارس ما بات يعرف بشراء الولاءات عن طريق توجيه قنوات الدعم بالإغاثة المعيشية وسواها، وإذا كان العنصر أو التنظيم الإسلامي إسلامياً حقاً، فإنّ على رأس واجباته العملية أن يبذل أقصى الجهود للحيلولة دون هذه الممارسة، سيّان هل صدرت عن "شريكه" أو "خصمه"، ففي هذه الممارسات توجيه الطعنات للثورة، وللثوار، وللشعب، وتكاد تنحدر إلى مستوى ما اعتاد المسلمون وصفه بخيانة الله ورسوله والمؤمنين، مهما كانت الذرائع على هذا الصعيد.
2- يوجد من يقدّم الآن.. أثناء الثورة.. تنازلات تتعلّق بمستقبل الوطن والشعب والدولة، بدعوى "واقعيّة سياسية" أو "ضرورات وقتية" أو "حنكة" في التعامل فمن يتنازل اليوم يمكن -بزعمه- أن يتراجع عن تنازله غداً، وفي جميع ذلك مخالفة مباشرة لمنظومة القيم والأخلاق أولاً، وتعدٍّ خطير على إرادة الشعب التي تحرّرها الثورة ثانياً، وزرع بذور عقبات مستقبلية كبرى في وجه التحرّك والنهوض عبر انتصار الثورة ثالثاً، وسوى ذلك من التناقضات التي تجعل الانتساب إلى الثورة مشكوكاً فيه، ولا ينبغي للإسلاميين ولا سواهم إعلان هذا الانتساب وانتهاكه في وقت واحد.
3- المفروض بالإسلاميين أن يدركوا ما يعنيه شعار النسبة الأعظم من الثوار "يا ألله ما لنا غيرك يا ألله"، فهو لا يقتصر على تثبيت الاعتماد على الله وحده، بل يؤكّد في الوقت نفسه أنّ القوى البعيدة والقريبة، تناصب الثورة عداء مباشراً أو تعمل على احتوائها وتجييرها لأهداف أخرى، وهو أيضاً "صرخة" في وجه معظم من يتحدّثون عن "دعم الثورة" أنّهم لا يؤدّون واجب الدعم كما ينبغي، وهذا ما يسري على الإسلاميين وسواهم، فلا يستدعي الشعار انتظار أن يتنزّل النصر من السماء دون أخذ بالأسباب -التي يأخذ بها الثوار- بل يجب على من يدعم الثورة، من الإسلاميين وسواهم، استنزال النصر بالأخذ بأسبابه أيضاً، وما دام التقصير في الدعم الكافي والقويم مستمراً، فكل من يقصّر بذلك يحمل -على الأقلّ- جزءاً من المسؤولية عن تأخير النصر.
4- الإسلاميون، خارج الحدود، مطالبون قبل سواهم، بالتحرّك على مستوى الشعوب لاستثارة نصرتها للثورة الشعبية في سورية، وعلى مستوى الحكومات لتحذيرها من مغبة عدائها للثورة أو تقصيرها بحق الشعب الثائر، وعلى مستوى كافّة السوريين، لتنسيق الجهود على قواسم وطنية مشتركة، وتأجيل كلّ اختلاف في التوجّهات السياسية وغير السياسية إلى ما بعد استقرار دعامات الدولة الدستورية التعددية المشتركة.
إن الخطوة الأولى في اتجاه القيام بهذه الواجبات -وسواها.. وسواها كثير- كما ينبغي، وبالقدر الكافي الذي يرتقي إلى مستوى الثورة الشعبية البطولية التاريخية في سورية، هي الإقرار من جانب الإسلاميين عموماً، أنّهم لا يزالون بعيدين عن أداء الواجب الذي يفرضه عليهم دينهم الإسلامي العظيم، بجميع أبعاده العقدية والأخلاقية والحضارية، ويفرضه عليهم حمل راية "العمل الإسلامي"، ويفرضه عليهم الواجب تجاه الوطن وأهله بمختلف المعايير، ولا يكفي للعذر بين يدي الله تعالى القول: نحن مقصرون، ما لم يبدأ العمل الجادّ على وضع حدّ نهائي لحالة التقصير هذه.

 

المصدر: الإخوان المسلمون سورية

المصادر: