المسجد الأموي في حلب - تاريخ لا ينسى

الكاتب : أسرة التحرير
التاريخ : ١٤ ٢٠١٣ م

المشاهدات : 15205


المسجد  الأموي في حلب  - تاريخ لا ينسى

مسجد حلب يعد الأشهر  والأضخم في حلب بعد قلعة حلب أكبر قلعة باقية حتى الآن... ويعرف بالجامع الأموي أو جامع بني أمية، ويطلق عليه البعض اسم جامع زكريا بسبب دفن قطعة من جسد نبي الله زكريا في الجامع.

وهو مَعْلم تاريخي مهم جداً لما يحكيه للمهتمين بتاريخ المساجد وعمارتها وأشكالها وأنماطها من فوائد جمة وذكريات غالية... وهو يقع قريباً من القلعة الشهيرة إلى الغرب منها قليلا.


بناء المسجد  96 هـ  716 م:
قيل: إن الوليد بن عبد الملك، بناه ضمن سلسلة الأبنية الرائعة التي قام بها في أيام خلافته، كالمسجد الأموي في دمشق وغيره، مما خلد ذكره على مر التاريخ، ويستدل هؤلاء على ما يزعمونه بما كان في الجامع الأموي في حلب من زخارف ونقوش وفسيفساء ورخام لا نظير له إلا في مسجد دمشق.
وقال بعض المؤرخين: إن الذي بنى جامع حلب الكبير إنما هو سليمان بن عبدالملك شقيق الوليد لاالوليد نفسه، وإنما أراد سليمان أن ينافس أخاه في أعماله العمرانية، فأولى هذا الجامع عناية فائقة، وأنفق عليه أموالاً ضخمة، وجعله تحفية فنية رائعة في جمالها وسعتها واتقانها. وقيل أن عمر بن عبد العزيز أشرف على بناء المسجد.
أما أحجار بنائه  فقد كانت لكنيسة كبيرة متهدمة مهجورة، كانت في مدينة كورش
وكان في المسجد منارة قديمة، إلا أنها لم تكن تناسب ضخامته، وآلت مع الزمن إلى التصدع ، فقام القاضي أبو الحسن محمد بن يحيى بن محمد الخشاب ببناء المنارة الحالية، التي تعتبر من
روائع المنارات في العالم الإسلامي، وقد عمد المعمار الذي بناها ـ وهو من قرية سرمين قرب حلب ـ إلى حفر أساسات عميقة، وصل بها إلى الماء، ثم جعل أساساتها من الحجر المترابط بعضه مع بعض بواسطة كلاليب الحديد والرصاص، ثم ارتفع بها في الهواء قرابة 30 مترا ، وجعل لها مائة وأربعة وسبعين درجة، وهي مربعة الشكل يبلغ طول الضلع الواحد فيها قرابة ثلاثة أمتار، وفي أعلاها موقف للمؤذن، ثم تعاود الارتفاع حتى تختم بقبة.
وعلى المنارة من كل الجهات الأربع نقوش حجرية بديعة الصنع مقسمة إلى مربعات ، تتخللها زخارف هلالية تقوم على أعمدة. وبنيت قبة في صحنه.

مساحات المسجد:
وطول المسجد قرابة مئة وخمسين مترا، وعرضه حوالي مئة متر تقريبا، ويقوم الجامع اليوم على مساحة من الأرض يبلغ طولها 105 أمتار من الشرق إلى الغرب، ويبلغ عرضه نحو 77.75 متر من الجنوب إلى الشمال وهو يشبه إلى حد كبير في مخططه وطرازه جامع دمشق.
وله أربعة أبواب هي:
• الباب الشمالي, يقع إلى جوار المئذنة.
• الباب الغربي, ينفذ إلى شارع المساميرية.
• الباب الشرقي, وينفذ إلى سوق المناديل.
• الباب الجنوبي, ينفذ إلى سوق النحاسين.
تفضي إلى مجموعة كبيرة من أسواق حلب التجارية الأثرية، وجدرانه سميكة جداً تبلغ أقل من مترين، وارتفاعها قرابة تسعة أمتار.
وبيت الصلاة قائم على ثمانين عضادة ثخينة، موزعة على أربعة صفوف موازية لجدار القبلة، في كل صف عشرون عضادة، وبين كل عضادتين من كل جهة قرابة أربعة أمتار، مما يجعل بيت الصلاة واسعاً مهيباً يوحي بالجلال والرهبة...
منبر نفيس قل نظيره:
… ويلفت النظر في بيت الصلاة في الجامع الأموي في حلب أمران اثنان:
أولهما: المنبر الذي يصفه الشيخ كامل الغزي بقوله:
وهو من الخشب المصنع الجميل العديم النظير في مساجد حلب، قد اشتمل على رقاع مخمسة مسدسة بديعة الصنعة، قد نزّل فيها قطع رقاق من العاج والصفر الذي يلمع كأنه الذهب، ومن جملة خشب هذا المبنر الابنوس الشهير، وارتفاعه عن أرض القبلية إلى كرسيه الذي هو يعد آخر درجة منه أقل من ثلاثة أمتار، ثم تكون قبة.
وقد خط عليه اسم عامله ومتوليه ومن أمر به والسلطان الذي كان عصرهُ.
وكان هذا المنبر صنع مع منبر نظير له حمل إلى بيت المقدس بعد أن فتحت القدس على يد المرحوم السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب.
وثانيهما مما يلي المنبر المحراب الكبير وهو من الحجر الأصفر البعاديني الفخم.

ماء المسجد:
كان تحت صحنه خزان ماء كبير جداً، يكفي أهل المدينة إذا طرقهم العدو ـ وما أكثر ما يحدث ذلك ـ فقام متولي أوقاف الجامع ابن الأيسر بعمارة ذلك المصنع، الذي تتجمع فيه المياه العذبة من قناة حلب الشهيرة، فجاء مصنعاً (خزان ماء) واسعاً متقناً، يكفي السقائين والناس ولا يفرغ من الماء.
وقد تبرع ببنائه فاعل خير مجهول طرق الباب على ابن الأيسر ليلاً ودفع إليه ـ على مرتين ـ ألفي دينار ذهباً دون أن يعرفه بنفسه، سوى أنه يريد فعل الخير على يديه دون ضحة، فالله أعلم به.

أحداث وقعت للمسجد:
• مسجد حلب والخلافة العباسية:
للأسف كان موقف الخلافة العباسية التي قامت على أنقاض الخلافة الأموية سلبيا للغاية ... فبسبب العداء الذي كان بين الأمويين والعباسيين. أزال العباسيون الزخارف والزينات والآلات ونقلت جميعها إلى جامع الأنبار في العراق.

• اقتحم نقفور ملك الروم حلب عام351هـ على حين غرة وعاث فيها فسادا وأحرقها ثم عمد إلى المسجد وأحرقه بأكمله.
• ثم قام سيف الدولة الحمداني بترميمه ولكنه لم يكمل ، وأكمل ذلك غلام ابنه سعد الدولة الحمداني وكان يدعى قرعويه وأضاف إليه القبة الفوارة في وسط صحنه وهي قبة تقوم على أعمدة وفيها جرن رخام أبيض في غاية الكبر والحسن، وفي حافته مكتوب (هذا ما أمر بعمله قرعويه غلام سيف الدولة ابن حمدان في سنة 354هـ).

• يذكر أنه في شوال عام 564هـ قام الفاطميون بإحراق الجامع الكبير في حلب حينما أخذوها من نور الدين زنكي الملقب بالشهيد، فلما استعادها منهم اجتهد في عمارة هذا المسجد، وقطع الأعمدة الصفر من بعادين، ونقل إليه عمد سورقنسرين، وزاد في مساحة المسجد من جهة الشرق بإضافة سوق إلى جواره موقوفة عليه، حتى صار المسجد مربعاً في شكله حسناً في مرآه وحاله.

• وتعرض مسجد بني أمية في حلب للإحراق مرة أخرى عام 679هـ ، حينما أحرقه ملك سيس أحد ملوك الأرمن، فلما تولى نيابة حلب قراسنقر أمر القاضي شمس الدين صقر الحلبي بعمارته وتجميله، ففرغ من ذلك عام 684 هـ.

• وفي سنة 834هـ وقعت الواجهة الغربية للجامع وكان سقفها جملوناً من خشب، فقام الأمير يشبك اليوسفي نائب حلب بإحداث قبو تحت تلك الجهة للانتفاع به في مصالح المسجد، ثم رفع فوق القبو المجنبة الغربية منه، مع اعتناء زائد واتقان جميل.
آثار المسجد:
• قبر نبي الله زكريا عليه السلام:
في بيت الصلاة: حجرة مربعة في جدار القبلة جوار المحراب، يصعد إليها بدرجة واحدة، سقفها قبة  وجدرانها الثلاثة : الجنوبي والشرقي والغربي، بنيت من أجمل الخزف القاشاني الملون، وباب هذه الحجرة ــ وهو الجهة الرابعة منها ـ عليه قنطرة عالية ارتفاعها ستة أمتار، وحجارتها سود وصفر محمولة على عمودين عظيمين، وعلى هذه القنطرة مع العمودين الحاملين لها نحاس أصفر مشبك على شكل مربعات من رأس العمودين إلى أرض الحجرة، ذو مصراعين يفتح ويغلق، وفي جانب كل من العمودين زخرفة من القاشاني البديع، وهذه الغرفة تعرف باسم مزار سيدنا زكريا..
وقد نقل ابن شداد وابن الشحنة وابن الخطيب ــ … و كل منهم تكلم في تاريخ حلب ــ نقلوا عن ابن العظيمي أنه في سنة 435هـ ظهر ببعلبك في حجر منقور رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام، فنقل إلى حمص ثم منها إلى مدينة حلب في هذه السنة، ودفن في قلعتها في مكان يعرف بالمقام، ثم لما احترق المقام في القلعة في حادثة التتار سنة 659هـ، عمد أبو بكر ابن ايليا الناظر... على الذخائر وأبو حامد بن النجيب الدمشقي الأصل الحلبي المولد إلى رأس زكريا عليه السلام فنقلاه من القلعة إلى المسجد الجامع بحلب، ودفناه قرب ما هو المنبر، وعمل له مقصورة وهو يزار...
• وعلى أرض تلك الغرفة يرتفع تابوت ضخم، مغطى بكسوة نفيسة من مخمل مزركش بالفضة فيه بعض سورة مريم، كان أرسلها السلطان العثماني عبدالعزيز خان عام 1291هـ .. وفي الغرفة أيضاً مصحف أثري قديم وبعض الهدايا النفيسة.
وفي بيت الصلاة ـ سوى المنبر والمزار ـ كثير من الآثار: منها مقصورة قديمة مجددة كان يستخدمها بعض الولاة.
• ومنها خزائن كتب نفيسة ومنها كتابات تسطر أسماء وعصور من أحدثوا في هذا المسجد أعمالاً ترميمية أو إصلاحية أو إضافية، وعلى الأخص السدة المواجهة لقبلة الجامع.
صحن المسجد ورواقاته:
وصحن الجامع كبير جداً فرش كله بالرخام الأصفر الذي تتخلله بلاطات سود على صفة جميلة من النقش إذا نظرت إليه أول وهلة حسبت تلك الزخرفة كتابة كوفية، وليست كذلك.
وحوله من الجوانب الثلاث: الشرقية والشمالية والغربية رواقات ثلاث مفروشة بالبلاط الأصفر فقط، وقد تبرع بهذا البلاط عام 1042هـ رجل من الأعيان اسمه زين الدين بك.
وفي صحن المسجد محراب صغير يقف فيه الإمام لأداء الصلوات الجهرية أيام الصيف ،وتجاهه مصطبة لوقوف المؤذنين عوضاً عن السدة التي بداخل بيت الصلاة.
ويشتمل صحن الجامع على معالم لمعرفة وقت الظهر والعصر صنع سنة 1300هـ.
كما يشتمل الصحن على بئر كبيرة معطلة حالياً، ويشتمل كذلك على حوض مدور عليه قبة محمولة على ستة عواميد وهي القبة الفوارة.
وفيه أيضاً عمود من الحجر الأسود ارتفاعه 4 أمتار، وفي رأسه شبه قفص من اطواق الحديد، كانت تعلق بها القناديل... ويقال: بأن نورالدين زنكي ـ وهو أحد الذين جددوا عمارة مسجد بني أمية في حلب ـ كان يحرق به العود البخور في المواسم الدينية ليتضوع في أرجاء المسجد.
علامة وقت الصلاة ... والموقتون:
وبما أن صحن المسجد دون ارتفاع ارض الأروقة المحيطة به، فإنه توجد ثلاثة درجات في مختلف النواحي للصعود إلى الأروقة، منها ثلاث درجات في الزاوية الشمالية الشرقية ، والثانية من تلك الدرجات الثلاثة محزوزة حزاً مستقيماً من جنوبيها إلى شماليها، فمتى بلغت الشمس هذا الحز أذن المؤذن للظهر، والذي حز تلك الدرجة هو عبد الله بن عبد الرحمن الحنبلي الميقاتي...
وقد عرفت وظيفة المؤقت في هذا المسجد الكبير الذي تقتدي به مساجد حلب كلها في الأذان، وكان آخر الموقتين الشيخ الزاهد يس موقت رحمه الله.
وقد أعدت إدارة الأوقاف حالياً فوق المنارة كرة كبيرة مفرغة الداخل ملونة بلون أحمر واضح للعيان فإذا حان وقت أذان الظهر أو العصر رفعها المؤذن وهو في غرفة الأذان أسفل المنارة، بواسطة آلة خاصة، فتعرف مساجد حلب حلول الوقت، فتؤذن تبعاً لذلك فورا. أما في الليل فإن في رأس المنارة كشافاً كبيراً مميزاً يضيء عند حلول أوقات الصلاة.
المسجد والتعليم:
بلغ عدد مدرسي الجامع اثني عشر مدرساً ، وعدد المحدثين ستة وعشرون، وعدد القراء والحفظة سبعة عشر وعدد الأئمة أحد عشر، وعدد الخطباء سبعة، وعدد المؤذنين أربعة عشر، وعدد خدمة الجامع ثلاثون، تصرف لكل منهم مقدرات ثابتة تأتي عن طريق الوقف، ويشكلون خلية نشاط دائمة الحركة في المسجد.

أوقاف ونفقات المسجد:
للجامع نفقات خاصة في رمضان زائدة عما في سائر العام.. وكذلك في أيام المولد النبوي الشريف.
وهذه النفقات تشمل تنوير المسجد وتنظيفه، وإيقاد الشمع العسلي فيه، وتشمل أجرة قارئ القرآن والمولد ومنشد القصيدة وأجرة الحلاوي الذي يقوم بتوزيع الأشربة الحلوة على الحضور.
وبلغت الأوقاف الشيء الكثير الواسع الذي يشمل أراضٍ ودوراً ودكاكين في حلب وحواليها، بل وقرى بأكملها تبلغ نيفاً وعشرين قرية... فجميع الأسواق المحيطة بالجامع، وكثيراً من أسواق المدينة القريبة منه وقف عليه، كسوق الصاغة وسوق الحبالين وسوق الطواقين وغيرها...
ويذكر أن بعض المدارس الشرعية بنيت بجوار جامع بني أمية في حلب، ملاصقة أو قريبة، لتمثل ملحقات به تحتمي في ظلاله منها المدرسة الشرفية التي أنشأها الإمام عبد الرحمن العجمي وزوجته وأقاربه، وكانت مدة عمارتها أربعين سنة، ووقف لها أوقافاً عظيمة، وتخرج بها أئمة كبار مثل شيخ الإسلام ابن حجر وشمس الدين ابن ناصر.

وصف جمال المسجد:
قيل: إن جامع حلب كان يضاهي جامع دمشق في الزخرفة والرخام والفسيفساء وهي الفص المذهب إلى أن أحرقه الدمستق لعنه الله . وإن سليمان بن عبد الملك اعتنى به. كما اعتنى أخوه الوليد بجامع دمشق.
ويحيط بمسجد حلب أسواق مسقوفة فهي دائماً في ظل ممدود وقيساريتها لا تماثل حسناً وكبراً، وهي تحيط بمسجدها وكل سماط منها محاذٍ لباب من أبواب المسجد. ومسجدها الجامع من أجمل المساجد في صحنه بركة ماء، ويطيف به بلاط عظيم الاتساع. ومنبرها بديع العمل، مرصع بالعاج والآبنوس.
وقد اكتسب الجامع شهرة على مستوى العالم الإسلامي، نظراً لما يحتويه من زخرفة في فن العمارة الإسلامية وطراز عمراني قديم، إضافة إلى كونه عملاً معمارياً.
واحتواء الجامع على كنوز هامة, ففي الحرم سدة من الخشب المزخرف بألوان مختلفة مع كتابة تشير إلى عصر بانيها "قره سنقر كافل حلب"
ويعود المنبر إلى عصر الملك الناصر محمد، وصنعه محمد بن علي الموصلي، كما تشير الكتابة عليه، وهو من أجمل المنابر مزخرف بالرقش العربي الهندسي المركب من خشب الأبنوس والمنزل بالعاج والنحاس البراق ويعود المحراب إلى عصر السلطان قلاوون.
وقد تم بإشراف كافل حلب قره سنقر سنة (681 هـ / 1281 م) وهو مبني بالحجر المشقف بزخارف هندسية رائعة.
وكما هو الأمر في الجامع الأموي في دمشق، فإن ضريحاً يطلق عليه اسم الحضرة النبوية، ويقال إنه يحوي قبر النبي زكريا، موجود وفيه أشياء ثمينة محفوظة، منها مصاحف شريفة كتبها كبار الخطاطين السوريين والأتراك، وفيها قناديل قديمة مذهبة ومفضضة وقواعد شمعدان ولقد أنشئ هذا الضريح منذ عام (907 هـ / 1500 م)
ترميم المسجد:
رمم المسجد مراراً. وكانت آخر الترميمات سنة (1030 هـ / 1620 م) وكسيت جدرانه الثلاثة بألواح الخزف القاشاني وأقيم باب الضريح وفوقه قوس من الحجارة بلونين أسود وأبيض إن أروع ما يحويه هذا المسجد، هو مئذنته المربعة المرتفعة خمسين متراً والتي جددت سنة (873 هـ / 1094 م) بديلاً عن مآذن أموية نعتقد أنها كانت أربع مآذن في أركان المسجد، وكانت مربعة ولا شك على غرار جامع أمية الكبير بدمشق والجوامع الأخرى التي أنشئت في عصر الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك.
وصف ابن جبير للجامع:
وصف ابن جبير في رحلته في حلب، لهذا الجامع الذي زاره سنة (580 هـ / 1183 م) وبين حالة المسجد قبل حريقه مع الأسواق سنة (564 هـ / 1168 م) وترميمه من نور الدين زنكي فيقول: "إنه من أحسن الجوامع وأجملها في كافة البلاد الإسلامية، قد أطاف بصحنه الواسع بلاط كبير متسع مفتح كله أبواباً قصرية الحسن إلى الصحن، عددها ينيف على الخمسين، والبلاط القبلي الحرم لا مقصورة فيه فجاء ظاهر الاتساع".
ثم يصف المحراب والمنبر وزخارفهما فيقول "ما أرى في بلدٍ من البلاد منبراً على شكله وغرابة صنعته، واتصلت الصنعة الخشبية منه إلى المحراب فتجللت صفحاته كلها خشباً على تلك الصنعة الغريبة وارتفع كالتاج العظيم على المحراب، وعلا حتى اتصل بسمك السقف وقد قوّس أعلاه.. وهو مرصع كله بالعاج والأبنوس. إن المنبر والمحراب الذي يصفه ابن جبير قد صنع في الوقت الذي أمر فيه نور الدين زنكي بصنع منبر للمسجد الأقصى، نقله فيما بعد صلاح الدين بعد تحرير القدس سنة (583 هـ / 1187 م).

مسجد حلب ونظام الأسد:
تعرض الجامع الأموي وسط مدينة حلب لتخريب وحريق كبير التهم جزءا كبيرا من محتوياته النفيسة، وذلك بعدما شهد اشتباكات عنيفة استمرت ثلاثة أيام بين قوات النظام التي كانت تتمركز فيه ومقاتلي الجيش الحر، ليضاف إلى تاريخ هذا الجامع حريق معاصر إلى جانب ما سبق وتعرض له على يد الروم والتتار.
فقد دمر جزء كبير من الجامع واحترق معظم محتوياته، وأصبح  السواد يغطي كافة جدران المسجد وأروقته، كما تعرض أحد جدرانه للتدمير الكامل.
وكذلك دمر مدخل الجامع بقنابل يدوية لخلق ساتر من الركام يعوق دخول الجيش الحر ويسهل لجنود النظام الانسحاب بعد محاصرتهم وقطع الإمداد عنهم وتعرض المنبر الأثري النفيس للاحتراق والتكسير.
ولم يكتف نظام الأسد بتدميره بل أيضا قاموا بتدنيسه فقد وجدت زجاجات خمر قريبا من مرقد النبي زكريا داخل الجامع، وعثروا على المصاحف التاريخية ممزقة ومحروقة، كما لم يبق معلم في المسجد سليما.
أما غرفة الإمام والمؤذن فقد عثر فيها على مسروقات من الأسواق المحيطة بالجامع خزنها شبيحة النظام، والذين كتبوا على براد الماء «نحن لا نطلب الرحمة من أحد لأنه سوف يأتي يوم لا نرحم فيه أحدا.. شبيحة الأسد».

وكان الشيخ الهنداوي قد دخل المسجد في 4/9/2012 فهاله منظر جنود النظام السوري وهم يتناولون الخمر في المسجد، فتحدث إليهم وقال لهم إن ما يفعلونه انتهاك لحرمة المسجد، فجاءه رد عنيف من جنود الأسد. انصرف الشيخ هنداوي غاضباً إلى مكتبه واتصل هاتفياً بمحافظ حلب وحيد عقاد (لظنه أنه سيحل المشكلة!) الذي وعده خيراً، ولكن عند خروجه من المسجد استوقفته عناصر قوات النظام السوري الذين يحتلون المسجد وتهجموا عليه بالكلام قبل أن يعتدوا عليه جسدياً عندما حاول مناقشتهم، ثم تم سحبه إلى مكان مجهول عُلم بعد ذلك أنه فرع المخابرات الجوية المعروف بشدة إجرامه وتصفية المعتقلين وإلقائهم في الشوارع!
وقد نقل موقع عكس السير الالكتروني أن رجال دين موالين للنظام مثل محمد سعيد رمضان البوطي ومفتي النظام السوري أحمد حسون أبلغوا بشار الأسد شخصياً بالأمر ودعوه لإطلاق سراح الشيخ هنداوي، لكن رده جاء بأن الأسد “يثق بضباطه وفي حال لم يسء الشيخ إلى البلد فسيتم إطلاق سراحه”! وفي وقت لاحق، وبدلاً من إطلاق سراح الشيخ هنداوي، تم نقله من فرع المخابرات الجوية في حلب إلى مقر الجهاز في دمشق! وأفاد مصدر من داخل الجهاز أن “وضع الشيخ ازداد سوءاً”.

 

==================================
المصادر:
i. كتاب: تاريخ المساجد الشهيرة - عبد الله سالم نجيب
ii. كتاب: اليواقيت والضرب في تاريخ حلب - إسماعيل بن شاهنشاه بن أيوب
iii. كتاب : رحلة ابن بطوطة - محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي، أبو عبد الله، ابن بطوطة.
iv. صحيفة الشرق الأوسط
v. موقع ويكيبيديا

المصادر: