النظام مازال عميلاً مخلصاً للكرملين حتى بعد تفكيك الاتحاد السوفياتي

الكاتب : جون هيربست
التاريخ : ٧ ٢٠١٦ م

المشاهدات : 3022


النظام مازال عميلاً مخلصاً للكرملين حتى بعد تفكيك الاتحاد السوفياتي

يبدو أن التدخل العسكري في سورية في العام الماضي قد أثمر بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فقد عزز حكومة  بشار الأسد، وأوضح أهميته أمام إيران، وحسن هيبة روسيا وعلاقاتها مع القوى الرئيسية الأخرى في المنطقة. وفي الأثناء، جعل بوتين الولايات المتحدة تبدو غير فعالة، إن لم تكن غير ذات صلة. لكن دور روسيا الجديد كوسيط للقوة في الشرق الأوسط أبعد ما يكون عن التأكيد.
منذ ظهور الاتحاد السوفياتي كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط في خمسينيات القرن الماضي، كانت
سياسة موسكو قائمة على علاقات وثيقة مع الأنظمة العربية الرئيسية -أولاً الرئيس المصري جمال عبد الناصر، ثم مع سوية والعراق. وفقدت موسكو النفوذ على مصر عندما حول الرئيس الراحل أنور السادات بلده باتجاه الولايات المتحدة بعد حرب يوم الغفران العربية-الإسرائيلية في العام 1973، ثم خسرت العراق لاحقاً عندما عزل الرئيس الراحل صدام حسين نفسه وبلده عبر غزو الكويت في العام 1990، مما أفضى إلى نشوب حرب الخليج. وترك ذلك التطور موسكو مع نظام الأسد في سورية -وظل ذلك النظام عميلاً مخلصاً للكرملين حتى بعد تفكيك الاتحاد السوفياتي في التسعينيات.
أخيراً، هيأت الأزمة السورية المسرح أمام عودة موسكو كقوة رئيسية في الشرق الأوسط. ويتلخص موقف روسيا في أن نظام الأسد هو الحكومة الشرعية في سورية، وأن أي جهد يجري لاستبداله سيؤدي إلى الفوضى العارمة أو إلى انتصار للمتطرفين المسلمين. والأكثر أهمية أن الكرملين قدم مساعدات عسكرية ودبلوماسية متزايدة لمساعدة الأسد في الإبقاء معارضيه بعيدين. وكان مكمن اهتمام موسكو الرئيس هو الحفاظ على حليف مخلص، بالإضافة إلى حماية القاعدة البحرية في طرطوس التي ما تزال تحت سيطرتها منذ عقود.
عبر العمل للحفاظ على الأسد في السلطة، أرادت موسكو أيضاً أن تظهر قدرتها على وقف تمدد ما تدعى بالثورات الملونة. وينظر الكرملين إلى الإطاحة بالقادة المستبدين الأصدقاء في صربيا وجورجيا وأوكرانيا على أنها انقلابات موجهة من الغرب ضد الحكام الذين يتوافرون على علاقات صداقة مع روسيا. وعندما بدأ الربيع العربي في العام 2011 في تونس، ثم انتشر في عموم الشرق الأوسط، اعتقدت موسكو مرة أخرى أن الحكومات الغربية كانت تسعى إلى تغيير النظام. وبشكل خاص، انتقدت روسيا بمرارة عملية الناتو في العام 2011 في ليبيا، والتي كانت قد سمحت بها عبر الامتناع عن التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 الذي خول بفرض منطقة حظر طيران في البلد، بدلاً من استخدام حق النقض “الفيتو” ضده. وقاد هذا العمل العسكري في نهاية المطاف إلى خلع ثم إعدام الزعيم الليبي معمر القذافي الذي طال أمد حكمه. ويبدي الكرملين تصميماً على عدم تكرار هذه السابقة في سورية.
عاد دعم موسكو القوي للأسد على روسيا بفرصتين كبيرتين لصقل هيبتها. وكانت الأولى في العام 2013 عندما كسر الأسد الخط الأحمر للرئيس الأميركي باراك أوباما واستخدم أسلحة كيميائية ضد المعارضة السورية. وعندما اتضح أن أوباما لن يتخذ إجراء، عرض الكرملين عليه ببراعة مخرجاً تمثل في التوسط لصفقة تنص على أن يسلم الأسد أسلحته الكيميائية في مقابل عدم قيام واشنطن بضربه.
وجاءت الفرصة الثانية عندما بدا واضحاً أن موقف الأسد كان ضعيفاً في العام 2015. وعلى الرغم من الإمدادات العسكرية الروسية والإيرانية الكبيرة ودعم الحرس الثوري الإيراني وميليشيات حزب الله اللبناني الشيعي، كان النظام السوري ينسحب من المزيد والمزيد من الأراضي لصالح معارضيه في صيف العام 2015. ودفع هذا الكرملين إلى مضاعفة تدخله بحملة جوية ضخمة في شهر أيلول (سبتمبر) ذلك.
وهنا أيضاً لعبت موسكو بمهارة بالسياسة الأميركية التي كانت تدير حملة عسكرية فعالة بازدياد -ضد “داعش”. وبينما كانت الولايات المتحدة تمنع “داعش” من تحقيق مكاسب إضافية ضد حكومة الأسد، وجهت موسكو جهودها العسكرية ضد المزيد من مجموعات المعارضة المدعومة من جانب الغرب. وفي أواخر كانون الأول (ديسمبر) من العام 2015، بدأت روسيا ب استخدام قنابل مغناطيسية -كما كانت قد فعلت لإنهاء الحرب الثانية في الشيشان- لدعم قوات الأسد البرية وجهودها لاستعادة بلدة الشيخ مسكين. ثم استخدمت التكتيكات نفسها في شباط (فبراير) التالي لاستعادة ربيعه في وسط البلاد. ثم استخدمتها منذ الربيع لاستعادة أطراف حلب في الشمال الغربي. كل هذا غذى الشعور بأن دور موسكو كان حاسماً، وهو ما جعل روسيا بوتين تبدو مرة أخرى بمثابة القوة الخارجية المتفوقة في المنطقة.
كما عزز دعم الكرملين للأسد علاقته مع إيران -التي كانت قد توترت بسبب قرار موسكو الانضمام إلى الغرب في الضغط على طهران لكبح برنامجها النووي. لكن روسيا ارتكبت خطأً تكتيكياً عندما أعلنت أنها تشن بعض العمليات الجوية في سورية من قاعدة جوية في إيران، مما دفع طهران إلى إعلانن أن القوات الروسية لن تتمتع بوصول إلى قواعدها مرة أخرى.
ساعد قرار موسكو الحاسم في سورية سمعتها مع الحكومات العربية الرئيسية. وهو أمر طبيعي في حالة بغداد -وحتى القاهرة التي لا تريد رؤية الأسد وقد سقط أمام المتطرفين المسلمين. لكن التبرير في السعودية كان أكثر تعقيداً؛ حيث يتناقض دعم روسيا القوي للأسد مباشرة مع الجهود السعودية لإسقاط النظام في دمشق، كما أن الرياض تشك بعمق في علاقات موسكو الوثيقة مع منافستها إيران. لكن الحكام السعوديين أكثر حنقاً حتى من حليفهم التقليدي في واشنطن. وبينما تدعم الرياض وواشنطن بعضاً من نفس مجموعات المعارضة السورية، فإن الرياض تدعم بعض المجموعات السلفية المتطرفة التي لا تستطيع الولايات المتحدة تأييدها، وما تزال واشنطن تركز على خفض تواجد “داعش” في سورية أكثر مما تعمل على إزاحة الأسد عن السلطة. ولذلك، يركز المسؤولون والمعلقون السعوديون على دعم موسكو الفعال لحليفها في سورية من أجل دفع الولايات المتحدة إلى القيام بعمل أقوى ضد الأسد.
يستفيد بوتين أيضاً من العلاقات الشخصية الصعبة بين أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والناجمة في الأساس عن خلافات حول الصفقة النووية الايرانية وعملية السلام الفلسطينية. ويشعر نتنياهو بالسرور بالوصول إلى بوتين على الرغم من علاقات موسكو الوثيقة مع طهران.
تعتمد مكانة روسيا التي وجدت حديثاً على الحفاظ على نظام الرئيس الأسد الهش في السلطة. وقد يثبت هذا مع الزمان أنه رهان ضعيف للإبقاء على نجاح روسيا ونفوذها في المنطقة ثابتين.

 

 

مجلس الأطلسي- ترجمة صحيفة الغد

المصادر: